مرقس 11، 1-10
مع أحد الشعانين، ندخل الأسبوع المقدس، حيث نحتفل بالساعة التي يكشف فيها يسوع بشكل نهائي سر محبة الآب للبشرية.
نصل إلى هذه العتبة بعد أن مررنا بمراحل الصوم المختلفة.
وقد فعلنا ذلك بنظرة شخص مندهش من ظهور إله “مخالف للتوقعات”، إله مختلف وبعيد عن أشكال القوة والعظمة.
يقودنا إنجيل اليوم إلى نفس الطريق (مرقس 11، 1-10).
تكمن خصوصية هذا المقطع في أنه يروي دخول يسوع المنتصر إلى القدس، ولكنه أيضاً يشير إلى العديد من التفاصيل الدقيقة.
سبع آيات من أصل عشر (مرقس 11، 1 – 7) تصف استعدادات الدخول إلى القدس.
لم يستطع أحد أن يضع يده على يسوع، فلم تكن ساعته قد حانت بعد (يوحنا 7: 30). لكن في اللحظة التي تأتي فيها الساعة، لا شيء يمكن أن يوقفه، فينطلق هو بنفسه لهذه الساعة: يرسل تلميذين إلى قرية لإحضار الجحش، ويتوقع أن يعترضهما شخص ما، فيقول لهما بماذا يجيبان. باختصار، أنه يهتم بكل التفاصيل ولا يترك مجالاً للصدفة.
وسيفعل يسوع الشيء نفسه لاحقًا (مرقس 14، 12 – 16)، في العشاء الأخير الذي سيقضيه مع تلاميذه: يرسل تلميذين إلى المدينة، حيث سيجدان رجلاً معه إبريق، طلب منهما أن يتبعاه، ويخبرهم بما يجب أن يقولاه… لقد حضّر يسوع لموته ولم يعد له وحده، كما لم يعش حياته وحيدًا: سيشارك تلاميذه في هذا التحضير.
لكن لماذا كل هذا التحضير؟
جهز يسوع موته ورتب الحقائق بطريقة تجعل من المعنى الذي يحمله واضحًا.
في العشاء الأخير، سيحاول أن يقول لتلاميذه أن موته ليس بفشل، ولا نهاية لكل شيء، بل تتويجًا لحياة بذلتها المحبة. وأن هذه الهبة مثل الخبز المكسور، ستكون الغذاء والقوة لمسيرتهم الجديدة، ولشركتهم الأخوية.
لقد أعد يسوع الدخول إلى القدس بعناية حتى يتضح الأسلوب المسيحاني الذي اختاره والذي ظل أمينًا له حتى النهاية.
وبما أنه ملك، يستطيع يسوع أن يدخل القدس راكبًا على حصان لا سيرًا على الأقدام، كما كان متوقعًا.
وبما أنه ملك، فيمكنه أن يأخذ حصان من أحد أوليائه.
ولكن بما أنه ملك لطيف، فإن حصانه سيكون حصان الخدم، وليس بحصان الأقوياء.
وبما أنه ملك فقد أتى ليُعطي، لا ليغتصب، أن يستعير جحشاً، يحرص على إعادته فورًا (مر 11: 3).
علاوة على ذلك، بالنسبة لسكان القدس والحجاج الذين صعدوا للاحتفال، فإن حركات يسوع تشير إلى نبوءة زكريا (زك 9، 9 – 10)، التي تعلن عن وصول ملك مسالم ووديع، الملك الذي دخل المدينة على جحش ليعلن السلام للقدس ولجميع الأمم.
لهذا السبب يتكرر فعل تحرير الجحش الذي سيركب عليه يسوع، 5 مرات في آيات قليلة (مرقس 11، 2. 4. 5)، ليقول إن النبوة قد تحققت بمجيء ملك قادر منح السلام.
يوضح مرقس أنه لم يركب أحد هذا الجحش بعد (مر 11: 2): في الواقع، حتى الآن، لم يكن أي ملك، ملك السلام.
لقد رأينا أن الجحش، الذي كان مربوطاً واستخدمه يسوع، سوف يعود فوراً. “في الحال” هو ظرف استخدمه الإنجيلي مرقس عدة مرات في إنجيله.
وبما أن الوقت قد تم (مرقس 1، 15)، فإن الخلاص هنا، إنه حاضر. لهذا السبب، عندما يلتقي يسوع بشخص ما، يحدث شيء على الفور: في الحال يزول البرص (مرقس 1، 42)، وفي الحال يقوم المفلوج (مرقس 2، 12)، وفي الحال ينحل عقدة اللسان (مرقس 7، 35). كل شيء في مرقس مستعجل وحاضر، باستثناء شيء واحد، وهو الاعتراف بأن يسوع هو المسيح: فعندما حاولوا من شفاهم يسوع أو حتى الشياطين، من إعلان أنه ابن الله، قام يسوع بتأجيل هذه اللحظة، لئلا يأخذ المعنى المراد تحقيقه معنى آخر.
والآن وصلنا إلى نهاية الإنجيل، وحان الوقت لكشف المعنى الحقيقي لحياته.
وما تم تأجيله، أي الإعلان الكامل عن المسيح كعبد متألم، أصبح الآن حقيقة حاضرة، لذلك يمكن إعادة الجحش على الفور إلى صاحبه الشرعي: لقد اكتمل الوحي.
سيستخدم مرقس هذا الظرف مرتين: مع خيانة يهوذا (مرقس 14: 45) وإنكار بطرس (مرقس 14: 75): في مواجهة حقيقة هذا الوحي، يكمن رد فعل الإنسان، الذي ينغلق فوراً على فكرة إله متألم ومغلوب.
هكذا الأمر أيضًا بالنسبة لجموع القدس: فهم يرحبون باغتباط بدخول يسوع، ولكن بعد ذلك مباشرة سيصرخ هذا الجمع نفسه ليقتله (مرقس 15، 11 – 14)، تمامًا مثل أولئك الذين يُشبهون بالأرض الحجرة، فهم يفرحون عند سماعهم الكلمة (مر 4: 16)، ولكنهم سرعان ما يفشلون أمام الصعوبة (مر 4: 17).
في ساعته، يكشف يسوع عن نفسه بأنه المسيح الذي يتألم بسبب المحبة.
فهو لا يقضي على الهشاشة والضعف، بل يجعله مكانًا لتجلي محبته.
بالنسبة لنا جميعًا، المترددين وغير القادرين على السماح لأنفسنا بأن نكون محبوبين بهذه الطريقة، يدخل يسوع إلى القدس، دون تراجع، ويطلب منا فقط أن نرفع أعيننا لنرى إلى أي مدى تصل محبة الملك الذي اختار السلام.
+ بييرباتيستا
24 آذار 2024