سِفْرُ الحكمة
01 الحكمة والمصير البشري
إلتماسُ اللّه والهربُ مِن الخطيئة
1 أحِبُّوا البِرَّ يا أَيُّها الَّذينَ يَحكُمونَ الأَرض وفَكَروا في الرَّبِّ تَفْكيراً صالِحًا وٱلتَمِسوه بصَفاءِ قلوبِكم
2 لأنّه يَكشِفُ نًفسَه لِلَّذينَ لا يُجَرَبونَه للَّذين لا يَكفُرونَ به.
3 فإنَّ الأَفْكاًر المُعوَجَّةَ تُبعِدُ عنِ اللّه والقُدرَةَ، إِذا امتُحِنَت، تُخْزي الأَغْبِياء.
4 إِنَّ الحِكمَةَ لا تَدخُلُ النَّفْسَ الساعِيَةَ إِلى الشَّر ولا تَسكُنُ الجَسَدَ المَدينَ لِلخَطيئَة
5 فإِنَّ الرّوحَ القْدُس المُؤَدِّبَ يَهرُبُ مِنَ الخِداع وَيبتَعِدُ عن الأَفكارِ الغَبِيَّة وَينهَزِمُ إِذا حَضَرَ الإِثْم.
6 إِنَّ الحِكمَةَ روحٌ يُحِبَ الإِنْسان فلا يُهمِلُ مُعاقَبَةَ المًجَدِّفِ على أَقوالِ فَمِه لأَنً اللهَ شاهِدٌ لِكُليتيه ورَقيبٌ صادِقٌ لِقَلْبه وسامعٌ لِلِسانِه.
7 إِنَّ روحَ الرَّبِّ يَملأ المَسْكونَة والَّذي به يَتَماِسَكُ كُل شيَءٍ لَه عِلمٌ بِكُلِّ كَلِمَة.
8 فلِذلكَ لا يَخْفى علَيه ناطِقٌ بِسوء ولا يَنْجو مِنَ العَدْلِ المُتَّهِم.
9 سيُحَقَّقُ في نِيَّاتِ الكافِر وصَوتُ أَقْوالِه يَبلغٌ إِلى الرَّبِّ بُرْهانًا على آثامِه
10 لأَنَ الأذُنَ الغَيرى تَسمعُ كُلً شيَء وضَجيجَ التَّذَمّراتِ لا يَخْفى علَيها.
11 فٱحذَروا مِنَ التَّذَمّرِ الَّذي لا خَيرَ فيه وكُفّوا أَلسِنَتَكم عن النَّميمَة لأَنَّ الكَلِمَةَ الَّتي تُقالُ في الخُفْيةِ لا تَذهَبُ سُدًى والفَمَ الكاذِبَ يَقتُل النًفْس.
12 لا تَسعَوا إِلى المَوتِ بِتَضليلِ حَياتِكم ولا تَجلُبوا علَيكُمُ الهَلاكَ بِأَعْمال أَيديكم
13 لأَنَّ اللهَ لم يَصنعِ المَوت ولا يُسَرّ بِهَلاكِ الأَحْياء
14 فإِنَّه خَلَقَ كُلَّ شيَءٍ لِكَي يَكون وإِنَّ خَلائِقَ العالَمِ مُفيدة ولَيسَ فيها سَمّ مُهلِك ولا مُلْكَ لمَثْوى الأمْوات على الأرض
15 لأَنَّ البِرَّ خالِد.
الحَياةُ في نَظَرِ الكافرين
16 لكِنَّ الكافِرينَ دَعَوا مَثْوى الأَموْاتِ بِأَيديهم وأَقْوالِهم عَدُّوه صَديقًا فٱضمَحَلوا ثُمَّ عاهَدوه لأنّهمِ أَهلٌ لأَن يَكونوا من حِزبِه.
2
1 فإِنهم فَكَّروا تَفْكيراً خاطِئًا فقالَ بَعضُهمِ لِبَعْض: ((قَصيرَةٌ حَزينة حَياتُنا ولَيسَ لِنِهايةِ الإِنسانِ سمن دَواء ولَم يُعْلَم قَطّ أَنَّ أَحَداً رَجَعَ مِن مثوى الأَمْوات.
2 إِنَّنا وُلدْنا اتَفاقَا وسنَكونُ مِن بَعد ُكأنّنا لم نَكُنْ قَط لأَنَّ النَّسمَةَ في مَناخيرنا دُخان والنُّطقَ شَرارَةٌ مِن خَفَقانِ قُلوبِنا.
3 فإِذا ٱنطَفأت عادَ الجِسْمُ رَمادًا وتَبَدَّدَ الروحُ كالهَواءِ المائع.
4 وُينسى ٱسمُنا معَ الزَّمان ولا يَذكر أَحَدٌ أَعْمالَنا َتزولُ حَياتُنا كأَثَرِ غَمامة وتتَبَدَّدُ مِثْلَ ضَبابٍ تَسوقُه أَشِعَّةُ الشَّمْس ويَسقُطُ بِحَرها.
5 فإنَّ أيَّامَنا مُروُر الظِّلّ ونهايَتَنا بِلا رَجعَة لأًنَّه مَخْتومٌ علَيها فما مِن أَحَدٍ يَعود.
6 فتَعالَوا نَتَمَتعُّ بِالطّيِّباتِ الحاضِرَة ونَنتَفعُ مِنَ الخَليقَةِ بِحَمِيَّةِ الشَّباب.
7 لِنَسكَرْ مِنِ الخَمْرِ الفاخِرَةِ والعُطور ولا تَفُتْنا زهرَةُ الرَّبيع
8 ولنتَكلَلْ ببَراعِمِ الوَردِ قَبلَ ذُبولي
9 ولا يَكُنْ فينا مَن لا يَشتَرِكُ في قَصفِنا. لِنَزُكْ في كُلِّ مَكان عَلاماتِ ٱبتِهاجِنا فإِنَّ هذا حَظّنا وهذا نَصيبُنا.
10 لِنَظلُمِ البارَّ الفَقيرَ ولا نُشفِقْ على الأَرمَلَة ولا نَهَبْ شَيبَةَ الشًيخِ الكَثيرةَ الأيَّام.
11 بل لِتَكُن قُوُّتنا شَريعةَ العَدْل فإنَّه مِنَ الثَّابِتِ أَنَّ الضعفَ لا يُجْدي نَفْعًا.
12 ولتكمُنْ لِلبَارِّ فإِنَّه يُضايِقُنا يُقاوِمُ أَعمالَنا وَيلومُنا على مخالَفاتِنا لِلشَّريعة ويَتَهِمُنا بأننا نُسيءُ إلى تَأديبنا.
13 َزعُمُ أَنَ عِندَه عِلمَ الله وُيسميِّ نَفسَه ٱبنَ الرَّب.
14 صارَ لَومًا على أفكارِنا وحتَى منظره ثَقُلَ عَلينا
15 لأَنَ سيرَتَه لا تُشبهُ سيرَةَ الآخَرين وسُبُلَه مُختَلِفة
16 أَمسَينا في عَينَيه شَيئًا مُزَيَّفًا ويَتَجَنَبُ طرقَنا تَجَنُّبَ النَّجاسات. يُغَبطُ آخِرَةَ الأَبْرار ويَتَباهى بأَنَ اللهَ أَبوه.
17 فلننظُرْ هل أَقوالُه صادِقة ولنختَبِرْ كيفَ تَكونُ عاقبَتُه.
18 فإِن كانَ البار ٱبنَ اللهِ فهو يَنصُرُه وُينقِذُه مِن أَيدي مُقاوِميه.
19 فلنمتَحِنْه بالشَّتْمِ والتَّعْذيب لِكَي نَعرِفَ حِلمَه ونَختَبِرَ صَبرَه.
20 ولتحكُمْ علَيه بِمِيتَةِ عار فإنَّه سيُفتَقَدُ بِحَسَبِ أَقْواله
خَطأ الكافِرين
21 هكَذا فَكَّروا، ولَكِنَّهم ضَلُّوا لأَنَّ شَرَّهُم أَعْماهم
22 فلم يَعرِفوا أَسْرارَ الله ولم يَرْجوا جَزاءً لِلتَّقْوى ولم يُقَدِّروا تَكْريمَ النّفوسِ الطَّاهِرَة.
23 فإِنَ اللهَ خَلَقَ الإنْسانَ لِعَدَم الفَساد وجعَلَه صورةَ ذاتِه الإلهِيَّة
24 لكِن بِحَسَدِ إبليسَ دَخَلَ المَوتُ إِلى العالَم فيَختَبِرُه ائَذينَ هم مِن حِزبِه.
مُقارنة بَينَ مَصيرِ الأَبرارِ ومَصيرِ الكافِرين
3 1 أَمَّا نُفوسُ الأَبْرارِ فهي بِيَدِ الله فلا يَمَسَّها أَيّ عَذاب.
2 في أَعيُنِ الأَغْبِياءِ يَبْدو أَنَّهم ماتوا وحُسِبَ ذَهابُهم مُصيبَةً
3 ورَحيلُهم عنَّا كارِثَةً لكِنَّهم في سَلام
4 وإِذا كانوا في عُيونِ النَّاسِ قد عوقِبوا فرَجاؤُهم كانَ مَمْلوءًا خُلودًا.
5 وبَعدَ تأديبٍ يَسير سيَكونُ لَهم إِحْساناتٌ عَظيمة لأَنَّ اللهَ ٱمتَحَنَهم فوَجَدَهم أَهْلاً لَه.
6 كالذَّهَبِ في البوتَقَةِ مَحَّصَهم وكذَبيحةٍ قُرَبَت مُحرَقةً قَبلَهم.
7 في وَقتِ ٱفتِقادِهم يَتَلألأون وكالشَّرَرِ بَينَ القَشِّ يَركُضون.
8 يَدينونَ الأُمَمَ ويتسَلَّطونَ على الشُّعوب ويَملِكُ الرَّبّ علَيهم لِلأَبَد.
9 المُتَوَكِّلونَ علَيه سيُدرِكونَ الحَقّ والأُمَنَاءُ في المَحبَةِ سيُلازِمونَه لأَنَّ النِّعمةَ والرَّحمَةَ لِمُختاريه.
10 أَمَّا الكافِرون فسَيَنالُهمُ العِقابُ المُناسِبُ لأَفْكارهم فهُمُ الَّذينَ لم يبالوا بِالبارِّ وٱرتَدّوا عنِ الرَّبّ.
11 فالَّذي يحتَقِرُ الحِكمةَ والتَّأديبَ شَقِي: باطلٌ رجاؤُهم وغَيرُ مُفيدةٍ أَتْعابُهم وغَيرُ نافِعةٍ أَعْمالُهما 12 نِساؤُهم غَبِيَّاتٌ وأولادهم أشَرارَ.
العُقم خيرٌ من الذُّرِّيَّة الكافِرة
13 ولكِن طوبى للِعاقِر الَّتي بِلا دَنس والَّتي لم تَعرِفْ مضجعَ الخيانة فإنَّهُ سيمونُ لها ثَمَّرٌ عِندَ ٱفتقادِ النُّفُوس
14 طوبى للخصيِّ الَّذي لم تَفعَل يدهُ إِثماً ولم يفكِّرْ أفكاراً شِريرةً على الرَّبّ ! فإنَّهُ سَينالُ لأمانتهِ نِعمةً سامِية ونصيباً شَهيَّاً في هيكلِ الرَّبّ
15 لأَنَّ ثَمَرَةَ الأَتعابِ الصَّالحةِ مَجيدة وأصْلَ الفِطنةِ لا يَزول .
16 أمَّا أولادُ الزُّناة فلا يَبلغُونَ أشدُّهم وذُّريَّة المَضجعِ الأثيمِ تنقرض .
17 وحتى إن طالت حَياتُهم فإنَّهم يُحسبون كلا شَيء وفي أَواخِرهم تَكونُ شَيخوختهم بِلا كرامة
18 وإن ماتوا سَريعاً فلا يَكونُ لَهم رَجاء ولا تعزيَّة في يوم الفَصل
19 لأَنَّ عاقِبة الجيل الشِّرِّير شاقَّة
4 خيرٌ الحرمان من الأَولاد والحُصُول على الفَضيلة فإنَّ في ذِكرها خُلوداً لأَنَّها مَعروفةٌ عِند الله والنَّاس
2 إذا خضَرت يُقتدى بها وإذا غابَت يُؤسَفُ عليها وفي الأَبديَّة تُستقبَلُ ٱستقبالَ الظَّافِرِ
3 أمَّا ذُرِّيَّةُ الكافِرينَ الغَفيرةَ فإنَّها لا تُجدي نَفعاً وهي مِن فِراخٍ نَغلة فلا تمُدُّ جُذوراً عميقة ولا تقومُ على ساقٍ راسِخة.
