التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية المقدسة

المقال السابع

الوصية السابعة

“لا تسرق”(خر 20: 15).
“لا تسرق (متى 19: 18)

2401- الوصية السابعة تنهى عن اخذ مال القريب او حفظه دون حق ،وعن الحاق الضرر بالقريب في امواله باي وجه من الوجوه .انها تفرض العدالة والمحبة في ادارة الاموال الارضية وثمار عمل الناس .وهي تقتضي ،في سبيل الخير العام،احترام كون الخيرات معدة للجميع ،واحترام حق الملكية الخاصة .والحياة المسيحية تسعى الى توجيه خيرات هذا العالم نحو الله والمحبة الاخوية.

1. اعداد الخيرات للجميع والملكية الخاصة

2402- في البدء اوكل الله الارض ومواردها الى ادارة مشتركة تضطلع بها البشرية ،لتعتني بها وتسيطر عليها بعملها ، وتنعم بثمارها .وخيرات الخليقة معدة لكل الجنس البشري .ولكن الارض موزعة بين البشر لتامين سلامة حياتهم،المعرضة للعوز والمهددة بالعنف .تملك الخيور مشروع في سبيل ضمان حرية الاشخاص وكرامتهم ،ولمساعدة كل واحد على تامين احتياجاته الاساسية واحتياجات من يعولهم .وعليه ان يمكن من ظهور تضامن طبيعي بين الناس.

2403- ان الحق في الملكية الخاصة القتناة، او المقبولة من الاخرين بطريقة عادلة، لا يبطل اعطاء الارض في الاصل للبشرية جمعاء.فكون الخيور معدة للجميع يبقى اوليا، وان كان تعزيز الخير العام يقتضي احترام الملكية الخاصة ،وحقها وممارستها.

2404- “عندما يستعمل الانسان هذه الخيور يجب ان لا يرى في مل يملكه من الاشياء الخارجية بطريقة شرعية ملكا خاصا وكانه له وحده ،بل ان يرى فيه ما يشبه الملك المشترك :بمعنى انه يمكن ان يعود بالفائدة لا عليه فحسب وانما على الاخرين ايضا” . ان ملكية خير ما تجعل ممن يحوزه مديرا من قبل العناية الالهية لا ستثماره وايصال حسناته الى الغير ،واولا الى الاقارب.

2405- ان الخيور المنتجة .المادية وغير المادية-كالاراضي او المعامل ،او المؤهلات او الفنون،تقتضي ان يعتني بها اصحابها حتى يفيد انتاجها العدد الاكبر من الناس .ومن يحوزون خيورا اللاستعمال واللاستهلاك عليهم ان يستعملوها بقناعة ،حافظين النصيب الافضل للضيف وللمريض وللفقير .

2406- للسلطة السياسية ،ويجب عليها ان تنظم ،بالنظر الى الخير العام،ممارسة حق الملكية بوجه شرعي .

2. احترام الاشخاص واموالهم

2407- في المواضيع الاقتصادي يقتضي احترام الكرامة الانسانية ممارسة فضيلة القناعة ،للاعتدال في التمسك بخيرات هذا العالم ،وفضيلة العدل لصيانة حقوق القريب واعطائه ما هو واجب له، والتضامن بحسب القاعدة الذهبية ،وجود الرب الذي هو الغني قد افتقر من اجلنا لكي نستغني بفقره .

احترام اموال الغير

2408- تمنع الوصية السابعة من السرقة أي اغتصاب مال الاخرين خلافا لارادة المالك المعقولة. وليس هناك سرقة اذا امكن افتراض الرضى او اذا كان الرفض مخالفا للعقل ولكون الخيرات معدة للجميع. تلك هي حال الضرورة الملحة والواضحة حيث الوسيلة الوحيدة لتامين حاجات فورية واساسية (غذاء، ملجا، كساء …) هي في التصرف باموال الغير واستعمالها.

2409- كل طريقة لاخذ مال الغير دون حق والاحتفاظ به،هي مخالفة للوصية السابعة وان لم تكن متعارضة مع احكام الشريعة المدينة .وهكذا يكون الاحتفاظ عمدا بما اقرض من مال او بما وجد من اشياء ضائعة ،والغش في التجارة ،ودفع اجور غير عادلة ورفع الاسعار اعتمادا على جهل الغير وعوزه .

