القديس ألبرتس بطريرك القدس

Albert-of-Jerusalem-WEB

القديس ألبرتس بطريرك القدس

وواضع القوانين لرهبان جبل الكرمل


نشأ ألبرتس في أسرةٍ نبيلة. زهَدَ الدنيا وهو شابٌّ وانضمَّ إلى الحياةِ الرهبانيّة. حيث انصرفَ إلى الدراسةِ وحياةِ الفضيلة، فذاعَ صيتُ قداستِه. انتُخِبَ أسقفًا على مدينةِ فِرشِلِّي في شمال إيطاليا. ثم طَلَبَ إليه الإكليروسُ في الشرقِ أن يكونَ بطريركَ القدس. وضَعَ كتابَ القوانين لرهبانِ جبلِ الكرمل. ثم زهدَ بالمهامِّ البطريركيّةِ وانضمَّ إلى رهبانِ الكرمل وتُوُفِّيَ بينهم.


من كتاب القوانين التي وضعها القديس ألبرتس البطريرك الأورشليمي لرهبان جبل الكرمل

(أعمال الكرسي الرسولي، طبعة باريس 1866، نيسان، المجلد الأول، صفحة 773 وما يليه)

صورة موجزة لطريقة الحياة لرهبان جبل الكرمل

        لقد بيَّنَ الآباءُ القدِّيسون مرارًا وبطرقٍ مختلِفةٍ، كيف يجبُ أن يعيشَ كلُّ واحدٍ، في أيّةِ رهبنةٍ وُجِدَ أو أيّةَ طريقةٍ رهبانيّةٍ اختارَ، فيقفَ حياتَه ليسوعَ المسيح، ويخدمَه بقلبٍ طاهرٍ وضميرٍ صالحٍ. وبناءً على قرارِكم وطلبِكم إلينا، نقدِّمُ لكم طريقةَ حياةٍ يجبُ أن تتقيَّدوا بها منذ الآن:

        نقرِّرُ أولاً أن تختاروا لكم واحدًا منكم رئيسًا عليكم، تختارونه بالإجماعِ، أو بالأكثريّةِ أو برأيِ القسمِ الأفضلِ فيكم. ويَعِدُه كلُّ واحدٍ منكم بالطاعةِ، ويجتهدُ كلَّ الاجتهادِ في المحافظةِ على وعدِه.

        ليكُن لكلِّ واحدٍ منكم صومعةٌ منفردةٌ. ولا يجوزُ لأيِّ راهبٍ أن يغيِّرَ مكانَه أو يبدِّلَه مع آخَرَ. وَلْيَلزَمْ كلُّ واحدٍ صومعتَه أو يبقَ  قريبًا منها، متأمِّلا ليلَ نهارَ في شريعةِ اللهِ وساهرًا في الصلاةِ، ما لم ينشغِلْ بمشاغلَ أخرى لها ما يبرِّرُها.

        الذين يَعرِفون القراءةَ ويقرؤون المزاميرَ، يجبُ عليهم تلاوةُ صلاةِ الساعاتِ كلِّها. والذين لا يَعرِفون القراءةَ، يُصَلُّون “أبانا الذي في السماوات” خمسًا وعشرين مرّةً، في ساعاتِ الليلِ.

        لا يَقُلْ أحدٌ من الإخوةِ إنَّ له شيئًا يملِكُه، بل ليكُنْ كلُّ شيءٍ بينَكم مشترَكًا. ولْيُبْنَ مُصَلَّى بيَن الصوامعِ، حيث تجتمعون كلَّ يومٍ صباحًا للقدّاسِ الاحتفاليِّ. وفي أيّامِ الآحادِ أو غيرِها، بحسبِ الحاجةِ، تتداولون في شؤونِ الرهبنةِ.

        من يومِ عيدِ ارتفاعِ الصليبِ المقدَّسِ وحتى أحدِ القيامةِ المجيدةِ، تصومون كلَّ يومٍ ما عدا يومَ الأحدِ ، ما لم تُلزِمِ الضرورةُ بالحلِّ منه، بسببِ المرضِ أو ضعفِ الجسدِ: لأنَّ الضرورةَ لا تتقيَّدُ بالقوانين. اجتنبوا أكلَ اللحومِ دائمًا، ما لم يكُنْ ذلك علاجًا بسببِ مرضٍ أو هُزالٍ زائدٍ في الجسدِ.

        وبما أنّ الحياةَ جهادٌ، وبما أنّ جميعَ الذين يريدون أن يعيشوا في تقوى المسيح يتحمّلون الاضطهادَ، فإنَّ الشيطانَ خصمَكم يجولُ مثلَ الأسدِ زائرًا يطلُبُ فريستَه: ابذِلوا كلَّ وسعِكم لتتسلّحوا بسلاحِ الله، فتقدِروا أن تقاوموا شَرَكَ العدوّ.

        كونوا دائمًا عاكفِين على عملٍ ما، فيجدَكم الشيطانُ دائمًا منشغلين، ولا يَلقَى من خلالِ البطالةِ منفذًا إلى نفوسِكم.

        يُوصيكم الرسولُ بالسكوتِ، ويأمرُ بأداءِ كلِّ عملٍ بالصمتِ. وبذلك يَشهَدُ النبيّ: “ذُو الفِطْنَةِ يَسكُتُ” (أمثال 11: 12)، وقيلَ أيضًا: “في الصَّمتِ والرجاءِ قُوَّتُكم” (ر. مراثي 3: 26).  لِيَجعَلْ كلُّ واحدٍ منكم ميزانًا لكلامِه، وحَدًّا صادقًا لفمِه، لئلا يَسقُطَ بهفوةِ لسانِه، ثم يبقى غيرَ قابلٍ للشفاءِ حتى الموتِ.

        رسِّخوا في ذهنِكم قولَ الربِّ في الإنجيلِ المقدَّس، واعملوا به: “مَن أرَادَ أن يَكُونَ كَبِيرًا فِيكُم فَلْيَكُنْ لَكُم خَادِمًا. وَمَن أرَادَ أن يَكُونَ الأوَّلَ فِيكُم فَلْيَكُنْ لَكُم عَبدًا” (متى 20: 26- 27).

        أيّها الإخوة، تواضعوا وكرِّموا رئيسَكم. انظروا فيه لا شخصَه بل شخصَ المسيحِ، وهو الذي وضعَه على رأسِكم، وقد قالَ لرؤساءِ الكنائسِ: “مَن سَمِعَ إلَيكُم سَمِعَ إلَيَّ، وَمَن أعرَضَ عَنكُم أعرَضَ عَنِّي” (لوقا 10: 16). إذا فَعَلْتم كذلك، فلن تَمثُلوا أمامَ القضاءِ بسببِ إعراضِكم، بل تستحقُّون بطاعتِكم مكافأةَ الحياةِ الأبديَّةِ.

        كتَبْتُ لكم هذه الأمورَ بإيجازٍ، محدِّدًا لكم طريقةَ حياتِكم: بمَوْجِبِها يجبُ أن تعيشوا. وإذا أرادَ أحدُكم أن يَزيدَ، فإنَّ الربَّ نفسَه عندَ مجيئِه يُثِيبُه بما زادَ. ومع ذلك، فَلْيَكُنْ معتدلاً لأنَّ الاعتدالَ هو مُربِّي الفضائلِ.

Facebook
WhatsApp
Email