4 وإن أَخرجت فُروعاً إلى حين فإنَّها لِعَدَمِ رُسوخها تُزعزعها الرِّيح وتقتلِعُها الزَّوبعة .
5 فَتنقصِفُ فُروعها الصَّغيرةُ قَبلَ نموِّها ويَكون ثَمرها غيرَ نافع لأَنَّهُ غَيرُ ناضجٍ للأكلْ ولا يَصلِحُ لشيء .
6 فغنَّ المولودينَ مِنَ النَّوم الأثيم يشهدون عند التَّحقيقِ بفاحشةِ والديهم .
موتُ البارِّ قبل الأوان
7 أمَّا البارُّ فإنَّه وإن تَعجَّلَه الموت يَستَقِرُّ في الرَّاحة
8 لأَنَّ الشَّيخوخة المُكرَّمةَ لا تقومُ على كثرةِ الأيَّام ولا تُقاس بعَددِ السِّنين
9 ولكنَّ شيب الإنسانِ هو الفطنة وسِنَّ الشَّيخوخة هي الحياةُ المُنزهَةُ عنِ العَيب .
10 أصبحَ مرضيّاً عِندَ الله فكانَ مَحبوباً وكان يعيشُ بينَ الخاطئين
11 فنُقل خطف لكي لا يفسد الشَّرُّ بصيرته ولا يغويَ الغِشّ نفسه
12 لأنَّ سِحرَ الباطلِ يُغشِّي الخَير ودوارَ الشهوة يفسد العقل المنزَّه عنِ الشَّرّ .
13 بلغ الكمال في أيَّامٍ قليلة فاستوفى سنين طويلة .
14 وكانَت نَفسْه مرضِيَّةً عِندَ الرَّبَ ولذلك فقَد خَرَج سَريعًا مِن بَين الشُّرور. وأبصَرَتِ الشّعوبُ ولم تَفْقَهْ ولم يَخطُرْ لَها
15 أنَّ النِّعمَةَ والرحمَةَ لِمُخْتاريه وٱفتِقادَه لقِدَيسيه.
16 لكِنَّ البارَ الَّذي قد ماتَ يَحكُمُ على الكافِرينَ الباقات والشَّبيبةَ الَّتي ٱنقَضَت بسُرعة تَحكُمُ على شَيخوخةِ الأًثيمِ الكَثيرةِ السًنين.
17 فإِنَّهم يُبصِرونَ آخِرَةَ الحكيم ولا يَفقَهونَ ماذا أرادَ الرًب في شأنِه ولماذا جَعَلَه في أمان.
18 يُبصِرونَ وَيزْدَرون ولكِنَّ الرَّبَّ يَهزأ بِهم.
19 وبَعدَ ذلك يَصيرونَ جُثَّةً حَقيرة وعارًا بَينَ الأَمْواتِ أَبَدَ الدُّهور.فإِنَّه يُحَطِّمُهم صامِتينَ مُطرِقينَ بِرُؤُوسِهم ويُزَعزِعُهم مِن أُسسُهم ويُترَكونَ بورًا حَتَّى النَهاية ويَكونونَ في العَذاب وذِكرُهم يَزول.
الكافِرونَ سيُحاكَمون
20 وإِذا حُسِبَت خَطاياهم يأتونَ خائِفين وآثامُهم تتَهِمُهم في وجوهِهم.
5 حينَئِذٍ يَقومُ البارُّ بِجُرأَةٍ عَظيمة فيُ وجوهِ الَّذينَ ضايَقوه واحتَقَروا أَتْعابَه.
2 فإِذا رَأَوه يَضطَرِبونَ مِن شِدَّةِ الجَزَع ويَذهَلونَ مِن خَلاصٍ لم يَكونوا يَتَوَقَّعوَنه
3 ويَقولُ بَعضهم لِبَعضٍ نادمين ونائحينَ مِن ضيقِ صُدورِهم:
4 ((هُوَذا الَّذي كُنَّا حينًا نَجعَلُه ضُحكَةً ومَوضوعَ تَهَكُّمٍ نَحنُ الأَغْبِياء! لقَد حَسِبْنا حياتَه جُنونًا وآخِرَتَه عارًا
5 فكَيفَ أَصبَحَ في عِدادِ بَني الله وصارَ نَصيبُه مع القِدِّيسين
6 لقَد ضلَلْنا عن طَريقِ الحَقَ ولم يُضِئ لَنا نوُر البِرّ ولم تُشرِقِ الشَّمسُ علَينا.
7 شَبعْنا في سُبُلِ الإِثم والهَلاك وٱجَتَزْنا بَرارِيَ لا طرقَ فيها وأَمَّا طَريقُ الرَّبِّ فلم نَعرِفْه.
8 فماذا نَفَعَتْنا الكِبْرِياء؟ وماذا أَفادَنا الغِنى الَّذي كُنَّا نَفتَخِرُ بِه؟
9 قد مَضى ذلك كُّلُّه كالظِّلّ وكالخَبَرِ الَّذي يَمُرّ بِسُرْعة
10 أَو كالسفينَةِ الجارِدةِ على الماءِ المُتَمَوِّج الَّتي لا تَجِدُ أَثَرَ مُرورها ولا خَطَّ بَدَنِها في الأًمْواج.
11 أَو كطائِرٍ يَطيرُ في الجَوّ فلا تَجِدُ دَليلاً على مَسيرِه. يَضرب الرِّيحَ الخَفيفَةَ بِقَوادِمِه ويَشُقّها بِصَفيرٍ شَديد ويَعبُرُ مُرَفرِفًا جَناحَيه ثمَّ لا تَجِدُ لِمُرورِه مِن عَلامة.
12 أَو كسَهْمٍ يُرْمى إِلى الهَدَف فيُخرَقُ بِه الهَواءُ ولوَقتِه يَعودُ إِلى حالِه فلا يُعرَفُ مَمَرّ السَّهْم. 13 كذلِكَ نَحنُ ما إِن وُلدْنا حَتَّى تَوارَينا ولم يَكُنْ لَنا أَن نُبدِيَ علامَةَ فَضيلة بل فَنينا في رَذيلَتِنا14 إِنَّ رَجاءَ الكافِرِ كعُصافةٍ تَذهَبُ بِها الرِّيح وكزَبَدٍ رَقيقٍ تُطارِدُه الزَّوبعة. إِنَّه يَتَبَدَّدُ كدُخانٍ في الهَواء ويَمْضي كذِكْرِ ضَيفِ يَومٍ واحِد.
مصير الأَبرار المجيد ومعاقبة الكافرين
15 أَمَّا الأَبْرارُ فسيَحيَونَ لِلأَبَد وعِندَ الربَ ثَوابُهم ولهم عِنايةٌ مِن لُدُنِ العَلِيّ.
16 فلِذلكَ سيَنالونَ إِكْليلَ البَهاء وتاجَ الجَمالِ مِن يَدِ الرَّبّ لأنه بِيَمينه يَحْميهِم وبذِراعِه يَسترهم. 17 يَتَّخِذُ نيتَه سِلاحًا ويُسَلَح الخَليقَةَ لِلاحتِماءِ مِن أعدائِه.
18 يَلبَسُ البِر دِرعًا وحُكْمَ الصِّدق خوذَةً
19 ويَتَّخِذ القَداسةَ الَّتي لا تقهَر ترْسًا
20 يَشحَذُ غَضبَه الَّذي لا يَنثَني سَيفًا والعالَمُ يُحارِبُ معَه الأَغْبياء
21 فتَنطَلِقُ البُروقُ كسِهامٍ مُحَكَمَةِ التَّسْديد ومِنَ الغُيوم كَمِن قَوسٍ مُحكَمِ التَّوتيرِ تَطيرُ إِلى الهًدَف.
22 وحبَاتُ بَرَدٍ مليئَةٌ بِالسُّخْطِ تُقذَفُ مِن قَذَّافة ومِياهُ البَحْرِ تَثورُ علَيهم والأَنْهار تَغمْرُهم من دونِ شَفَقَة
23 وريحُ قدرَةٍِ تَهْبُ علَيهم وْتذَرَيهم كاَلزَّوبَعة. والإثمُ يَجعَل من الأرض كلًها قفرًا وٱرَتكابُ الشَرورِ يَقلِبُ عروشَ المقتَدرين.
2. سليمان والتماس الحكمة
على المُلوكِ أن يطلبوا الحكمة
6 فٱسمَعوا أيّها المُلوكُ وٱفهَموا! وتَعَلَّموا يا قُضاةَ أَقاصي الأَرض!
2 أَصْغوا أيّها المُتَسَلِّطونَ على الجَماهير والمُفتَخِرونَ بجُموعِ أُمَمِكم!
3 لأَنَّ سُلْطانَكمَ مِنَ الرَّبّ وقدرَتَكم مِنَ العَلِيّ وهو الَّذي سيَفحَصُ أَعْمالَكم ويَسْتَقْصي نِيَّاتِكم.
4 فإِنَّكم أَنتُمُ الخادِمينَ لِمُلكِه لم تَحكموا بِالصَّوابِ ولم تَحفَظوا الشَّريعة ولم تَسيروا بحَسَبِ مَشيئَةِ الله.
5 فسَيَطلعُ علَيَكم مَطلَعًا مُخيفًا وسَريعًا لأَنَّ حُكْمًا لا يْشفِقُ يُجْرى على الوُجَهاء.
6 فإِنَّ الصَّغير أهْل اِلرَّحمَة.أَماَّ أَرْبابُ القُوَّةِ فبِقَوَّةٍ يُفحَصون.
7 وسَيِّدُ الجميع لا يَتَراجعُ أَمامَ أَحَد ولا يَهابُ العَظَمَة لأَنَّ الصَّغير والكَبير هو صَنَعَهما وهو يَعتَني بِالجَميعِ على السَّواء.
8 لكِنَّ المُقتَدِرينَ يَنتَظِرْهم تَحْقيقٌ شَديد.
9 فإِلَيكم أيّها الملوكْ أوَجَهُ كَلامي لِكَي تَتَعَلَّموا الحِكمةَ ولا تَزِلوا
10 فإِنَّ الَّذينَ يَحفَظونَ بقَداسةٍ ما هو مقَدَّسٌ يُشهَدُ لَهم بِالقَداسة والَّذينَ يَتَعَلَّموَنه يَجِدون فيه دِفاعًا.
11 فٱرغَبوا في كلامي واصبوا إليه تَتَأدَّبوا.
الحِكمة تأتي لِمُلاقاةِ الإنسان
12 الحِكمةُ ساطِعةٌ لا تَذبُل تَسهُلُ مُشاهَدَتُها على الَّذين يْحِبَونَها وَيهتَدي إِلَيها الَّذينَ يَلتَمِسونَها. 13 تَسبِقُ فتُعَرِّفُ نَفْسَها إِلى الَّذين يَرغَبون فيها.
14 ومَن بَكَّر َفي طَلَبِها لا يَتعَب لأنّه يَجِدُها جالِسةً عِندَ بابه.
15 فالتَّأَمُّلُ فيها كَمالُ الفِطنَة ومَن سَهِرَ لأَجلِها لا يَلبَثُ أَن يَخلُوَ مِنَ الهُموم.
16 لأَنَّ الَّذينَ أَهلٌ لَها هي الَّتي تَجولُ في طَلَبِهم وفي سُبُلِهم تَظهَرُ لَهم بِعَطْف وفي كُل خاطِرٍ يَخطر لَهم تأتي لِمُلاقاتِهما.
17 فأَوَّلُها الرَّغبَةُ الصَّادِقَةُ في التَّأديب والاْهتمامُ بِالتَّأديبِ هو المَحبَة
18 والمَحبَةُ هي حِفظُ شَرائِعِها ومراعاةُ الشَّراٍئع هي ضَمانُ عَدَمِ الفَساد
19 وعَدَمُ الفَسَادِ هو التَّقرُبُ إِلى الله.
20 فالرَّغبَةُ في الحِكمَةِ تَقودُ إلى المَلَكوت.
21 فإِن طابَت لَكُمُ العُروش والصَّوالِجَة يا مُلوكَ الشُّعوب فأَكرِموا الحِكمَةَ لِكَي تملِكوا لِلأَبَد
سُلَيمانُ يَصِفُ الحكمة
22 وأَنا أخبِرُكم ما الحِكمَةُ كيفَ نَشأت ولا أَكتُمُ عَنكمُ الأَسْرار.
لكِنِّي أتَقَصَّاها مِنِ أَوَّلِ نَشأَتِها وأَجعَلُ مَعرِفَتَها بَيَنة ولا أَحيدُ عن الحَقّ
23 ولا أَسيرُ مع الحَسَدِ المُذيب لأنّه لا حَظَّ لَه في الحِكمَة.
24 إِنَّ كَثرَةَ الحُكَماءِ خَلاصُ العالَم والمَلِكَ الفَطِنَ ثَباتُ الشَّعْب.