ومن الامور غير الجائزة اخلاقيا: المضاربة المستعملة لتغيير تخمين قيمة الخيرات باسلوب مصطنع ، لنيل فائدة على حساب الغير ، والرشوة التي بها يبدل راي من عليهم ان يتخذوا القرارات وفاقا للحق ،واستملاك اموال عامة لمؤسة واستعمالها للمصلحة الخاصة والاشغال التي لم يحسن صنعها ،والغش الضريبي ،وتزوير الشكات والفواتير ،والمصاريف المفرطة ،والهدر .ان الحاق الضرر عمدا بالمتلكات الخاصة او العامة مخالفة للشريعة الاخلاقية ويقتضي التعويض.

2410- لا بد من الوفاء بالوعود ،والتقيد الصارم بالعقود بمقدار ما يكون الالتزام صوبيا من الوجهة الاخلاقية .ان اجزءا كبيرا من الحياة الاقتصادية والاجتماعية يتعلق بقيمة العقود بين الاشخاص الطبيعيين والمعنويين .هكذا هي الحال بالنسبة الى العقود التجارية من بيع وشراء ،وعقود الايجار والعمل .كل عقد يجب الاتفاق عليه وتتميمه باستقامة نية.

2411- تخضع العقود للعدالة التبادلة التي تنظم المبادلات بين الاشخاص وبين المؤسسات في احترام صحيح لحقوقهم. والعادلة التبادلة تلزم الزاما دقيقا. وهي تقتضي الحفاظ على حقوق المليكة وتسديد الديون ،والوفاء بالالتزامات المعقودة بحرية .ودون العدالة التبادلية يستحيل قيام أي صيغة اخرى من صيغ العدالة .

هناك تميز بين العدالة التبادلية والعدالة القانونية التي تتعلق بما يجب بانصاف على المواطن للجماعة ،والعدالة التوزيعية التي تنظم ما يجب على الجماعة للمواطنين بالنسبة الى مساهماتهم واحتياجاتهم .

2412- ان التعويض عن الظلم المرتكب يقتضي ،استنادا الى العدالة، اعادة المال المسلوب الى صاحبة :

لقد بارك يسوع زكا لالتزامه عندما قال :”ان كنت قد ظلمت احدا في شيء، فاني ارد اربعة اضعاف (لو 19: 8). فكل من استولى، بطريقة مباشرة او غير مباشرة، على مال الغير ملزم باعدته ،او اعادة ما يقابله عينا او نقدا اذا فقد، وكذلك الثمار والفوائد التي كان صاحبه سيحصل عليها شرعيا. وجميع الذن شاركوا في السرقة باي وجه من الوجوه، ملزمون بالرد ،بمقدار مسؤوليتهم واستفادتهم .وكذلك الذين استفادوا وهم على علم بالامر، من مثل الذين امروا بالسرقة او ساعدوا عليها او خباوا المسروق.

2413- ليست العاب الحظ (اللعب بالورق…)او المراهنات في حد ذاتها مخالفة للعدالة .وتصبح غير مقبولة من الوجهة الاخلاقية عندما تحرم الشخص ما هو ضروري له لتلبية حاجاته وحاجات الاخرين .ان شهوة اللعب قد تصبح استبعادا شديدا .المراهنة المنافية للعدالة والغش في الالعاب يكونان مادة ثقيلة ، ما لم يكن الضرر الحاصل خفيفا ،بحيث لا يستطيع من لحق به اعتباره بوجه معقول ضررا ذا شان .

2414- تحظر الوصية السابعة الاعمال والمشاريع التي تؤدي، لاي سبب من الاسباب، الانانية او الايديولوجية او التجارة او التوتاليتارية، أي استبعاد الكائنات البشرية، وتجاهل كرامتها الشخصية، وشرائها وبيعها ومقايضتها كانها بضاعة. انها خطيئة الى كرامة الاشخاص وحقوقهم الاساسية ان ينتقصوا بالقوة فيصبحوا قيمة للاستعمال او مصدرا للربرح. لقد امر القديس بولس سيدا مسيحيا بمعاملة عبد مسيحي:”لا كعبد بعد، بل كأخ … وكانسان في الرب”(في 16).

