الأحد الثاني من الصوم ب
مرقس 9، 2 – 10
الأحد الماضي، تأملنا في تجربة يسوع، وضرورة تجسد كلمة الآب في صُلب خياراتنا اليومية.
واليوم يشرق النور نفسه على وجه يسوع، ويكشف لنا سرّ من أسرار الله، حتى نتمكن من معرفته بشكل أفضل.
إن حادثة التجلي (مرقس 9، 2 – 10) تعيدنا إلى بداية مسيرة إيماننا.
وتدعونا هذه الآيات إلى الإيمان بحقيقة الله الذي يكشف عن نفسه، ويعرفنا عن ذاته، ويظهر لنا وجهه.
يعطينا إنجيل اليوم الفرصة لاتخاذ خطوة مهمة في مسيرة الصوم.
سار الله مع شعبه طيلة تاريخ الخلاص، ويظهر نفسه من خلال أعماله وكلمته. لا يدير الله الأمور من بعيد، ولا يفضل البقاء في الخفاء، بل يظهر نفسه، ويدخل معنا في أحداث التاريخ، لنعرفه.
علاوة على ذلك، وخلال هذه المسيرة، توجد لحظات مميزة يدعو فيها أشخاصاً إلى حدث مميز، عادة على الجبل، ويمنحهم تجربة أعمق وأكثر حميمية لحضوره.
أظهر الله نفسه، وأعلن عن نفسه دائماً، وهذا ما يفعله يسوع أيضاً.
يصعد جبلًا مع ثلاثة من تلاميذه (مر 9: 2)، وهناك يريهم جماله وبهائه.
في الواقع، ليس هو من يكشف ذاته، بل الآب يكشف لنا عن يسوع (مرقس 9: 7). لأنه طوال رحلة حياة يسوع، من الواضح أن يسوع لم يأت ليحدثنا كثيرًا عن نفسه، بل عن أبيه، وعن جمال كونه الابن الحبيب.
وهكذا فإن الآب أيضًا لا يكشف عن نفسه، بل يكشف لنا عن الابن، يريدنا أن نعرفه، ونستقبله كأخ في حياتنا.
يقودنا زمن الصوم إلى هذا: يكشف الله عن نفسه دائمًا، ويريد أن يفعل ذلك بطريقة جديدة ونهائية. ويكون ذلك من خلال عيد الفصح، حيث يكشف الابن عن الآب بثقته وطاعته الكاملة له، ويكشف الآب عن الابن بإقامته من بين الأموات.
ليس من قبيل الصدفة أن يكون موسى وإيليا حاضرين على جبل التجلي. فهما أعظم شاهدين في تاريخ الخلاص لكشف الله عن نفسه.
هم أيضًا، تسلقوا جبلًا وتعرفوا على الله عن قرب (خروج 34.33.19؛ ملوك الأول 19)؛ وبدأوا يدركون رويداً العلاقة الوثيقة بعيد الفصح الذي حققه يسوع.
عرف موسى على الجبل أن اسم الله رحمة، وأنه بطيء الغضب، ويغفر خطايا شعبه، ولا يهلكهم عند التجربة والابتعاد عن الله.
عرف موسى أن الله يكشف عن نفسه بشكل أساسي لهدف واحد، وهو خلاصنا دائمًا.
عرف إيليا، على الجبل، بعد هروب طويل، أن الله يظهر ذاته في الوداعة: لا في علامات القدرة والقوة، بل في الصمت المتواضع ونسيم النفس العليل.
خطوة أخرى إلى الأمام: اعتقد موسى وإيليا أنه يمكن التغلب على الشر بالقوة: قتل موسى مصريًا كان يضايق يهوديًا (خروج 2: 12)؛ قتل إيليا جميع أنبياء البعل على جبل الكرمل (ملوك الأول 18، 20 – 40) ظنًا منه أنه يدافع عن الإيمان الحقيقي بالله الواحد.
لكن كلاهما عرفا إلهًا مختلفًا، وطريقة مختلفة للخلاص: لقد تغيرا أيضًا.
سنرى هذه الطريقة المختلفة للخلاص على الصليب، في نهاية هذه المسيرة حيث نحن مدعوون لتغيير توقعاتنا للخلاص، وأن نسمح لقلوبنا بقبول الخلاص بالطريقة التي يريدها الله.
يرافقنا موسى وإيليا في زمن الصوم، كما رافقنا يوحنا المعمدان في زمن المجيء، لكي نتمكن نحن أيضًا من التعرف على وجه الله الذي يكشف عن نفسه باذلا حياته من أجلنا.
+ بييرباتيستا
22 شباط 2024