25 فتأَدَّبوا بِأَقوالي تَستَفيدوا مِنْها.
لَم يَكُنْ سُليمانُ إلا إِنْسانًا
7 إنِّي أَنا أَيضًا إِنسانٌ قابِلٌ لِلمَوتِ مُساوٍ لِجَميعِ النَّاس مُتَحَدِّر مِن أَوَّلِ مَن جُبِلَ مِنَ الأَرض وقد صُوِّرتُ جَسَدًا في بَطنِ أُمّ
2 وفي مُدَّةِ عَشرَةِ أَشْهُرٍ تَكوّنتُ في الدَّم مِن زَرعَ رَجُلٍ ومِنَ اللَّذَّةِ الَّتي تُصاحِبُ النَّوم.
3 ولَمَّا وُلدتُ تَنَفَّستُ أَنا أَيضًا الهَواءَ المُشتَرَك وسَقَطَ رَأسي إِلى الأَرضِ كما هي طَبيعَةُ الإِنسان وكانَ البُكاءُ صُراخي الأَوَّلَ كما هو لِجَميعَ النَّاس.
4 ورُبَيت في القمُطِ والهُموم
5 فإِنَّه لَيسَ لِمَلِكٍ بَدءُ وُجودٍ غَيرُ هذا
6 بل واحِذ دُخولُ الجَميعِ إِلى الحَياة وسَواءٌ خُروجُهم مِنها.
قديرُ سُلَيمانَ للحكمة
7 لِذلِكَ صَلَّيتُ فأوتيت الفِطنَة ودَعَوتُ فأَتاني روح الحِكمَة.
8 ففَضَّلتُها على الصَوالِجَةِ والعُروش وعَدَدتُ الغِنى كَلا شَيءٍ بِالقِياسِ إِلا
9 ولم أعادِلْ بها الحَجَرَ الًذي لا يُقَدَّر لأَنَّ كُل الذهَبِ بِإِزائِها قليلٌ مِنَ الرَّمْل والفِضَّةَ عنِدَها تحسَبُ طينًا.
10 وأَحبَبْتها فوق العافِيةِ والجَمال وآثرتْ أن أتَّخِذَها قبل النور لأَن رَونَقَها لا يَقِر لَه قَرار.
11 فأَتَتني معَها جَميعُ الخَيرات وعن يَدَيها غِنىً لا يُحْصى.
12 فسُرِرتُ بِهذه الخَيرات كُلَها لأَنَّها بِإِمرَةِ الحِكمة ولم أكُن عالِماً بِأنَّها أُمّ لَها جَميعًا.
13 وأما تَعَلَّمتُه بِإِخلاصٍ أُشرِكُ فيه بِسَخاء ولا أَكتُمُ غِناها.
14 فإنَّها كَنز لِلنَّاسِ لا يَنفَد واَلَّذينَ ٱقتَنَوه كَسِبوا صداقَةَ الله وقَد اً وصَته بِهم المَواهِبُ الصَّادِرَةُ عنِ التَّأديب.
دَعوَة إِلى الإِلهامَ الإِلهي
15 لِيَهَبْ لِيَ اللّهُ أَن أَتَكلَمَ بِحَسَبِ رَغبَتِه وأَن أُجرِيَ في خاطِري مما يَليقُ بِما نِلتُه مِنَ المَواهب فإِنّه هو دَليلُ الحِكمَةِ ومُرشِدُ الحُكَماء.
16 وفي يَدِه نَحنُ وأَقْوالُنا كلّ فِطنَة كلّ عِلْمٍ أن عُلوم الصِّناعة.
17 فهو الَّذي وَهَبَ لي عِلمًا يَقينًاَ بِالكائِنات حتَّى أَعرِفَ نِظامَ العالَمِ وفاعِلِيةَ العَناصِر
18 ومَبدَأَ الأَزمِنةِ ومُنتهاها وما بَينَهما وتَعاقُبَ الاْعتِدالاتِ وتَغيرَ الفُصول
19 ودَوائِرَ السَّنَةِ ومَراكِزَ النجوم
20 وطَباع الحَيَواناتِ وغَرائِزَ الوُحوش ونَغَماتِ الأَرواحِ وخَواطِرَ البَشَر وأَنواعَ النَّباتِ وخَواصَّ الجُذور.
21 فعَرَفت كُلَّ ما خَفِي كلَّ ما ظَهَر لأَنَّ مُهَندِسَةَ كُلِّ شَيء علَّمَتني وهي الحِكمَة.
مديح الحكمة
22 فإِنَّ فيها روحًا فَطِنًا قُدّوسًا وَحيدًا متَشَعِّبًا لَطيفًا مَحَرِّكًا ثاقِبًا طاهِرًا واضِحًا سَليمًا مُحِبًّا لِلخَيرِ حادًّا
23 حُرًّا محسِنًا مُحِبًا لِلبَشَر ثابِتًا آمِنًا مُطمَئِنًّا يَقدِرُ على كُلِّ شيَءٍ ويْراقبُ كُلَّ شيء يَنفُذُ إِلى جَميعَ الأَرْواح الفَهِمَةِ مِنها والطَّاهِرَةِ والأشَدً لَطافَةً
24 لأنَّ الحكمةَ أكثر حَرَكَةً مِن كُلِّ حَرَكَة فهي لِطَهارَتها تَختَرِقُ وتَنفُذُ كُل شيَء.
25 فإنَّها نَفحَةٌ من قدرَةِ اللهِ وٱنبعاثٌ خالصٌ مِن مَجدِ القَدير. فلِذَلك لا يَتَسرَبُ إِلَيها شيءٌ نَجِس 26 لأنَّها ٱنعِكاسٌ لِلنَّورِ الأزَليَ ومِرآةٌ صافِيَةٌ لِعَمَلِ الله وصورَةٌ لِصَلاحه.
27 تَقدِر على كُلِّ شيء وهي وَحدَها وتُجَدَدُ كلَّ شيَءٍ وهي ثابِتَةّ في ذاتها وعلى مَرِّ الأجْيالِ تَجْتاُز إِلى نُفوسٍ قِدِّيسة فتُنشئُ أَصدِقاءَ لِلهِ وأنبياء
38 لأنَّ اللهَ لا يُحِبُّ إِلَّا مَن يُساكِنُ الحِكمَة.
39 فإنَّها أَبْهى مِنَ الشَّمس وأَسْمى مِن كُلً مَجْموعةِ نجوم وإِذا قيست بِالنورِ ظَهَرَ تَفوَقُها
30 لأنَّ النَّورَ يَعقبه اللَّيل. أَمّا الحِكمَةُ فلا يَغلِبُها الشَرَ.
8 إِنَّها تَمتَدُّ بِقوّةٍ مِن أَقْصى العالَمِ إِلى أَقصاه وتُدَبّر كُل شيء لِلفائِدَة.
الحِكمَةُ زَوجَةٌ مِثالِيَّة لِسلَيمان
2 وهي الَّتي أَحبَبتُها والتَمَستُها مُنذ حَداثَتي وسَعَيتُ أَن أتّخِذَها لي عَروساً وصِرتُ لِجمالِها عاشِقًا.
3 نُظهِرُ أَصلَها الكَريمَ باشتِراكِها في حَياةِ الله وقد أَحبَها سَيِّدُ الجَمَيع.
4 فهي مُطَّلِعَةِّ على عِلْمِ اللهِ والمُتَخَيِّرةُ لأعمالِه.
5 إِذا كانَ الغِنى مِلْكًا مَرْغوباً فيه فأَيُّ شَيءً أَغْنى منَ الحِكمَة الَّتي تَعقلُ كُلَّ شيَء؟
6 وإِن كانَتِ الفِطنَةُ هي الَّتي تَعمَل فمَن أَمهَرُ مِنها في هَندَسةِ الكائنات؟
7 وإذا كانَ أَحَدٌ يُحِبُّ البِرً فأَتْعابُها هي الفَضائل لأَنَّها تُعَلّم القَناعةَ والفِطنَةَ والبِرَّ والشَّجاعة الَتي لا شَيءَ لِلنَّاسِ في الحياةِ أنْفَعُ مِنها.
8 وإذا كانَ أَحَدٌ يَرغَبُ في خِبرَة واسِعَة فهيَ تَعرِف الماضي وتَتَكَهَّنُ بِالمُستَقبَل وتُحسِنُ صَوغَ الحِكَمِ وحَلَّ الأَلغاز وتَعلَمُ بِالآياتِ والخَوارِقِ قَبلَ حدوثها وبِتَعاقُبِ الأَوقاتِ والأَزمِنة.
لا يَستَغني المُلوكُ عنِ الحكمة
9 لِذلك عَزَمتُ أَن أتّخِذَها قَرينةً لِحَياتي عِلْمًا بِأنّها تَكونُ لي مُشيرةً لِلخَير ومُشَدِّدَةً في الهُموم والغَمّ
10 فيَكونُ لي بِها مَجدٌ عِندَ الجُموع وكَرامةٌ لَدى الشّيوخِ مع صِغَرِ سنِي
11 ويَجِدونَني ثاقبَ الفِكرِ في إجراءِ الحُكْم وُيعجَبونَ بي أَمامَ المُقتَدِرينِ.
12 وإِذا صمَتّ يَنتَظِرونني وإِذا تَكلَمتُ يُصغون وإٍذا أَفَضت في الكَلام يَضعونَ أَيديَهم على أَفْواَهِهم.
13 وأَنالُ بِها الخُلود وأُخَلِّفُ عِندَ الَّذينَ بَعْدي ذِكْرًا مؤَبَّدًا.
14 أَحكُمُ الشّعوبَ وتَخضَعُ لِي الأُمَم.
15 يَسمعُ بي مُلوكٌ مَرْهوبونَ فيَخافون وأَظهَرُ في الجَمعِ صالِحًا وفي الحَربِ شجاعًا.
16 وإِذا دَخَلتُ بَيتي ٱستَرَحتُ إِلى جانِبِها لأنّه لَيسَ في مُعاشَرَتِها مَرارة ولا في الحَياةِ معَها غَمٌّ بل سُرور وفَرَح.
سُلَيمان يَلتَمِسُ الحِكمَة
17 وبَعدَ أَن فَكَّرتُ في نَفْسي بِهذه وٱعتَبَرتُ في قَلْبي أَنَّ في قُرْبى الحِكمَةِ خُلودًا
18 وفي صَداقَتِها لَذَّةً سامِية وفي أَتعابِ يَدَيها غِنًى لا يَفْنى وفي المُواظَبَةِ على مُعاشَرَتِها فِطنةً وفي التَّحَدُّثِ إِليها سُمعَةً أَخَذتُ أَطوفُ طالِبًا كَيفَ أتّخِذُها لِنَفْسي.
19 كُنتُ صَبِيًّا حَسَنَ الطِّباع وُرزِقتُ نَفْسًا صالِحة
20 بل كُنتُ بِالأَحْرى صالِحًا فأتَيتُ في جَسَدٍ غَيرِ مُدَنًس.
21 ولَمَّا عَلِمتُ بِأنَي لا أَكونُ صاحِبَ حِكمة ما لم يَهَبْها لِيَ الله
– وقد كانَ منَ الفِطنَةِ أَن أَعلَمَ مِمَّن هذه النِّعمَة- تَوَجَّهتُ إِلى الرَّبِّ وسَأَلتُه وقُلتُ مِن كُلِّ قَلْبي: صلاة لِنَيل الحكمة
9 (( يا إِلهَ الآباءِ ويا رَبَّ الرَّحمَة يا صانِعَ كُلِّ شيءٍ بكَلِمَتِكَ ومُكَوِّنَ الإِنْسانِ بِحِكَمَتِكَ لِكَي يَسودَ الخَلائِقَ الَّتي صَنَعتَها
3 ويَسوسَ العالَمَ بِالقَداسَةِ والبِرّ ويُجرِيَ الحُكْمَ بِٱستِقامةِ النًّفْس
4 هَبْ لِيَ الحِكمةَ الجالِسَةَ مَعَكَ إِلى عَرشِكَ ولا تَنبُذْني مِن بَين أَبْنائِكَ
5 فإِنِّي أَنا عَبدُكَ وٱبنُ أَمَتِكَ إِنْسانٌ ضَعيفٌ قَصيرُ الحَياة قَليلُ الإِدراكِ لِلقَضاءِ والشَّرائع.
6 فلَو كانَ في بَني البَشَرِ أَحَدٌ كامِلٌ ولم تَكُنْ معَه الحِكمَةُ الَّتي مِنكَ فلا يُحسَبُ شَيئًا.