احترام سلامة الخيلقة

2415- تطلب الوصية السابعة احترام سلامة الخليقة .فالحيوانات كالنباتات والكائنات الفاقدة الحياة هي بطبيعتها معدة لخير البشرية العام،في الماضي والحاضر والمستقبل واستعمال الموارد المعدنية والنباتية والحيوانية في العالم لا يمكن فصله عن احترام المقتضيات الاخلاقية .فالسياد التي اولادها الخالق للانسان على الكائنات الفاقدة الحياة والاخرى الحية ليست مطلقة ،ومقياسها الاهتمام بوضع حياة القريب .وبضمنها الاجيال القادمة ،فهي تقتضي احتراما دينيا لسلامة الخليقة .

2416- الحيونات خلائق الله.وهو يحوطها باهتمامه وعنايته .وهي بوجودها ذاته تباركه وتمجده .لذالك على الناس واجب محاسنتها .ولا يفوتنا ان نذكر باي لطف عامل الحيونات القديسون ،من مثل فرنسيس الاسيزي وفيليب نيري.

2417- لقد وكل الله الحيونات الى ادارة من خلقه على صورته .لذالك من المشروع استعمال الحيونات للغذاء ولصنع الكساء .ويمكن ترويضها لتساعد الانسان على اعماله وراحته .والتجارب الطيبة والعملية على الحيونات ،هي ممارسات مقبولة اخلاقيا ،اذا بقيت في حدود معقولة واسهمت في معالجة الحياة البشرية وتخليصها .

2418- تعذيب الحيونات سدى ،وهدر حياتها ،يتعارضان والكرامة الانسانية .وكذالك من غير اللائق انت يصرف في سبيلها مبالغ من المال يجب اولا ان تخفف الفاقة عند الناس .يمكن انت نحب الحيونات ،ولا يسوغ أن نعطف اليها الحب الواجب للأشخاص وحدهم.

3. عقيدة الكنيسة الاجتماعية

2419- “الوحي المسيحي يقودنا الى تفهم أعمق لنواميس الحياة الاجتماعية” .
فالكنيسة تتقبل من الانجيل الكشف الكامل لحقيقة الانسان. وهي، عندما تتمم رسالتها في اعلان الانجيل، تؤكد للانسان، باسم المسيح، كرامته الخاصة ودعوته الى مشاركة الاشخاص. وتعلمه مقتضيات العدل والسلام المتلائمة والحكمة الالهية.

2420- تصدر الكنيسة أخلاقيا في الشأن الاقتصادي والاجتماعي، “عندما تقتضي ذلك حقوق الانسان الاساسية أو خلاص النفوس” . وهي، في الموضوع الاخلاقي، تتعلق برسالة متميزة من رسالة السلطات السياسية: فالكنيسة تهتم بوجوه الخير العام الزمنية بسبب كونها معدة للخير الاسمى، غايتنا القصوى. فتسعى الى الايحاء بمواقف عادلة في العلاقة بالخيور الارضية وفي العلائق الاجتماعية الاقتصادية.

2421- تطورت عقيدة الكنيسة الاجتماعية في القرن التاسع عشر عند تلاقي الانجيل والمجتمع الصناعي الحديث، وهيكياته الجديدة لانتاج الخيور الاستهلاكية، ومفهومه الجديد للمجتمع ، والدولة والسلطة ،وصيغه الجديدة للعمل والملكية .وتطور عقيدة الشان الاقتصادي والاجتماعي يؤكد استمرار قيمة تعليم الكنيسة ،وفي الوقت ذاته،المعنى الصحيح لتقليدها الحي الفاعل ابدا .

2422- تعليم الكنيسة الاجتماعي يتالف من مجموعة عقيدية تترابط اجزاؤها مسايرة تاويل الكنيسة لاحداث التاريخ ،في ضوء مجموع الكلام الذي اوحى به يسوع المسيح ، وبمساعدة الروح القدوس .وكلما الهم هذا التعليم سلوك المؤمنين ازداد الناس ذوي النية الحسنة له تقبلا.

