يوحنا 11: 1-45
تقدمُ لنا الكنيسة في الاحدِ الخامسِ للصوم قصةَ إقامة السيد المسيح لالعازر من بين الاموات. فمعنى اسم العازر: “الله معين” وهو من بيت عنيا وتعني بالآرامية “بيت العناء” أو “البؤس” وتسمى اليوم العيزرية تبعد عن القدس 2 كلم. يروي لنا القديس يوحنا أن العازر كان مريضاً وكان صديقاً ليسوع فأرسلت اختاهُ إلى يسوع تُعْلِمَانَهُ بمرضهِ “يارب، إن الذي تحبُهُ مريض” ففي وسط الآلمِ لم تطلبا لأخيهما الشفاء، ولا طلبتا منهُ أن يتركَ خدمتَهُ ويفتقدهُما في ظروفِهِما القاسية فهن يعرفنا جيداً من هو يسوع، فهو يعرف احتياحتهن دون طلب. هل أنا صديقٌ ليسوع المسيح؟ وهل اعرف السيد المسيح مثلهن وأثق به؟. عرفَ يسوع بمرضهِ ومع ذلك لم يذهب فوراً إلى شفاءهِ، بل انتظرَ يومين ومن ثم ذهب إلى بيت عنيا، مع أن السيد المسيح كان قادراً وهو من مكانهِ من أن يشفيهُ. ألم يشفي عبدَ قائدِ المائة من مكانهِ من دون أن يذهب (راجع متى 8: 5+). إن ردةَ فعلِ يسوع غريبةٌ بعض الشيء، عرفَ أن صديقهُ مريضٌ ولم يذهب إلا بعد يومين ونتيجة لتأخره مات العازر “قد مات العازر، ويسرني، من أجلكم كي تؤمنوا، أني لم أكن هناك” والسبب في تأخره “لأجل مجد الله ولكي يمجد أبن الله” من خلالِ إقامة العازر.
يعترضُ التلاميذُ على ذهابِهِ لأن اليهودَ قبلَ عدةِ ايامٍ من هذه الحادثة أي في الفصل العاشر وهو في الهيكل اتهموه بالتجديف وارادوا أن يرجموه. وعلق توما على قرار يسوع “فلنمضِ نحن أيضاً لنموت معه”. كم من مرةٍ وقفةُ في وجهِ مخطط الله، لأنه لم يعجبني، ولأنه لا يتوافق مع مخططاتي أو لأنه صعبٌ، فاعترضةُ على قبوله.
وقبل وصولِ السيد إلى بيت العازر يصلُ الخبرُ إلى مريم ومرتا. ونعرف من الإنجيل أن مريم ومرتا قد استضافتاه سابقاً لغداء في بيتهما (10: 38+) كما أن مريم قبل الفصح بستة ايام دهنت ارجل يسوع بالنردين (يو 12). تخرج مرتا للقائه وتبدأ بمعاتبتِه “يارب لو كنت ههنا لما مات أخي” وبعد ذلك، تخرج مريم مسرعة للقائه أيضاً وتردّدُ عتاب اختِها “يارب لو كنت ههنا لما مات أخي”. فاعلن السيد المسيح على انه “أنا القيامة والحياة، من آمن بي وإن مات فسيحيا”. هل اتحدث مع الله وأعاتِبُهُ وقتَ الصعوبةِ على مثالِ مريم ومرتا، وبالوقت نفس هل اصغي لِما يقولُ لي السيد المسيح “الحقُ والحياةُ”؟.
وجاش صدر يسوع وأضطربت نفسُهُ ودمعت عيناهُ وسأل: أين وضعوه؟ وذهب إلى القبرِ وطلبَ في أن يزاحَ الحجرَ مع أنه هذا هو اليومُ الرابعِ على موتهِ وقد أنتن “يارب إنه أنتن فهذا هو يومه الرابع”. فاجابها يسوع: “إن آمنتِ ترين مجد الله؟” وصلى إلى ابيه، ونادى على العازر ليخرجَ، فخرج لتوه من قبره. ونتيجة لقيامة العازر “آمن به كثيرٌ من اليهود”محقاقاً ما جاء على لسان حزقيال النبي أي قبل السيد المسيح بست مائة عام تقريباً “هكذا قال الرب لهذه العظام (اليابسة) هاءنذا أُدْخِلُ فيكِ روحاً فتحيين”(حز 37: 5) و”هاءنذا أفتحُ قبورِكم واصعِدكم من قبورِكم”(حز 37: 12). وإذا اكملنا قرأت النص من الانجيل نجدُ أن هذه المعجزة كانت السبب الاكبر في حقدِ اليهودِ عليهِ والتخطيطِ لقتلهِ، لذلك قال قيافة وهو عظيمُ الاحبارِ “أنه خيرٌ لكم أن يموت رجلٌ واحدٌ عن الشعب ولا تهلك الامة بأسرها”.
ماذا نتعلم من هذه الحادثة: اربعة اشياء
1- تعلمنا مريم ومرتا في أن نكونَ بسيطين في صلواتِنا وطلباتِنا من الله. “يارب، إن الذي تحبه مريضٌ” ليست من صلاةٍ أبسطُ من هذه الصلاة القصيرة المملوءة تواضعًا مع ثقةٍ وتسليمٍ للأمر بين يديه. اكتفتا بعرضِ الحالة دون تقديم أي طلبٍ أو مجيئه إليهما لعلاج الموقف ومساندتهما.
2- “ومع ذلك لما سمِعَ أنهُ مريض، لبث في مكانه يومين” إن عدم استجابت الله لطلباتِنا أو تأخرِهِ في استجابته لا يعني أنه لا يسمع لنا، بل هو يعلمُ ما هو الافضلُ والأنسب لنا. فقط ما علينا إلا أن نؤمنَ بمخططاتِ الله. فهو ليس بعيداً عنا ولا يتركنا. أفلسنا عندهُ أثمنُ من طيورِ السماءِ وزنبق الحقل؟ (متى 6: 25+) وألم يقل، لا تسقُطُ شعرةٌ من رؤوسنا دون علمه. فهو قريبٌ منا يشعرُ بنا وبمشاكِلنا، يفرح ويحزن معنا، تدمع عيناه عندما تدمع أعيننا. “فجاش صدره وأضطربت نفسه ودمعت عيناه”
3- “يارب، لقد انتن فإن هذا يومه الرابع” إن الكنيسة تذكرُنا أنهُ عندما نكونُ بالخطيئة فإن رائحتَنا تكون نتنةً، لذلك علينا أن نتوبَ عن خطايانا بالاعترافِ وأن نُكَفِّرَ عن ذنوبِنا بالصدقة في هذا الزمن المقدس. حتى إذا وصلنا إلى عيد القيامة قمنا مع المسيح “القيامة والحياة”.
4- واخيراً إن قيامة العازر كانت قيامة مؤقتة فإن العازر بعد سنوات مات من جديد. ولكن بالآم وموت وقيامة السيد المسيح من الموت بالجسد الممجد والذي لا موت بعد ذلك، قد داس الموت ووهب لنا الحياة فكلُ من يؤمن به وإن مات فسيحيا، وكلُ من يحيا به لن يموت للأبد. فالمسيحي يعيشُ على هذه الارض وعيناهُ إلى السماء، ويرجوا وصولَ السماءِ ورجلاهُ على الارض. فهو لا يخاف الموت لأن سيد الحياة داس الموت.
الإكليريكي رامز فواضلة