7 قدِ ٱختَرتَني أَنتَ لِشَعبِكَ مَلِكًا ولأَبنائِكَ وبَناتِكَ قاضِيًا
8 وأَمَرتَني أَن أَبنِيَ هَيكَلاً في جَبَل قُدسِكَ ومَذبَحًا في المَدينَةِ الَّتي نَصَبتَ فيها خَيمَتَكَ على مِثالِ الخَيمَةِ المُقَدَّسةِ الَّتي هيَأتَها مُنذُ البَدْء.
9 إِنَّ مَعكَ الحِكمةَ العَليمةَ بِأَعمالِكَ والَّتي كانَت حاضِرةً حينَ صَنعتَ العالَم وهي عارِفةٌ ما المَرضِيُّ في عَينَيكَ والمُستَقيمُ بِحَسَبِ وَصاياكَ.
10 فأَرسِلْها مِنَ السَّمواتِ المُقَدَّسة وٱبعَثْها مِن عَرشِ مَجدِكَ لِكَي تَقِفَ إِلى جانِبي وتَجِدَّ معي وأَعلَمَ ما المَرضِيُّ لَدَيكَ.
11 فإِنَّها تَعلَمُ وتَفهَمُ كُلَّ شيَء فتَكونُ لي في أَفْعالي مُرشِدًا فَطينًا وبِمَجدِها تَحْميني.
12 فتُصبِحُ أَعْمالي مَقْبولةً وأَحكُمُ لِشَعبِكَ بِالعَدل وأَكونُ أَهْلاً لِعَرشِ أبي.
13 فأَيُّ إنسانٍ يَعلَمُ قَضاءَ الله أَو مَنِ الَّذي يَتصَوُّر ما يُريدُ الرَّبّ؟
14 لأَنَّ أَفْكارَ البَشَرِ مُتردِّدة وخَواطِرَنا غَيرُ راسِخَة
15فإنَّ الجَسَدَ الفاسِدَ يُثَقِّلُ النَّفْس والخَيمَةَ التّرابِيَّةَ عِبءٌ لِلعَقلِ الكَثيرِ الهُموم.
16 ونَحنُ بِالجَهْدِ نَتَكَهَنُ بِما على الأَرض وبِالكَدِّ نَهتَدي إلى ما بَينَ أَيدينا فما في السمواتِ مَنِ الَّذي ٱكتَشَفَه؟
17 ومَنِ الَّذي عَلِمَ بمَشيئَتِكَ لو لم تُؤتِ الحِكمَةَ وترسِلْ مِنَ العُلى رُوحَكَ القُدُّوس؟
18 هكذا قُوِّمَت سُبُلُ الَّذينَ على الأَرضِ وتَعَلَّمَ النَّاسُ ما يُرضيكَ وبِالحِكمَةِ نالوا الخَلاص )).
3. عمل الحكمة في التاريخ
من آدم إلى موسى
10
1 هي الَّتي سَهِرَت على أَوَّلِ مَن جُبِلَ أبي العالَم بَعْدَ أن خلِقَ وَحيدًا وأَنقَذَته مِن زَلَّتِه
2 وأَعطَته قوّةً ليَتَسَلَّطَ على كُل شَيء.
3 ولَمَّا ٱرتَدَّ عَنها ظالِمٌ في غَضَبِه هَلَكَ في حَنَقِه الَذي قَتَلَ بِه أَخاه.
4 ولَمَّا غَمَرَ الطُّوفانُ الأَرضَ بِسَبَبِه عادَتِ الحِكمَةُ فخلَصَتها إِذ هَدَتِ البارَّ بِخَشَبٍ حَقير.
5 ولَمَّا أَجمَعَتِ الأمَمُ على الشرّ فأُخزِيَت مَعًا فهِي الَّتي عَرَفَتِ البارَّ وصانَته بِلا عَيبٍ أَمامَ اللّه وحَفِظَته أَقْوى مِن حَنانِه لِوَلَدِه.
6 وهي الَّتي أَنقَذَتِ البارَّ لَمَّا هَلَكَ الكافِرون وكانَ هارِبًا مِنَ النَّارِ الهابِطَةِ على المُدُنِ الخَمْس.
7 ولا تَزالُ هُناكَ لِلشَهادة على شَرِّهم أَرضٌ مقفِرةٌ يَسطعُ مِنها دُخان ونَباتٌ يُثمِرُ ثَمَرًا لا يَنضَجُ في أَوانِه وعَمودٌ مِن مِلح قائِمٌ تَذْكارًا لِنَفْسٍ لم تُؤمِن.
8 والَّذينَ حادوا عنِ الحِكمَة لم يَقتَصِرْ ضَرَرُهم على عَدَمِ مَعرِفَةِ الخَير ولَكِنَّهم تَرَكوا لِلأَحْياءِ ذِكرَا لِحَماقَتِهم بحَيث لا يَستَطيعونَ كِتْمانَ عَثَراتِهم.
9 لَكِنَّ الحِكمَةَ أَنقَذَت خُدَّامَها من أَتْعابِهم.
10 وهي الَّتي هَدَتِ البارَّ الهارِبَ مِن غَضَبِ أَخيه سُبُلاً مستَقيمة وأَرَته مَلَكوتَ اللهِ وآتته مَعرِفَةَ المُقَدَّسات وأَنجَحَته في أَتْعابِه كثَرَت ثَمَرَ أَعْمالِه.
11 ونَصَرَته على طَمَعِ مُضايِقيه وأَغنَته.
12 ووَقَته مِن أَعْدائِه وحَمَته مِنَ الكامِنينَ لَه وحَكَمَت لَه في قِتالٍ شَديد لِكَي يَعلَمَ أَنَّ التَّقْوى أَقدَرُ مِن كُل شَيء.
13 وهي الَّتي لم تَترُكِ البارَّ الَّذي باعوه بل نَشَلَته مِنَ الخَطيئَةِ ونَزَلَت معه في الجُبّ
14 ولم تُفارِقْه في القُيود حتَّى أَتَته بِصَولَجانِ المُلْكِ وبسُلْطانٍ على الَّذينَ كانوا مُتَسَلِّطينَ علَيه فكًذَّبَتِ الَّذينَ كانوا يَأخُذونَ علَيه المآخِذ وآتته مَجْدًا أَبَدِيًّا.
الخروج
15 وهيِ الَّتي أَنقَذَت شَعباً مُقَدَّسًا وذُرِّيَّةً لا عَيبَ فيها مِن أمَّةِ مُضايِقين
16 وحَلَّت نَفْسَ عَبدٍْ لِلرَّبّ وقاوَمَت مُلوكًا مَرْهوبين بِخَوارِقَ وآيات.
17 وجَزَتِ القِدِّيسينَ ثَوابَ أَتْعابِهم وهَدَتهم طَريقًا عَجيبًا وكانَت لَهم مَلْجأً في النَّهار وضِياءَ نُجوم في اللَّيل.
18 وعَبَرَت بهمِ البَحرَ الأَحمرَ وجازت بِهم غَزيرَ المِياه.
19 أَمَّا أَعْداؤُهم فأَغرَقَتهم ثُمَّ قَذَفَتهم مِن أَعْماقِ الغِمار.
20 ولذلك فالأَبْرارُ سَلَبوا الكافِرين وأشادوا بِٱسمِكَ القُدّوسِ أيّها الرَّبّ وحَمَدوا بقَلْبٍ واحِدٍ يَدَكَ الَّتي حَمَتهم
21 لأَنَّ الحِكَمةَ فَتَحَت أَفْواهَ الخُرْس وأَوضحَت أَلسِنَةَ الأَطْفال.
11 ووَفَّقَت مساعِيَهم عن يَدِ نَبِيٍّ قِدِّيس
2 فساروا في بَرَيَّةٍ غَيرِ مَسْكونة ونَصَبوا خِيامَهم في أَماكنَ لم تَطَٱها قدَم
3 وقاوَموا مُحارِبيهم ورَدّوا أَعداءَهم.
معجزة الماء. المقابلة الأولى
4 عَطِشوا فدَعَوا إِلَيكَ فأعْطوا ماءً مِن صَخرَةٍ شَديدةِ الٱنحِدار وشِفاءً لِغَليلهم أن الحَجَرِ الجُلْمود 5 فالأموُر الَّتي عوقِبَ بِها أَعْداؤُهم أَصبَحَت تِلكَ الَّتي أحسِنَ بِها إِلَيهم في ضيقِهم.
6 وبَدلاً مِن معَين نَهْرٍ دائِم يُعَكِّره دَمٌ مـوَحَّل
7 عِقابًا على أمرٍ بِقَتل أطْفال أَعطَيتَهم على غَيرِ رَجاءٍ ماءً غَزيرًا
8 بَعدَ أَن أَرَيتَهم بِعَطَشِهم إِذ ذاكَ كيفَ عاقَبتَ خُصومَهم.
9 فإِنَّهم لَمَّا ٱمتُحِنوا وإِن كانَ ذلك تأديبَ رَحمَة عَرَفوا كَيفَ كانَ عَذابُ الكافِرين الَذينَ حوكِموا بِالغَضَب
10 لأَنَّ هؤلاءِ قدِ ٱمتَحَنتَهم كأَبٍ يُنذِرُهم وأولئِكَ حاسَبتَهم كَمَلِكٍ قاسٍ يَحكُمُ علَيهما
11 وكانوا مِن بَعيدٍ أو مِن قَريب يَذوبونَ عَذابًا على السَّواء.
12 فقد أَخَذَهم حُزنٌ مُضاعَف ونَحيبٌ بِتَذَكّرِ الماضي.
13 لأنّهم لَمَّا سَمِعوا أَن ما كانَ لَهم عِقابًا كانَ لأَعدائِهم إحسانًا شَعَروا بِيَدِ الرَّبّ.
14 فإِنَّ الَّذي سَبَقَ أَن طَرَحوه ورَذَلوه ساخِرين أَدهَشَهم في آخِرِ الأَمر إِذ كانَ عَطَشُهم يَختَلِفُ عن عَطشِ الأَبْرار.
حلِم اللّهِ في معاملةِ مِصر
15 وبِسَبَبِ الأَفْكارِ الغَبِيَّةِ الظَّالِمَة الَّتي أَضَلَّتهم حَتَّى عَبَدوا زَحَّافاتٍ لا نُطْقَ لَها وحَشَراتٍ حَقيرة عاقَبتَهم بِأَن أَرسَلتَ علَيهم جَمّا مِنَ الحَيواناتِ الَّتي لا نُطْقَ لَها
16 لِكَي يَعلَموا أَنَّ كُلَّ واحِدٍ يُعاقبُ بِما خَطِئ بِه.
17 ولَم يكُنْ صَعْبًا على يَدِكَ القَديرة الَّتي صَنَعَتِ العالَمَ مِن مادَّةٍ لا صورَةَ لَها أَن تُرسِلَ علَيهم جَمًّا مِنَ الأَدْباب أَوِ الأسودِ الباسِلة
18 أَو وُحوشًا ضارِيَةً غَيرَ مَعروفةٍ ومَخْلوقةً جديدًا مِلْؤُها الغَضَب وتَبعَثُ نَفخَةً مُلتَهِبَةً أَو تَنفُثُ دُخانًا نَتِنًا أَو تُرسِلُ مِن عُيونها شَرارًا مُخيفًا
19 فكانَت تُهلِكُهم خوفًا مِنِ مَنظَرِها فَضلاً عن أَن تبيدَهم بِضرَرِها.
20 حَتَّى بِدونِ هؤُلاءَ البَهائِم كانَ نَفَسٌ واحِدٌ كافِيًا لإِسْقاطِهم يُطارِدُهمُ العَدلُ ويُبَدِّدُهُم بِريحِ قدرَتكَ. لكِنَّكَ رَتَّبتَ كُلَّ شيَءً بِمِقدارٍ وعَدَدٍ ووَزْن.
أسباب هذا الحِلم
21 فإِنَّ قُدرَتَكَ العَظيمَةَ هي دائِمًا رَهْنُ إِشارَتكَ فمَنِ الَذي يُقاوِمُ ذراعَكَ؟
22 لأَنَّ العالَمَ كلَه أَمامًكَ مِثلُ ما تَرجَحُ بِه كِفَّةُ الميزان كنُقطَةِ نَدى الفَجْرِ الَّني تَسقُطُ على الأَرض.
23 لكِنَّكَ تَرحَمُ جَميعَ النَّاس لأنّكَ على كُلِّ شَيءٍ قَدير وتَتَغاضَى عن خَطايا النَّاسِ لِكَي يَتوبوا. 24 فإِنَّكَ تُحِبّ جَميعَ الكائنات ولا تَمقُتُ شَيئًا مِمَّا صَنَعتَ فإِنَّكَ لَو أَبغَضتَ شَيئًا لَما كوّنتَه.
25 كيفَ يَبْقى شَيء لم تُرِدْه أم كَيفَ يُحفَظُ بما لم تَدْعُه؟
26 إِنَّكَ تُشفِقُ على كُلِّ شيَء لأنَ كُلَ شيَء لَكَ أيُّها السّيدُ المُحِب لِلحَياة.