2423- تعرض عقيدة الكنيسة الاجتماعية مبادىء للتفكير .وتستخرج مقاييس للحكم ،وتعطي توجيهات للعمل:
كل مذنب يقول بان العلائق الاجتماعية تحددها تماما العوامل الاقتصادية هو مخالف لطبيعة الشخص البشري واعماله .

2424- لا يمكن القبول ،من الوجهة الاخلاقية ،باي نظرية تجعل من الربح القاعدة الوحيدة ،والغاية القصوى ،للنشاط الاقتصادي.فشهوة المال المنحرفة لا بد ان تنتج مفاعيلها الخبيثة .وهي سبب من اسباب النزاعات الكثيرة التي تبلبل النظام الاجتماعي .

المذهب الذي “يخضع حقوق الافراد والجماعات الاساسية لنظام الانتاج الجماعي” يتعارض وكرامة الانسان. وكل ممارسة تصير الاشخاص وسائل فحسب، في سبيل الربح ،تستعبد الانسان .وتؤدي الى عبادة المال صنما ،وتساهم في نشر الالحاد .”لا تقدرون ان تعبدوا الله والمال”(متى 6: 24، لو 16: 13).

2425- لقد نبذت الكنيسة الايديولوجيات التوتاليتارية والحادية المتشاركة ،في الازمنة المعاصرة،مع “الشيوعية”او”الاشتراكية”.ورفضت ،من جهة اخرى ،ما في ممارسة “الراسمالية”من فردية واولية مطلقة لشريعة السوق على العمل الانساني .وتنظيم الاقتصاد بالتخطيط المركزي وحده يفيد من الاساس الروابط الاجتماعية ،وتنظيمه بشريعة السوق وحدها يخالف العدالة الاجتماعية “لان هناك احتياجات انسانية كثيرة لا يمكن تلبيتها بالسوق” .يجب تابيد تنظيم معقول للسوق ،وللمبادرات الاقتصادية ،وفاقا لتراتبية قيم صحيحة وفي سبيل الخير العام.

4. النشاط الاقتصادي والعدالة الاجتماعية

2426- ان تطور الانشطة الاجتماعية ونمو الانتاج معدان لتلبية احتياجات الكائنات البشرية .ولا تهدف الحياة الاقتصادية فقط الى تكثير الخيور المنتجة وزيادة الربح او القدرة .انها معدة اولا لخدمة الاشخاص ،الانسان بكامله والجماعة البشرية بكليتها .ولا بد للنشاط الاقتصادي،وهو يسير بحسب اساليبه الخاصة، من ان يمارس في حدود النظام الاخلاقي،وفاقا للعدالة الاجتماعية ،لتلبية قصد الله للانسان .

2427- العمل الانساني يتاتى مباشرة من الاشخاص المخلوقين على صورة الله، والمدعوين الى ان يمددوا ،بعضهم مع بعض ،وبعضهم لاجل بعض ،عمل الخلق بالتسليط على الارض .فالعمال اذن واجب :”ان كان احد لا يريد ان يشتغل فلا ياكل”(2تس 3: 10) .العمل يكرم مواهب الله والوزنات المعطاة .ويمكن ايضا ان يكون فدائيا .فالانسان ،باحتماله عناء العمل بالاتحاد مع يسوع ،عامل الناصرة والمصلوب على الجلجلة ،يساهم بوجه من الوجوه مع ابن الله في عمله الفدائي .ويتراءى تلميذا للمسيح في حمل صليبه ،كل يوم ،في النشاط الذي دعي الى القيام به .يمكن ان يكون العمل وسيلة للقداسة وانعاشا للامور الارضية في روح المسيح.

2428- يمارس الشخص ويتمم بالعمل جزءا من الامكانات الموجودة في طبيعته.وقيمة العمل الاساسية مرتبطة بالانسان نفسه الذي هو صاحب العمل وغايته .لان العمل هو لاجل الانسان وليس الانسان لاجل العمل .ويجب ان يتمكن كل واحد من استمداد معيشته ومعيشة ذوية من العمل ،وخدمة الجماعة الانسانية.