12 فإِنً روحَكَ غَيرَ القابِلِ لِلفَساد هو في كُلَ شيء
2 ولذلك فإِنَّك توَبِّخُ شَيئاً فشَيئًا الَّذينَ يَزِولَّون وتُنذِرُهم مُذَكّرًا إِيَّاهم بما يَخطَأونَ فيه لِكَي يُقلِعوا عنِ الشَرِّ وُيؤمِنوا بِكَ أيُّها الرَّبّ.
حلِم اللّه في معاملة كنعان
3 وأَمَّا الَّذينَ كانوا قَديمًا سُكَّانَ أَرضِكَ المُقَدَّسة
4 فقد أَبغَضتَهم لأَجلِ أَعْمالِهِمِ المَمْقوتة مِن سِحْرٍ وطُقوسٍ مُدَنَّسة
5 وقَتلِ أَطفالٍ بِغَيرِ رَحمَة ومآدِبِ لَحْمٍ ودَم بَشَرِيِّ يَأكُلونَ فيها حَتَّى الًأَحْشاء.وأُولئِكَ المُطَّلِعونَ مِنَ الإِخْوان
6 والوالِدونَ القاتِلونَ لِنُفوس لا نَصيرَ لَها قد أَرَدتَ أَن تُهلِكَهم بِأيدي آبائِنا
7 لكي تَكونَ الأَرضُ الَّتي هي أَكرَمُ عِندَكَ مِن كُلِّ أَرض عامِرةً بأَبْناءٍ لِلهِ كما يَليقُ بِها.
8 ومع ذلك فإِنَّكَ أَشفَقتَ على أُولئِكَ أَيضًا لأنهَّم بشَر فَبَعَثتَ بِالزَّنابيرِ تَتَقَدَّم جَيشَكَ لِكَي تُبيدَهم شَيئًا فشَيئاً
9 لا لأنَّكَ عَجَزتَ عن إِسْلام الكافِرينَ إِلى أَيدي الأَبْرارِ بِالقِتال أَو عن تَدْميرِهم مرَةً واحِدَة بوُحوشٍ ضارَيةٍ أَو بِأَمرٍ جازِم
10 لَكِنَّكَ بِإِجراءِ حُكمِكَ شَيئًا فشَيئًا مَنَحتَهم مُهلَةً لِلنَّوبَة وإِن لم يَخْفَ علَيكَ أَنَّ طَبيعَتَهم شِرِّيرة وأَنَّ خُبثَهم غَريزيٌّ وعَقلِيَّتَهم لا تَتَغير أَبدًا
11 لأنّهم كانوا ذُرِّيَّةً مَلْعونةً مُنذُ البَدْء
أَسباب هذا الحِلم
ولِم يَكُنْ عَفوُكَ عن خَطاياهم خَوفًا مِن أَحَد
12 فإِنه مَنِ الَّذي يَقول: ماذا صَنَعتَ؟ أَو مَنِ الَّذي يَعتَرِضُ على حُكمِكَ؟ ومَنِ الَّذي يُحاكِمُكَ لأنّكَ أَهلَكتَ الأُمَمَ الَّتي خَلَقتَها؟ أَو مَنِ الَّذي يأتي لِيَشهَدَ علَيكَ بِأنّكَ تُدافع عن الناسٍ ظالِمِين؟
13 إِذ لَيسَ سِواكَ إِلهٌ يَعتَني بجَميعِ النَّاس حَتَّى تُرِيَه أنّكَ لا تَحكُمُ حُكمَ الظّلْم.
14 ولَيسَ لِمَلِكٍ أَو سُلْطانٍ أَن يُجابِهَكَ في أَمرِ الَّذينَ عاقَبتَهم.
15 وبما أنّكَ عادِل فأًنتَ تَسوسُ بِالعَدْلِ جَميعَ النَّاس وتَحسُبُ الحُكْمِ على مَن لا يَستوجِبُ العِقابَ أَمرًا مُنافِيًا لِقُدرَتكَ
16 لأَنَّ قُوَّتَكَ هي مَبدَأ عَدلِكَ وبما أنّكَ تَسودُ الجَميع فأَنتَ تُشفِقُ على جَميعِ النَّاس.
17 تَعرِضُ قوَّتَكَ لِلَّذينَ لا يؤمِنونَ بِكَمالِ. قُدرَتكَ وتخْزي جَسارةَ الَّذينَ يَعرِفونَها.
18 أَمَّا أَنتَ فإِنَّكَ تَسودُ قُوَّتَكَ فتَحكُمُ بِالرِّفْق وتسوسنا بكثيرٍ من المُراعاة لأَنَّ في يَدِكَ القُدرَةَ على العَمَلِ مَتى شِئتَ.
ما علَّمه اللّه لإسرائيل
19 وبِأَعمالِكَ هذه علَّمتَ شَعبَكَ أَنَّ البارَّ يَجبُ علَيه أَن يكونَ مُحِبًّا لِلنَّاس وجَعَلتَ لأًبنائك رَجاءً حَسَنًا لأنكَ تَمنَحُ التَوبَةَ عنِ الخَطايا.
20 فإِنَّ الَّذينَ كانوا أَعْداءَ أَبْنائِكَ ومُستَوجِبينَ لِلمَوت إِن كُنتَ عاقَبتَهم بِمِثلِ تِلكَ العِنايةِ والتَّساهُل جاعِلاً لَهم زَمانًا ومَكانًا لِلإِقْلاعَ عنِ الشَّرَ
21 فبأَيَّةِ مُداراةٍ حاكَمتَ أَبْناءَكَ الًّذينَ وَعَدتَ آباءَهم بأَقْسامٍ وعُهودٍ أَجمَل المَواعِد ؟
22 وهكذا فإِنَّكَ تُؤَدِّبُنا بِجَلْدِ أَعْدائِنا جَلْدًا خَفيفًا لِكَي نَتَذَكَّرَ حِلمَكَ إذا حَكَمْنا ونَنتَظِرَ رَحمَتَكَ إِذا حُوكِمْنا.
عودة إلى المصريين. عقابهم التدرّجي
23 لأَجلِ ذلك فالَّذينَ عاشوا في الغَباوةِ عيشةَ ظُلْم عَذَّبتَهم بِقَبائحِ أَنفُسِهم
24 فإِنَّهما في ضَلالِهما تَجاوَزوا طرقَ الضَّلال مُتَّخِذينَ أَذَلَّ الحَيَواناتِ وأَحقَرَها آِلهَةً مَخْدوعينَ كأَطْفالٍ لا يَفقَهون.
25 لِذلك أَنزَلتَ علَيهم كعَلى أَولادٍ لا عَقلَ لَهم حُكمَ سُخرِيَة.
26 لكِنَّ الَّذينَ لم يَتَّعِظوا بِتَأديبِ السّخرِيَّة ذاقوا الحُكْمَ اللاَّئِقَ بِالله.
27 إغْتاظوا مِن تِلكَ البَهائمِ الَّتي كانَت تُعَذِّبُهم ورأَوا أنّهم يُعاقبونَ بِالَّتي حَسِبوها آِلهَةً فعَرَفوا الإِلهَ الحَقَّ الَّذي كَفَروا بِه ولذلك حَلَّ علَيهِمِ العِقابُ الأَخير.
دَعْوى عبادة الأَصْنام. تأليه الطبيعة
13 إِنَّ جَميع لنَّاسِ الَّذينَ لازَمَهِم جَهْلُ اللهِ هِم مَغْرورون طَبعًا بأَنفُسهم فإِنهم لم يَقدِروا أَن يَعرِفوا الكائنَ مِنَ الخَيراتِ المَنْظورة ولَم يَعرِفوا الصَّانعِ مِنِ ٱعتِبارِ أَعْمالِه.
2 لكِنَّهم حَسِبوا النَّارَ أَوِ الرِّيحَ أَوِ الهَواءَ اللَّطيف أَو مَدارَ النّجوم أَوِ المِياهَ الجارِفَة أَو نَيَرَي السَّماء آِلهةً تسَيَّر العالَم.
3 فإِن حَسِبوا تِلكَ آِلهَةً لأنّهم خُلِبوا بِجَمالِها فلْيَعلَموا كم سَيِّدُها أَعظَمُ مِنْها لأَنَّ الَّذي خَلَقَها هو أَصلُ الجَمال.
4 وإِن دَهِشوا مِن قُدرَتها وفاعِلِيَّتِها فلْيَفهَموا مِنْها كم مُكَوُّنها أَقدَرُ مِنها
5 فإِنَّ عَظَمَةَ المَخْلوقاتِ وجَمالَها يُؤَدِّيانِ بِالقِياسِ إِلى التَأَمل في خالِقِها.
6 فَيَ أنَّ أُولئكَ النَّاسَ يَستَوجبونَ تَوبيخًا أَخَفّ فلَعَلَّهم لا يَضِلّونَ إلاَّ لأًنَّهم يَلتَمِسونَ الله وَيرغَبونَ في الِاْهتِداءِ إِلَيه.
7 بِما أنّهم يَعيشونَ فيما بَينَ أَعْمالِه فهُم يُمعِنونَ النَّظَرَ فيها فيَغرُهم مَنظرها لأَنَّ المَخلوقاتِ المَنْظورةَ جَميلة.
8 مع ذلك فهُم أَيضًا لا يُغفر لَهم
9 لأنّهم إِن كانوا قد بَلَغوا مِنَ العِلمِ أَنِ ٱستَطاعوا أَن يَتَكَهَّنوا بسَيرِ الأشياءِ الأَبَدِيّ فكَيفَ لم يَهتَدوا قَبلَ ذَلك إِلى سَيِّدِها؟
عبادة الأصنام
10 لكِن ما أَشْقى أُولئِكَ الَّذينَ جَعَلوا رَجاءَهم في أَشْياءَ مَيتَة فسَمَّوا أَعْمالَ أَيدي النَّاسِ آِلهَةً ذَهَبًا وفِضَّةً مَصنوعةً بِدِقَّةٍ وفَنّ وتَماثيلَ كائِناتً حيَة أَو حَجَرًا لا يُستَعمَلُ صَنَعَته يَدٌ قَديمة.
11 وهذا حَطَّابٌ أَيضا يَنشر شَجَرَةً يَسهُلُ نَقلُها فيُجَرِّدُها بِمَهارةِ مِن قِشرِها كُلِّه ثُمَّ بِحُسْنِ صِناعًتِه يَصنَعُها آلَةً تَصلُحُ لِخِدمةِ العَيش
12 ويَستَعمِلُ نُفايَتَها وَقودًا لإِعْدادِ طَعامِه فيَشبع.
13 أَمَّا النّفايةُ الَّتي لا تَصلُحُ لِشَيءٍ وهي خَشَبَةٌ مُعوَجَّةٌ ومُعَقَّدة فإِنَّه يَأخُذُها وَيعتَني بِنقشِها في أَوانِ فَراغِه وُيصَوِّرُها بخِبرَةِ أَوقاتِ الرَّاحة فيُمَثِّلُ بِهاَ شَكْلَ إِنْسان
14 أَو يُشَبًهُها بِحَيوانٍ حَقير ويَدهُنُها بِالقِرمز وُيحَمر سَطحَها بِالحُمرَة ويَطْلي كُلَّ لَطخَةٍ فيها.
15 ويَجعَلُ لَها مَسكِنًا يَليقُ بها فيَضَعُها في الحائطِ وُيثَبَتها بِالحَديد.
16 فقَدِ ٱحتاطَ لِئَلاَّ تَسقُط لِعِلمِه أَنها لا تَستَطيع تَستَعينَ بِنَفسِها إِذ هي تِمْثالٌ يَفتَقِرُ إِلى مَن يُعينُه17 ولكِن إِن أَرادَ أَن يُصَلِّىَ مِن أَجلِ أَموْالِه وزَواجِه وأَولادِه فلا يَخجَلُ أَن يُخاطِبَ ما لا نَفْسَ لَه ومِن أَجلِ العافِيةِ يَبتَهِلُ إِلى ما هو ضَعيف
18 ومِن أَجل الحَياةِ يَتَوسَّلُ إِلى ما هو مَيْت ومن أَجلِ الإِغاثَةِ يَتَضَرَّعُ إِلى أَقلِّ شيَءٍ خِبرَةً ومن أَجلِ سَفَرٍ إِلى ما لا يَستَطيعُ أَن يَستَخدِمَ رِجْلَيه
19 ومن أَجلِ رِبْحٍ ومَشْروعٍ ونَجاحِ عَمَل يدَيه يَلتَمِسُ قوَّةً مِمَّا لا قوَّةَ في يَدَيه.
14
1 وهذا يَركَبُ البَحرَ ويوشِكُ أَن يَسيرَ على الأمواجَ العاتِيَة فيَستَغيثُ بِخَشَبةٍ أَشَدَّ تَسَوّسًا مِنَ المَركَبِ الَّذي يَحمِلُه.