2429- لكل انسان الحق في المبادرة الاقتصادية ،ومن المشروع ان يستعمل كل انسان مواهبه للمساهمة في وفرة تفيد الجميع ،ولجني الثمار العادلة من جهوده.ولا بد له من السهر على تطبيق الانظمة التي تضعها السلطات الشرعية لاجل الخير العالم .

2430- تتناول الحياة الاقتصادية مصالح متنوعة ، ومتعارضة مرارا .وهكذا يفهم حصول النزاعات التي تتسم بها .ويجب السعي ان تخفيف هذه الاخيرة بالمفاوضات التي تحترم ما لكل شريك اجتماعي من حقوق ،وما عليه من واجبات ،من المسؤولين عن المؤسسات ،الى ممثلي الاجراء ،كالتنظيم النقابية، والسلطات العامة اذا استدعى الامر .

2431- مسؤولية الدولة .” ان النشاط الاقتصادي، وعلى الخصوص ،نشاط الاقتصاد الذي يعتمد السوق ،لا يمكن ان يتم في فراغ من المؤسسات والقوانين والسياسة. فهو يفترض تامين ضمانات للحريات الفردية وللملكية ،مع عدم اغفال نقد ثابت وخدمات اجتماعية فعالة .ولكن واجب الدولة الاساسي هو تامين هذه الضمانات، حتى يستطيع الذين يعلمون ان ينعموا بثمرة عملهم ،ويشعروا بالتالي انهم مدفعوعون الى القيام به بفاعيلة ونزاهة .(…)ويجب على الدولة ان تراقب وتقود تطبيق الحقوق الانسانية في القطاع الاقتصادي ،ولكن المسؤولية الاولى ،في هذا المجال ، لا تقع على الدولة وانما على المؤسسات ومختلف الافرقاء والشركات التي تكون المجتمع” .

2432- يضطلع المسؤولون عن المؤسسة امام المجتمع بالمسؤولية الاقتصادية والبيئية عن اعمالهم .وعليهم ان يعتمدوا بخير الاشخاص وليس فقط بزيادة الارباح .ولكن هذه ضرورية .فهي تمكن من الحصول على الاستثمارات التي تؤمن مستقبل المؤسسات .وهي تضمن العمل.

2433- يجب ان يكون الولوج الى العمل والى المهنة مشرعا للجميع دون تمييز مجحف ،بين رجال ونساء ،معافين ومعاقبين ،ومواطنين ومهاجرين .وعلى المجتمع ،بحسب الظروف ،ان يتحمل نصيبه من مساعدة المواطنين على الحصول على عمل ووظيفة .

2434- الاجرة العادلة هي ثمرة العمل المشروعة .ويمكن رفضها او الاحتفاظ بها ان يكون اجحافا خطيرا .ولا بد ،في سبيل تقدير الاجرة العادلة ،من الاعتداد، في ان واحد ، بحاجات كل واحد ومساهماته .

“يجب ان يؤجر العمل اجرا يمكن الانسان من ان يعيش هو وذووه عيشه مادية واجتماعية وثقافية وروحية كريمة ،وذالك بالنسبة الى وظيفة كل واحد،وطاقته الانتاجية ،والى اوضاع المؤسسة ،والى الخير العام” .ولا يكفي اتفاق الافرقاء لتبرير مبلغ الاجرة تبريرا اخلاقيا.

2435- يكون الاضراب مشروعا من الوجهة الاخلاقية عندما يصبح الملاذ الذي لا بد منه ،ان يكون الضروري ،في سبيل فائدة مناسبة .وهو يصبح غير مقبول اخلاقيا عندما يصحبه العنف ،او تحدد لفه اهداف لا ترتبط مباشرة بظروف العمل او تتعارض والخير العام.

2436- ليس من العدل الامتناع عن دفع الاشتركات التي تحددها السلطات الشريعة لاجهزة الضمان الاجتماعي.
الحرمان من العمل بسبب البطالة يكاد يكون دائما ،بالنسبة الى ضحيته ،ضررا يلحق بكرامته وتهديدا لتوازن حياته .وتنتج منه،علاوة على الضرر الشخصي، اخطار كثيرة لبيته واسراته .