2 لأَنَّ هذا المَركَبَ ٱختَرَعَه حُبّ الكَسْبِ وصَنَعَته الحِكمَةُ المُهَندِسَة.
3 لكِنَّ عِنايَتَكَ، أيها الآبُ هي الَّتي تَقودُه لأنّكَ جَعَلتَ طَريقًا حَتَى في البَحْرِ وفي الأَمْواجَ مَسلَكًا آمِنًا
4 مُبَيِّنًا أنَّكَ قادِرٌ أَن تُخَلِّصَ مِن كُلِّ شَيء حتَّى إِذا رَكِبَ البَحرَ مَن لا درايَة لَه.
5 أَنتَ تُحِبّ أَن لا تَكونَ أَعْمالُ الحَكمةِ عَقيمَة ولذلك يودِعُ النَّاسُ أَنفُسَهم خَشَبَةً صَغيرة فيَقطَعونَ الأَمْواجَ في طَوفٍ ويَسلَمون
6 وفي البَدْءِ كانَ الجَبابِرَةُ المُتَكَبِّرونَ يَهلِكون فالتَجَأَ رَجاءُ العالَمِ إِلى طَوفٍ وكانَت يَدُكَ تَقودُه فأبْقى لِلمُستَقبَلِ بَذْرَ تَوالُد.
7 فالخَشَبَةُ الَّتَّي بِها يَحصُلُ البِرُّ هي مُبارَكة
8 أَمَا الخَشَبَةُ المَصْنوعةُ صَنَمًا فمَلْعونةٌ هي وصانِعُها أَمًا هذا فلأَنَّه عمِلَها، وأَما تِلكَ فلأنَّها مع كَونها قابِلَةً لِلفَساد، سُمِّيَت إلهًا.
9 فإنَّ الله يُبغِض الكافِرَ كفرَه على السَّواء.
10 فالمَصنوعُ والصَّانعُ يُعاقبان.
11 لِذلكَ ستُفتَقَدُ أَصنامُ الأمَمِ أَيضًا لأَنَّها أَمست، في خَلْقِ الله، قَبيحةً وحَجَرَ عَزَةٍ لِنُفوسِ النَّاس وفَخًّا لأَقْدامِ الأَغْبِياء.
أصل عبادة الأصنام
12 إِنَّ فِكرَةَ صِناعَةِ الأَصْنامِ هي أصْلُ الزِّنى وٱختِراعَها فَسادٌ لِلحَياة.
13 وهي لم تَكُنْ في البَدءِ ولَن تَبْقى لِلأَبَد
14 ولم تَدخلٍ العالَم إِلَّا بِحُبَ النَّاسِ لِلمَجدِ الباطِل ولذلكَ كُتِبَت لها نِهايةٌ عاجِلَة.
15 هُناكَ والِدٌ فُجعَ بِحِدادٍ مُعَجَّل فَصَنعً تِمثالاً لاْبنِه الَّذي خُطِفَ صَريعًا وجَعَلَ يُكَرِّمُ إِكْرامَه لِإِله ذلِكَ الَّذي كانَ بِالأَمس إِنْسانًا مَيتًا ورَسَمَ لِلَّذينَ تَحتَ يَدِه أَسْرارًا وطُقوسًا.
16 ثُمَّ رَسَخَت تِلكَ العادة الكُفرِيَّةُ على مَرَ الزَّمانِ فحُفِظَت كشَريعة وبِأَوامرِ المُلوك أَصبَحَتِ المَنْحوتاتُ مَوضِعَ عِبادة.
17 والنَّاسُ الَّذينَ لم يَستَطيعوا أَن يُكرِموهم بِحُضورِهم لِبُعْدِ مُقامِهم صَوَّروا هَيئاتِهم عن بُعْدٍ وصَنَعوا لِلمَلِكِ المُكرمِ صورةً مَنْظورة لِكَي يُعرِبوا عن تَمَلّقٍ ناشِطٍ لِلغائِبِ كأنَّه حاضِر.
18 ثُمَّ إِنَّ طُموحَ الفَنَّانِ حَمَلَ حَتَّى الَّذينَ لم يَكونوا يَعرِفونَه إِلى نَشْرِ عِبادَتِه
19 ولَعَلَّه كانَ يَرغَبُ في إِرضاءِ المَلِك فكلَفَ فنَه لِيَكونَ إِخراجُه أَجمَلَ مِنَ الحَقيقَة
20 فٱستُميلَ الجُمْهوُر بِرَوعَةِ الإِنْتاج حَتَّى إِنَّ الَّذينَ كانوا قَبلَ قَليل يُكرِمونَه إِكْرامَ إِنْسانٍ عَدّوه مَعْبودًا.
21 ومِمَّا أَمْسى فَخًّا لِلحَياة أَنَّ أُناسًا ٱستَعبَدَتهمُ المُصيبَةُ أَوِ السُّلطَة فأَطلَقوا على الحِجارةِ والأَخْشابِ الاْسمَ الَّذي لا يُشرَكُ فيه أَحَد.
عواقب عبادة الأَصنام
22 ثُمَّ لم يَكتَفوا بِالضَّلالِ في مَعرِفةِ الله لكِنَّهم غاصوا في حَربِ الجَهْلِ الواسِعة فسَمَّوا مِثلَ هذه الشُّرورِ سَلامًا.
23 وبِرُتَبِهمِ القاتِلةِ لِلأَطْفالِ وأَسْرارِهمِ الخَفِيَّة أَو بأَعيادِهم ِ الجُنونية ذاتِ العاداتِ الغَريبة
24 لم يَعودوا يَحفَظونَ الطَّهارةَ في الحَياة ولا في الزَواج فيَقتلُ الواحِدُ الآخَرَ بِالمَكْرِ أو يُؤلمُه بِالزِّنى.
25 كُل شَيءٍ مُختَلِط؟ فهُناكَ الذَمُ والقَتْل والسَّرِقَةُ والمَكْرُ والفَسادُ والخِيانة والفِتنَةُ وشَهادةُ الزّور
26 والتِباسُ القِيَمِ ونُكْرانُ النِّعمَة وتَدَنَسُ النّفوسِ والشّذوذُ الجِنسِيَ وفَوضى الزَّواجِ والفِسْقُ والعَهارة.
27 لأَنَّ عِبادةَ الأَصنام الَّتي لا ٱسمَ لَها هي أَصلُ كُلِّ شَرٍّ وعِلّته وغايَتُه
28 فإِنَّهم يَبتَهِجونَ حَتَّى الجُنون أَو يَتَنَبَّأُونَ الكَذِب أَو يَعيشونَ في الظُّلم أَوِ لا يَلبَثونَ أَن يَشهَدوا بِالزُّور
29 لأنهم لِتَوَكّلِهم على أَصنامٍ لا نُفوسَ لَها لا يَتَوقَّعونَ، إِذا أَقسَموا بِالزور أَن يَنالهمُ الخُسْران.
30 فهُناكَ أَمْرانِ يَستَحِقّونَ بِهما أَن يَنزِلَ بِهمِ العِقاب: سُوء تَفْكيرِهم في اللهِ بِٱتِّباعِهمِ الأَصْنام وقَسَمُهم الماكِرُ بِالزُّور بِٱستِخْفافِهم بِالقَداسة.
31 لأَنً ما يَتَعَقَّبُ دائِمًا مَعصِيَةَ الظَّالِمين لَيسَ هو قُدرَةَ المُقسَمِ بِهم بلِ الحُكمُ على الخاطِئين لَيسَ إِسرائيلُ بعابِدِ أَصنام
15 أَمَّا أَنتَ يا إِلهَنا فإنَّكَ صالِحٌ صادِق طَويل الأَناة ومُدَبر كُلًّ شيَءٍ بِالرَّحمَة
2 وحَتَّى إِذا خًطِئْنا فنَحنُ لَكَ لِعِلمِنا بِقُدرَتكَ لَكِنَّنا لَن نَخطَأَ لِعِلمِنا بِأنّنا نُعَدُّ مِن خاصَّتِكَ.
3 فإِنَّ العِلمَ بِمَن أَنتَ هو البِرّ الكامِل والعِلمَ بِقُدرَتكَ هو أَصلُ الخُلود.
4 لأَنَّ ما ٱختَرَعَته صناعةُ النَّاسِ الشِّرِّيرة لم يُغوِنا ولا جُهودُ الرَّسَّامينَ العَقيمة مِن صُوَرِ مُلَطَّخَةٍ بِأَلْوانٍ مُتَنافِرَة
5 يُؤَدَي مَنظرها إِلى إِيقاظِ الهَوى عِندَ الأَغْبِياء وُيرَغبهم في صورةِ تِمْثالِ مَيتٍ لا روحَ فيها.
6 إِنَّ الَّذينَ يَصنَعونَها والَّذينَ يَرغَبونَ فيها والَّذينَ يَعبُدونَها هم عُشَّاقٌ لِلشّرِّ وأَهلٌ لِمِثلِ هذه الآمال.
غَباوة صنّاع الأَصنام
7 هذا خزَافٌ يَكِدّ في عَجْنِ الطِّين الليّن وُيصَوِّرُ كُلَّ شَيءٍ مِمَّا نَستَخدِمُه. مِنَ الطَين الواحِدِ صَنعً الآنِيَةَ المُخَصصَةَ لِلأَعْمالِ النَّظيفة والمُخَصصةَ لِعَكسِ ذلك كلَها على السَّواء. وأَمَّا تَخصيصُ كُلِّ إِناء مِن كِلْتا الفِئَتَين فإِنَّما يَعودُ إِلى حُكمِ صانعٍ الطِّين.
8 ويَكِدُّ بِلا جَدْوى فيَصنعُ مِنَ الطِّين نَفسِه إِلهًا لا خَيرَ فيه وُلدَ مِنَ الطِّين مُنذُ قَليل وَيعودُ بَعدَ قَليل إِلى الطِّين الَّذي أُخِذَ مِنه حينَ يُطالَبُ بِرَدَ نَفسِه المُستَعارة.
9 غَيرَ انه لا يُبالي بِأنَّه سيَموت وبِأَنَ حَياتَه قَصيرة لكِنَّه يُنافِسُ صاغَةَ الذَّهَبِ والفِضَّة ويَقتَدي بِالنَّحَّاسين ويَفتَخِرُ بِتَصويرِ المُزَيَّفات.
10 فقَلبُه رَمادٌ ورَجاؤُه أَخَسّ مِنَ التُّراب وحَياتُه أَحقر مِنَ الطِّين.
11 لأنّه تَجاهَلَ مَن جَبَلَه ونَفَخَ فيه نَفْسًا عامِلَةً وبَعَثَ روحًا مُحيِيًا.
12 بل حَسِبَ حَياتَنا لُعبَةَ أَولاد ووُجودَنا سوقَ أَرْباح فقال: ((لا بُدَّ مِنَ الرِّبحِ بِجَميعِ الوَسائِل ولَو بِالظُّلم )).
13 فهِو أَعلَمُ النَّاس بِأنَّه يَخطَأ لأَنَّه يَصنعُ مِن مادَّةٍ تُرابِيَّة آنِيَةً سَريعةَ الِاْنكِسارِ وأَصْنامًا.
غَباوة المِصريين: عبادتهم الشاملة للأصنام
14 لَكِنَّ جَميعَ أعْداءِ شَعبِكَ المُتَسَلِّطينَ علَيه هم أَغبِياءُ جِدًّا وأَشْقى من نَفْس الطِّفْل ْا لأنّهم حَسِبوا حتَّى جَميعَ أَصنامِ الأُمَمِ آِلهَةً مع أنَّها لا تَستَخدِمُ عُيونَها لِتبصِر ولا أُنوفَها لتَستَنشِقَ الهَواء ولا آذانَها لِتَسمعَ ولا أَصابع أيديها لِتَلمُس ومع أَنَّ أَرجُلَها عاجِزَةٌ عنِ المشْيِ
16 لأَنَّ الَّذي صَنَعَها هو إِنْسان والَّذي جَبَلها كائنٌ أُعيرَ روحًا ولَيسَ في طاقَةِ إِنسان أَن يَصنعَ إِلهًا شَبيهًا بِه.
17 وبِما أَنَّه قابِلٌ لِلمَوت فهو يَصنعُ مَيتًا بيَدَيهِ الأَثيمَتَين. إِنَّه لأَفضَلُ مِنَ الأَشْياءِ الَّتي يَعبُدُها إِذ هو قد كانَ حَيًّا، وأَمَّا هي فلا بَتاتًا،
18 وهم يَعبُدونَ حتَّى أَمقَتَ الحَيَوانات فهي أَشَدّ الحَيَواناتِ غَباوةً.
19 ولَيسَ فيها ما في سائرِ الحَيوانات مِن حُسنِ المَنظَرِ الفتَان فقَد فاتَها ثَناءُ اللهِ وبَرَكَتُه.
المقابلة الثانية: الضفادع
16 لِذلِكَ عوقِبوا بِحَقِّ بِأَمْثالِ هذه الحَيَوانات وعُذِّبوا بِجَمٍّ مِنَ الدُّوَيبات.
أَمَّا شَعبُكَ فلَم تُعاقِبْه، بل أَحسَنتَ إِلَيه: فلِكَي تُشبعَ شَديدَ شَهِيَّته أَعدَدتَ لَه مأكَلاً عَجيبَ الطَّعْم أَي السَّلْوى
3 حتًّى إِنَّه إِذا كانَ أُولئِكَ، معَ جوعِهم فاقِدينَ كُلَّ شهوَةٍ لِلطَّعام مِن كَراهةِ ما بُعِثَ علَيهم كانَ هؤُلاءِ، بَعدَ عَوَزٍ يَسير يَتقاسَمونَ مأكَلاً عَجيبَ الطَّعْم
4 فإِنَّه كانَ يَنبَغي بأُولئِكَ الظَّالِمين أَن تَنزِلَ بِهم فاقةٌ لا مَناصَ مِنها ولهؤُلاءِ أَن يَرَوا كَيفَ يُعَذَّبُ أَعْداؤُهم.
المقابلة الثالثة: الجراد والحيَّة النحاسية
5 حَتَّى لَمَّا نَزَلَ بِهؤُلاءِ حَنَقُ الوُحوشِ الهائل وأَهلَكَهم لَدغُ الحيَاتِ المُلتَوِية لم يَستَمِرَّ غَضَبُكَ إِلى النِّهاية
6 بل إِنَّما أُقلِقوا إِلى حينِ إِنْذارًا لَهم وكانَت لَهم عَلامةُ خَلاص تُذَكرهم وَصِيَّةَ شَريعَتِكَ
7 فكان المُلتَفِتُ إِلَيها يَخلُص لا بِذلكَ الَّذي كانَ يَراه بل بِكَ يا مُخَلِّصَ جَميعِ النَّاس.
8 وبذلكَ أَثبَتَّ لأَعْدائِنا أَنكً أَنتَ المُنقِذُ مِن كُلِّ سوء
9 لأَنَّ أُولئِكَ قَتَلَهم لَسع الجَرادِ والذُّباب ولم يوجَدْ عِلاجٌ لحِفْظِ حَياتِهم فقد كانوا أَهلاَ لأَن يُعاقَبوا بِمِثْلِ هذه الحَشَرات
10 في حينِ انه لم تَقْوَ على أَبْنائِكَ أَنيابُ الحيَاتِ السَّامَّة لأَنَّ رَحمَتَكَ أَقبَلَت علَيهم وشَفَتهم.
11 وإِنَّما نُخِسوا لِيَتَذَكَّروا أَقْوالَكَ ولكِن سُرْعانَ ما أُنقِذوا لِئَلاَّ يَسقُطوا في نِسْيانٍ عَميق فيُحرَموا إِحْسانَكَ.
13 وما شَفاهم نَبتٌ ولا مَرهَم بل كَلِمَتُكَ يا رَبّ فهي تَشْني جَميعَ النَّاس.
13 لأَنَّ لَكَ سُلْطانَا على الحَياةِ والمَوت فتُحدِرُ إِلى أَبْوابِ مَثْوى الأَمْوات وتُصعِد ُمِنها
14 يَستَطيعُ الإِنسانُ أَن يَقتُلَ بِخُبثِه لكِنَّه لا يُعيدُ النَّسمَةَ الَّتي خَرَجَت ولا يُطلِقُ النَّفسَ المَقْبوضَة! المقابلة الرابعة: البَرَد والمَنّ
15 لا يُمكِنُ الإِفْلاتُ مِن يَدِكَ
16 فإِنَّك قد جَلَدتَ بقوّةِ ذِراعِكَ الكافِرينَ الَّذينَ أَنكًروا أنَّهم يَعرِفونَكَ فلاحَقَتهمُ الأَمطاُر غَيرُ المألوفة وحبَاتُ البَرَدِ والوابِلاتُ الَّتي لا تَرحَم وأَكَلَتهمُ النَّار.
17 وأَغرَبُ شيَءٍ أَنَّه في الماءِ الَذي يُطفِئ كُلَّ شيء كانَتِ النَّارُ تَزدادُ حِدَّةً لأَنَّ الكَونَ يُقاتِلُ عنِ الأَبْرار.
18 وكانَ اللَّهيبُ تارةً يَسكُن لِئَلاَّ يُحرِقَ ما أُرسِلَ على الكافِرينَ مِن حَيَوانات ولكَي يُبصِروا فيَفهَموا أَنَّ حُكمًا إِلهِيًّا يُطارِدُهم
19 وتارةً يَتأَجَّجُ في وَسَطِ الماءِ فَوقَ طاقةِ النَّار لِكَي يُتلِفَ غَلاَّتِ أَرضٍ ظالِمَة.
20 أَمَّا شَعبُكَ فبَدَلاً مِن ذلِكَ ناوَلتَهمِ طَعامَ مَلائِكة وقَدَّست لَهم مِنَ السَّماء ِخُبزًا مُعَدًّا لم يَتعَبوا فيه خُبزًا يُوَفِّرُ كُلَّ لَذَّةٍ ويُلائِمُ كُلَّ ذَوق.
21 لأَنَّ المادَّةَ الَّتي مِن عِندِكَ كانَت تُظهِرُ عُذوبَتَكَ لأَبنائِكَ وتَخضَعُ لِشَهوَةِ مُتَناوِلها فتَتَحوَلُ إِلى ما شاء َكُلُّ واحِد.
22 وكان الثَّلج والجَليدُ يُقاوِمانِ النَّار ولا يَذوبان لِكَي يُعلَمَ أَنَّ غَلاًّتِ الأَعْداء أَكَلَتها النَّاُر المُلتَهِبَةُ في البَرَد والبارِقَةُ في وَسَطِ الأَمْطار
23 في حين أَنَّ هذه النَّار كانَت تَنْسى حتَّى خاصَّتَها لِيَستَطيعَ الأَبْراُر أَن يَتَغَذَّوا.
24 فإِنَّ الخَليقةَ الَّتي في خِدمَتِكَ أَنت صانِعِها تَتَوتًّرُ لِمُعاقَبةِ الظَّالمين وترتخي للإحْسان إلى المُتَوَكِّلينَ علَيكَ.
25 لِذلِكَ كانَت حينَئِذٍ تَتَحوَلُ إِلى كُلِّ شَيء فتَكونُ في خِدمَةِ عَطِيَّتكَ المُغَذِّيَّةِ كُلَّ شَيء على ما يَشاءُ الَّذينَ يَطلُبوَنها.
26 فعَلِمَ بَنوكَ الَّذينَ أَحبَبتَهم يا رَبّ أَن لَيسَ ما يَخرُجُ مِنَ الثِّمار هو يُغَذَي الإِنْسان بل كَلِمَتُكَ هي الَّتي تَحفَظُ المؤمِنينَ بِكَ.
27 لأَنَّ ما لم تَكُنِ النَّاُر تُفْنيه كانَت شُعاعةٌ بَسيطةٌ مِنَ الشَّمس تُحْميه فيَذوب
28 حتَّى يُعلَمَ أنّه يَجِبُ أَن نَسبِقَ الشَمسَ إِلى حَمدِكَ وأَن نَلتَقِيَ بِك عِندَ شُروقِ النور.
29 لأَنَّ رَجاءَ ناكِرِ الجَميلِ يَذوب كالصقيعِ الشَّتْوِيّ ويَجْري كماءٍ لا يُستَعمَل.
المقابلة الخامسة: الظلام وعمود النار
17 إِنَّ أَحكامَكَ عَظيمةٌ لا يُعبر عَنها ولذلك ضَلَّت نُفوسٌ لا تَأديب لَها.
2 فإنَّه لَمَّا تَوَهَّمِ آِثمونَ أنَّهم يَتَسَلَّطون على أمَّةٍ قِدِّيسة أَمسَوا أَسْرى الظَّلامِ ومُقَيَّدينَ بِلَيلٍ طَويل مَحْبوسينَ تَحتَ سُقوفِهم مَنفِيِّينَ عن العِنايَةِ الأَبَدِيَّة.
3 كانوا يَظُنّونَ أنّهم يَبقَونَ مُستَتِرينَ في خَطاياهمُ الخَفِيَّة تَحتَ سِتارِ النسيانِ المُظلِم فبُدِّدوا وهُم في رُعبٍ شَديد وفي فَزَعً مِنَ الأَخِيلة
4 لأَنَّ المَلجَأَ الَّذي كان يَسترهم أيَكُن يَقيهم مِنَ الخَوف فقد كانت أًصْواتٌ صاخِبَة تَدْوي مِن حَولهم وأَشْباحٌ مُكفَهِرَّةٌ كاسِفَةُ الوُجوهِ تَظهَرُ لَهم.
5 ولم تَكُنِ النَّارُ، مَهما ٱشتَدَّت قُوَّتُها، تُلْقي نورًا ولا كانَ بَريقُ النُّجومِ يُنيرُ ذلك اللَّيلَ البَهيم.
6 ولم يَكُنْ يَلمعُ لَهم إِلَّا كُتلَةٌ مِن نار تَشتَعِلُ مِن تِلقاءِ ذاتِها وتُلْقي الرّعْب. وكانوا، إِذا غابَ عَنهم هذا المَنظر لا يَزالوِنَ مرُتَعِدين حاسِبين ما يَظهَرُ لَهم أَهوَلَ مِمَّا هو.
7 عَجِزَت حِيَلُ السِّحْرِ وأُفحِمَ ٱدِّعاؤه بالفِطنَةِ إِفحامًا مُخزِيًا
8 لأَنَّ الَّذينَ وَعَدوا بِنَفْيِ المَخاوِفِ والاْضطِرابات عنِ النَّفسِ المَريضة هؤُلاءِ أَمرَضَهم خَوفٌ مُضحِك
9 فإِنَّه وإِن لم يَكُنْ هُناكَ شيءٌ هائِلٌ يُخيفُهم كانَ مُرورُ الدُّوَيبات وفَحيحُ الأَفاعي يُفزِعُهم
10 فيَهلِكونَ مِنَ الخَوف ويَرفُضونَ حتَّى النَّظَرَ إِلى ذلك الهَواءَ الَّذي لا مَهرَبَ مِنه على كُلِّ حال.
11 لأَنَّ الخُبثَ يَدُلُّ على الجُبْن حينَ يَحكُمُ علَيه شاهِدُه ولمُضايَقَةِ الضَّمير لا يَزالُ يُضَخِّمُ الصُّعوبات.
12 فلَيسَ الخَوفُ إِلَّا التَخَلِّي عن إسعافاتِ العَقْل.
13 فكمَا قَلَّ تَوَقُّعُها ٱشتَدَّ الشّعورُ بجَهلِ ما يَجلِبُ العَذاب.
14 أً مَّا هم فَفي ذلك اللَّيلِ العاجِزِ على الإِطلاق والخارِج من أَعْماقِ مَثْوى الأَمْواتِ العاجِز كانوا نائمينَ النَّومَ نَفسَه
15 وكانوا تارةً تُطارِدُهم أَشْباِحٌ مَسخِيَّة وتارةً تَنحَلُّ قُواهِم مِن خوَرِ نُفوسِهمِ لِما غَشِيَهم مِن خوفٍ مُفاجِئ وغَير ِمُتوَقعَّ.
16 وكذلِك فمَن سَقَطَ هُناكَ، أيًّا كان بَقِيَ مَحْبوسًا في سِجنٍ لَيسَ لَه قُضْبانُ حَديد.
17 فإِن كانَ فَلاَّحًا أَو راعِيًا أَو صاحِبَ عَمَلٍ مِن أَعمالِ البَرِّيَّة أخِذَ بَغتَةً ووَقع في القَضاءِ المَحْتوم
18 لأَنَّهم جَميعًا كانوا مُقيّدين بِسِلسِلَةٍ واحِدَةٍ مِنَ الظَّلام فهَزيزُ الرِّيحِ وتَغريدُ الطُّيور على الأَغصانِ المُلتَفَّة وإِيقاعُ المِياهِ الجارِيةِ بِقُوَّة
19 وقَعْقَعَة الحِجارةِ المُتَدَحرِجَة وعَدْوُ الحَيواناتِ القافِزَةِ الَّذي لا يُرى وزَئيرُ أَشَدِّ الحَيَواناتِ تَوَحُّشًا والصَّدىَ المُتَرَدِّدُ في بُطونِ الجِبال كُلُّ ذلك كانَ يَشلُهم مِنَ الخَوف
20 لأَنَّ العالَمَ كلَه كانَ يُضيئه نورٌ ساطعِ وَيتعاطى أَعْمالَه بِغَيرِ مانعَ.