5. العدالة والتضامن بين الامم

2437- ان التفاوت في الموارد والوسائل الاقتصادية ،على الصعيد الدولي ،كبير بحيث يحدث بين الامم “هوت”حقيقية .فهناك من جهته من بملكوت ويطورون وسائل النمو ،ومن جهة اخرى ،من يركمون الديون .

2438- هناك اسباب متنوعة ،دينية وسياسية واقتصادية ومالية ،توالي اليوم “المسالة الاجتماعية بعدا عالميا” .ان التضامن ضروري بين الامم المرتبطة سياساتها بعضها ببعض.وهو محتويا اكثر عندما يعني الامر ايقاف “الاليات الخبيثة”التي تعوق نمو البلدان الاقل تقدما .يجب استبدال انظمة مالية تعسفية، ان لم تكن مرابية ،وعلائق تجارية جائزة بين الامم ،وسباق التسلح ،بسعى مشترك الى تعبئة الموارد لاجل اهداف تطور اخلاقي وثقافي واقتصادي ،”باعادة تحديد الاوليات ومقاييس القيم” .

2439- على الامم الغنية مسؤولية اخلاقية خطيرة تجاه تلك التي تعجز بنفسها عن تامين وسائل تطورها ،او التي منعتها من ذلك احداث تاريخية ماسوية .انه واجب تضامن ومحبة .انه ايضا واجب عدالة ،اذا كان رخاء الامم الغنية متاتيا من موارد لم يدفع ثمنها بانصاف.

2440- المساعدة الفورية هي تلبية مناسبة لحاجات فورية وغير عادية تسببها مثلا الكوارث الطبيعة ،والاوبئة الخ.ولكنها لا تكفي للتعويض من الاضرار الجسمية الناتجة من حالات عوز ،ولا لتلبية الاحتياجات باستمرار .يجب ايضا اصلاح المؤسسات الاقتصادية والمالية الدولية لتعزز،علو وجه افضل ،علائق منصفة بالبلدان الاقل تقدما .ويجب مساندة سعي البلدان الفقيرة العاملة على نموها وتحررها .وهذه العقيدة تتطلب المارسة بوجه خاص جدا في مجال العمل الزراعي .فالفلاحون ، خصوصا في العالم الثالث ،يكونون المجموعة الكبرى من الفقراء.

2441- ان انماء الاحساس بالله ومعرفة الذات هو في اساس كل تنمية كاملة في المجتمع البشري .وهذه التنمية تكثر الخيرات المادية وتضعها في خدمة الشخص وحريته،وتخفف العوز والاستغلال الاقتصاديين ،وتنمي احترام الهويات الثقافية والاتفتاح على التسامي .

2442- ليس من اختصاص رعاة الكنيسة التدخل المباشر في البناء السياسي وتنظيم الحياة الاجتماعية .فهذه المهمة جزء من دعوة المؤمنين العلمانيين العاملين بمبادرتهم الخاصة مع مواطنيهم .ويمكن ان يكون للعمل الاجتماعي سبل واقعية متعددة.ويجب ان يكون ابدا لاجل الخير العام ،ومتوافقا مع الرسالة الانجيلية والتعليم الكنسي .ويعود الى المؤمنين العلمانيين “ان يحيوا الشؤون الزمنية بغيرة مسيحية ،وان يسلكوا فيها كفعله سلام وعدالة” .

6. محبة الفقراء

2443- يبارك الله من يساعدون الفقراء ،ويزذل من يعرضون عنهم “مجانا اخذتهم ،مجانا اعطوا”(متى 10: 8).

وسيعرف يسوع المسيح مختاريه بما يكونوا قد فعلوه لاجل الفقراء .وعندما “يبشر المساكين”(متى 11: 5) ،تكون علامة حضور المسيح.

2444- ان محبة الكنيسة للفقراء (…)جزء من تقليدها المستمر ” .وهي من وحي انجيل التطويبات ،وفقر يسوع ،والتفاته الى الفقراء .لا بل ان محبة الفقراء هي احد البواعث على واجب العمل ،حتى يكون للانسان ما يشرك فيه المحتاج .وهي لا تمتد الى الفقر المادي فحسب وانما ايضا الى ما للفقر الثقافي والديني من اشكال عديدة.

2445- لا تتوافق محبة الفقراء والمغالاة في محبة الاموال او استعمالها الاناني:
“هلم الان ايها الاغنياء .ابكوا وولولوا للشقاوات التي ستنتابكم .ان ثراءكم قد عفين ،وثيابكم اكلها العث. ذهبكم وفضتكم قد صدئا ،وصداهما سيشهد عليكم وياكل لحومكم كالنار .لقد اذخرتم للايام الاخيرة !وها ان اجرة العملة الذين حصدوا حقولكم ،تلك التي قد بخستموهم اياها،تصرخ ،وصراخ اولئك الحاصدين قد بلغ الى اذني رب الصبؤوت.لقد تنعمتم على الارض وترفتم ،واشبعتم قلوبكم ليوم الذبح .لقد حكمتم على البار وقتلتموه وهو لا يقاومكم”(يع 5: 1- 6).

2446- يذكر بذالك القديس يوحنا الذهبي الفم بشدة قائلا :”ان الامتناع عن جعل الفقراء يشاركون في خيراتنا الخاصة،هو سرقة لهم واستلاب لحياتهم. الخيرات التي نحوزها ليست لنا وانما هي لهم ” . لا بد اولامن تلبية مقتضيات العدل ،خوفا من ان نهب كعطية محبة هو واجب من باب العدل” .

“عندما نعطي الفقراء الاشياء التي لا غنى عنها،فنحن لا نجود عليهم بهبات ،ولكن نعبد اليهم ما هو لهم . اننا نقوم بواجب عدالة اكثر مما نقوم بفعل محبة” .

2447- اعمال الرحمة هي اعمال المحبة التي تساعد بها القريب في ضروراته الجسدية والروحية .التعليم ،والنصح ،والتعزية ،وتقوية العزم هي اعمال رحمة روحية مثل المغفرة والاحتمال بصبر .وتقوم اعمال الرحمة الجسدية خصوصا على اطعام الجياع ، وايواء من ليس لهم منزل ،واكساء ذوي الثياب الرثة ، وعيادة المرضى وزيارة السجناء ودفن الموتى .وبين هذه الاعمال الاحسان الى الفقراء هو من الدلالات الرئيسة على المحبة الاخوية :وهو ممارسة للعدالة ترضي الله .
“من له ثوبان فليعط من ليس له، ومن له طعام فليفعل كذالك “(لو 3: 11).”تصدقوا بالحري بما في وسعكم ،وكل شيء يكون طاهرا لكم”(لو 11: 41).”ان كان اخ او اخت عريانين وهما في عوز الى قوتهما اليومي ،فقال لهما احدكم :اذهبا في سلام ،استدفئا واشبعا”،ولم تعطوهما ما هو من حاجة الجسد ،فما المنفعة ؟”(يع 2: 15- 16) .

2448- “ان الضيقة البشرية، في اشكالها المتعددة: العوز المادي، والضغط الجائز، والاسقام الجسدية والنفسية، وأخيرا الموت، هي الدلالة الواضحة على وضع الضعف الملازم للانسان منذ مولده، والذي يرافقه منذ الخطيئة الأولى ، وعلى حاجته للخلاص. لذلك اجتذبت شفقة المسيح المخلص، الذي أراد أن يأخذها على عاتقه، ويتماهى مع “الأصاغر من بين اخوته” (متى 4:25، 45). لذلك فالذين يعانونها هم موضوع حب وتفضيل من قبل الكنيسة التي ما برجت منذ بدايتها، ورغما عن أوهان الكثيرين من أعضائها، تعمل على مساعدتهم والدفاع عنهم وتحريرهم. وقد فعلت ذلك باعمال خيرية لا تحصى وباقية ضرورية في كل زمان ومكان” .