21 علَيهم وَحدَهم كانَ لَيلٌ بَهيمٌ مُنتَشِرًا وهو صورة لِلظُّلمَةِ الموشِكَةِ أَن تَتَلَقَّاهم لكِنَّهم كانوِا على أَنفُسهم أَثقَلَ مِنَ الظُّلمَة.
18 أَمَّا قِديسوكَ فكانَ عِندَهم نورٌ عَظيم وكانَ أُولئِكَ الَّذينَ يَسمَعونَ أَصْواتَهم مِن غيرِ أَن يُبصِروا صُوَرَهم يُغَبِّطوَنهم على أنَّهم لم يُقاسوا العَذاب
2 ويَشكُرونَهم على أنَّهم لا يُؤذونَ بَعدَ أَن ظُلِموا ويَستَغفِرونَهم مِن مُعاداتِهم لَهم.
3 بَدَلَ الظُّلمَةِ جَعَلتَ لِهؤُلاءِ عَمودًا وَهَّاجًا دَليلاً في طَريقٍ لم يَعرِفوه وشَمسًا لا تؤذي في هِجرَتِهمِ المَجيدة.
4 أمَّا أولئِكَ فكانوا يَستَوجِبونَ أَن يَفقِدوا النُّور ويُحبَسوا في الظلمَة لأنّهم حَبَسوا أَبْناءَكَ الَّذينَ سيُمنَحُ العالَمُ بِهم نورَ شَريعَتِكَ غَيرَ القابِلِ لِلفَساد
المقابلة السادسة: الليلة المفجعة وليلة النجاة
5 ولَمَّا عَزَموا على قَتْلِ أَطْفالِ القِدِّيسين وخُلِّصَ طِفْلٌ واحِدٌ مِنهم بَعد أَن عُرَضَ اِنتَزَعتَ جُمهورَ أَولادِهم لِتُعاقِبَهم وأَهلَكتَهم جَميعًا في الماءَ الجارِف.
6 وتلكَ اللَّيلَةُ أخبِرَ بِها آباؤُنا مِن قَبْلُ لِكَي تَطيبَ نُفوسُهم لِعِلمِهمِ اليَقين بِأيَّةِ أَقْسامِ وثقوا.
7 فتَوَقع شَعبُكَ خَلاصَ الأَبْرارَ وهَلاكَ الأَعْداء
8 لأَن ما عاقَبتَ بِه المُقاوِمين صارَ لَنا موضوعَ ٱفتِخار بِدَعوَتكَ لَنا.
9 فإِنَّ بَني الصَّالِحينَ القِدِّيًسين كانوا يَذبَحونَ خُفيَةً وأَجمَعوا على إِقامَةِ هذه الشَّريعَةِ الإِلهِيَّة أن يَشترِكَ القِدِّيسون في الخَيراتِ والمَخاطِرِ على السَّواء وكانوا مُنذُ ذَلك الحين يُنشِدونَ أَناشيدَ الآباء.
10 وكانَت جَلَبَةُ الأَعْداءِ النَّاشِزَةُ ترٌ د علَيهم وصَوتُ الباكينَ على أَطْفالِهم بِالنَّحيب يَنتَشِرُ بَعيدًا. 11 وكانَ العِقابُ الواحِدُ يُصيبُ العَبدَ والسَّيِّد وكان ٱبنُ الشَّعبِ والمَلِك يعانِيانِ العَذابَ الواحِد. 12 ماتوا كلُهم ميتةً واحِدة فكانَ لَهم جُثَثٌ لا تُحْصى حتَّى إِنَّ الأَحْياءَ لم يَكْفوا لِدَفنِهم إِذ في لَحظَةٍ أُبيدَ أَعَزُّ نَسْلِهم.
13 وبَعدَ أَن أَبَوا بِسَبَبِ السِّحرِ أَن يُؤمِنوا بشَيء ٱعتَرَفوا عِندَ هَلاكِ الأَبْكار بأَنَّ هذا الشَّعبَ هو ٱبن لله.
14 وبَينَما كان صَمتٌ هادِئٌ يُخَيَمُ على كُلِّ شيَء وكانَ اللَّيلُ في مُنتَصَفِ مَسيرِه السَّرج
15 هَجَمَت كَلِمَتُكَ القَديرةُ مِنَ السَّماءِ مِنَ العُروشِ المَلَكِيًة كالمُحارِبِ العَنيف في وَسَطِ الأَرضِ المَلْعونة. كانَت تَحمِلُ قَضاءَكَ المَحْتوم كَسَيفٍ مُرهَف
16 فوَقَفَت ومَلأَت كُلَّ مَكانٍ مَوتًا وكانَ رَأسُها في السَّماءِ وقَدَماها على الأَرْض.
17 حينَئِذٍ بلبَلَتهم فجأةً رُؤَى أَحْلامٍ مُخيفة وغَشِيَتهم مَخاوِفُ غَيرُ مُتوقَعة.
18 فصرعَ كُلّ واحِدٍ هُنا وهُناكَ بَينَ حَيٍّ ومَيت وكان يُعلِنُ لأَيِّ سَبَبٍ يَموت
19 لأَنَّ الأَحْلامَ الَّتي أَقلَقَتهم أَنْبَأَتهم بِذلك لِئَلاَّ يَهلِكوا وهم يَجهَلونَ لِماذا يُعانونَ هذا العَذاب. التهديد بالإِفناء في البَريَّة
20 لكِنَّ مِحنَةَ المَوتِ كانَت تصيبُ الأَبْرارَ أَيضًا ووقَعَتِ الضَّربَةُ على عَدَدٍ كَبيرٍ مِنهم في البَرِّيَّة. غَيرَ أَنَّ الغَضَبَ لم يَلبَثْ طَويلاً
21 لأَنَّ رَجُلاً لا عَيبَ به بادَرَ لِحِمايَتِهم فذَهَبَ بِسِلاحِ خِدمَتِه الَّذي هو الصلاةُ والتَّكفيرُ بالبَخور وقاوَمَ الغَضَبَ وقَضى على الآفَة مُظهِرًا أنّه خادِمُكَ.
22 فٱنتَصَرَ على الحِقدِ لا بقُوَّةِ الجَسَد ولا بِعَمَلِ السِّلاح بلَ بالكَلام سَيطَرَ على المُعاقِب مُذَكّرًا بِالأَقسام والعُهودِ المَقطوعةِ مع الآباء.
23 وبَينما كانَ القَتْلى يَتَكَدَّسون وَقَفَ في الوَسَطِ ورَدَّ الغَضَب وقطَعَ علَيه طَريقَ الأَحْياء
24 لأنَّه على ثَوبِه الطَّويلِ كانَ العالَمُ كله وكانَت أَسْماءُ الآباءِ المَجيدةُ مَنْقوشةً في أَربَعَةِ صُفوفِ الحجارة وكانَت عَظَمَتُكَ على تاجِ رَأسِه.
25 فلَمَّا رَأَى المُبيدُ ذلك تَراجَعَ وخاف وكانَ مُجَرَّدُ اختِبارِ الغَضَبَ قد كَفى .
المقابلة السابعة: البحر الأحمر
19 أَما الكافِرون فقَد حَلَّ علَيهم حتَّى النِّهاية غَضبٌ لا رَحمَةَ معَه لأنّه كانَ يَعلَمُ مِن قَبلُ ماذا سيَفعَلون
2 وأنّهم، بَعدَ أَن يُرَخِّصوا لَهم في الذَّهاب وُشرِعوا في إِطلاقِهم سيُغَيَرونَ رَأيَهم وَيجِدّون في إِثرِهم.
3 فإِنَّهم، بَينما كانوا يَنوحون وَينتَحِبونَ على قُبورِ أَمواتِهم خَطَرَ لَهم فِكرٌ آخَر، فِكرٌ غَبِيّ وأَخَذوا يُطارِدونَ الَّذينَ حَثُوهم على الرَّحيل مُطارَدَتَهم لِقَومٍ هارِبين.
4 وإِنَّما ساقَهم إِلى هذا الحَدِّ الأَقْصى مَصيرٌ عادِل وحَمَلَهم على نِسيانِ ما مَضى لِكَي يَستَتِمّوا لها نَقَصَ عِقابَهم من عَذابات
5 ويَختبِرَ شَعبُكَ أَعجَبَ عُبور ويَموتَ أُولئِكَ أَغرَبَ ميتَة.
6 وكانَتِ الخَليقةُ كلها بِحَسَبِ طَبيعَتِها الخاصَّة تُجبَلُ مرَة ثانِية وتَخضعُ لأَوامركَ لِيُحفَظَ بَنوكَ سالِمين.
7 ورَأَوا غَمامًا يُظَلًّلُ المُخيّم والأَرضَ اليابِسَةَ تَبرُزُ مِمَّا كان ماءً مِن قَبلُ والبَحرَ الأَحمَرَ يُصبِحُ طريقًا سالِكًا والأَمواجَ المُندَفِعةَ تُصبِحُ مَرْجًا أَخضَرَ
8 عَبَرَت فيه أُمَّةٌ بِكامِلِها تَسترها يَدُكَ وتَشهَدُ خَوارِقَ عَجيبة.
9 رَعَوا كالخَيلِ ووَثَبوا كالحُمْلان مُسَبَحينَ لَكَ أيّها الرَّبّ مُنقِذُهم
10 فإِنَّهم كانوا يَتَذَكَّرونَ ما جَرى في غُربَتِهم كَيفَ أَخرَجَتِ الأَرضُ لا الحَيَواناتُ، بَعوضًا كيفَ فاضَ البَحر، لا الحَيَواناتُ المائِيَّة جَمًّا مِنَ الضَّفادِع.
11 ورأَوا أَخيرًا طَريقةً جَديدةً لِوِلادةِ الطُّيور حين حَثَّتهم شَهوَتُهم أَن يَطلُبوا أَطعِمَةً فاخِرة 13 فصَعِدَتِ السَّلْوى مِنَ البَحرِ إِرْضاءً لَهم.
مِصر أَشدّ إِجرامًا من سدوم
13 لكِنَّ العُقوباتِ نَزَلَت بِالخاطِئين مِن دونِ أَن يُشارَ إِلَيها مِن قَبلُ بِصَواعِقَ شَديدة وبحَقً كانوا يَتألَّمونَ بِسَبَبِ شُرورِهم لأَنّهمِ أَظهَروا لِلغَريبِ أَشدَّ البُغْض.
14 أبى غيرهُم أَن يُرَحِّبوا بِغُرباءَ لم يَعرِفوهم. أَمَّا هُم فقَدِ ٱستَعبَدوا ضُيوفًا أَحسَنوا إِلَيهم.
15 وما عَدا ذلك فهُناكَ ٱفتِقادٌ يَنتَظِرُ أُولئِكَ لأنّهم قَبِلوا الغُرَباء بِطَريقَةٍ عِدائِيَّة.
16 أَمَّا هؤلاءِ فبَعدَ أَن قَبِلوا بِٱحتِفالٍ مَن كانوا يُشاركونَهم في الحُقوق أَثقَلوهم بِأَعمالٍ رَهيبة. 17 فضُرِبوا بِالعَمى مِثلَ أَولئِكَ عِندَ بابِ البارّ حينَ شَمَلَتهم ظُلمةٌ واسِعَة فجَعَلَ كُلُّ واحِد يَتَلَمَّسُ مَدخَلَ بَيته.
إِنسجام جديد
18 كانَتِ العَناصِرُ تَتَحوَلُ بَعضُها إِلى بَعْض كما أَنَّ تَغَيُّرَ الأَنْغام في العود يُغَيِّرُ طَبيعَةَ الإِيقاعِ والصَّوت باقٍ وذلِكَ بَيِّنٌ مِن إِمْعانِ النَّظَرِ في ما جرى:
19 فهُناكَ كائناتٌ أَرضيَّةٌ تَحوَلَت إِلى مائِيَّة والسَّابِحَةُ سَعَت على الأَرْض
20 والنَّارُ في الماءِ ٱزدادَت قوَّتُها الطَّبيعِيَّة والماءُ نَسِيَ قوّنَه المُطفِئَة
21 وبِالعَكسِ فاللَّهيب لم يأكُلْ أَجْسادَ الحَيواناتِ الضَّعيفةِ الَّتي كانَت تَسْرَحُ فيه ولم يُذِبِ الطَّعامَ السَّماوِيَّ الشَّبيهَ بِالجَليدِ السَّرجِ الذَّوَبَان.
الخاتمة
22 فإِنَكَ يا رَبُ في كُلِّ شيءٍ عظَّمتَ شَعبَكَ ومَجَّدتَه ولَم تَأنَفْ أَن تُساعِدَه في كُلِّ زَمانٍ ومَكان.