2449- منذ العهد القديم، انواع كثيرة من الاجراءات القانونية (مثل سنة الابراء، وحظر الاقراض بفائدة، وأخذ الرهن، وواجب الرهن، وواجب العشر، وايفاء العامل المياوم اجرته يوميا، والحق في الخصاصة ولقط نثار الحصيد) تلبي تحريض تثنية الاشتراع: “ان الارض لا تخلو من فقير، ولذلك أنا امرك اليوم قائلا: ابسط يدك لأخيك المسكين والفقير الذي في ارضك ” (تث 11:15). ويسوع يجعل هذا الكلام كلامه قائلا: “الفقراء في كل حين عندكم ، أما أنا فلست على الدوام معكم” (يو 8:12). وهو بذلك لا يبطل عنف النبؤات القديمة: “لانهم يشترون الضعفاء بالفضة والفقير بنعلين” (عا 6:8)، ولكنه يدعونا الى الاعتراف بوجوده في الفقراء الذين هم اخوته .

قالت القديسة روز الليماوية لامها، عندما لامتها على انها تعيل في البيت فقراء وسقماء: “ما دمنا نخدم المرضى، فنحن رائحة المسيح الطيبة” .

بايجاز

2450- “لا تسرق” (تث 19:5). “لا السارقون ولا الطماعون… ولا الخطفة يرثون ملكوت الله” ( 1 كو 10:6).

2451- تأمر الوصية السابعة بممارسة العدالة والمحبة في ادارة الخيرات الارضية وثمار عمل الناس.

2452- ان خيرات الخليقة معدة للجنس البشري باجمعه. والحق في الملكية الخاصة لا يبطل كون الخيرات معدة للجميع.

2453- تنهى الوصية السابعة عن السرقة. والسرقة هي اغتصاب مال القريب خلافا لارادة المالك المعقولة.

2454- كل طريقة لأخذ مال القريب واستعماله دون وجه حق هي مخالفة للوصية
السابعة .والظلم الذي ارتكب يقتضي التعويض .والعدالة التبادلية تقتضي اعادة المال الذي سلب.

2455- تحظر الشريعة الاخلاقية الافعال التي تؤدي ،لغايات تجاربة او توليتارية ، الى استعباد الكائنات البشرية وشرائها وبيعها ومقايضتها كبضاعة.

2456- ان السيادة التي اولاها الخالق على الموارد المعدنية والنبانية والحيوانية في العالم لا يمكن فصلها عن احترام الواجبات الاخلاقية ،وبضمنها الواجبات تجاه الاجيال القادمة.

2457- لقد وكلت الحيوانات الى ادارة الانسان وهو ملزم بحاسنتها. ويمكن ان تخدم تلبية احتياجات الانسان الصوابية.

2458- تصدر الكنيسة حكما في الشان الاقتصادي والاجتماعي عندما تقدي ذلك حقوق الشخص الاساسية او خلاص النفوس.وهي تعني بالخير العام الزمني للناس بداعي كونهم معدين للخير الاسمى،غايتنا القصوى.

2459- ان الانسان هو نفسه صانع كل حياة اقتصادية واجتماعية ،وهو مركزها وغايتها .والنقطة الحاسمة في المسالة الاجتماعية هي ان تصل الخيرات التي خلقها الله لاجل الجميع فعلا الى الجميع ،وفاقا للعدل وبمساعدة المحبة.

2460- ترتبط قيمة العمل الاساسية بالانسان نفسه ،الذي هو صانع العمل وغايته .ويشترك الانسان بعمله في عمل الخلق .وبالاتحاد بالمسيح يمكن ان يصبح العمل فدائيا.

2461- التمنية الحقيقية هي تنمية الانسان بكامله.والمطلوب هو زيادة امكانية كل شخص ؤان يلبي دعوته أي نداء الله .

2462- ان الاحسان الى الفقراء دليل على المحبة الاخوية .وهو ايضا ممارسة للعدالة ترضي الله.

2463- كيف يمكن ان لا يعرف ،في جمهور الكائنات البشرية المفتقرة الى الخبز والسقف والمكان،لعازر المستعطي الجائع ،المذكور في المثل؟ ،وكيف لا يسمع يسوع قائلا :”الي ايضا لم تصنعوه”(متى 25: 45)؟