زيارة المجوس (الغطاس)

Kings Schultz 363 a

من مواعظ القديس لاون الكبير البابا

(العظة 3 في عيد ظهور الرب، 1-3 و 5: PL  54، 240- 244)

أظهر الله مجده للعالم كله

        شاءَ اللهُ بعنايتِهِ الرحيمةِ أن يأتيَ لمساعدةِ العالمِ الهالكِ عندَما تَمَّ الزمان، فحدَّدَ أن يكونَ الخلاصُ لجميعِ  الشعوبِ في المسيح.

        وكانَ اللهُ قد وعدَ أبانا إبراهيم في قديمِ الزمانِ، بأنّه سيكونُ له نسلٌ عديد، ليسَ بحسبِ الجسدِ، بل بحسبِ خصوبةِ الإيمان. ولهذا شبَّهَهُ بعددِ كواكبِ السماء، لكي لا ينتظرَ  أبو جميعِ الشعوبِ نسلاً أرضيًّا، بل نسلاً يكونُ بحسبِ سُنَنِ السماء.

        لتدخُلْ، لتدخلِ الشعوبُ كلُّها في أُسرةِ الآباءِ. وَلْيَتبارَكْ أبناءُ الوعدِ ببركةِ نسلِ إبراهيم، بينَما تركَها أبناؤُه بحسبِ الجسدِ. لِتَسجُدْ جميعُ الشعوبِ مع المجوسِ الثلاثةِِ لخالقِ الكائنات، وَلْيَكُنِ اللهُ معروفًا ليسَ فقط في اليهوديّةِ، بل وفي المسكونةِ كلِّها، ليكونَ اسمُ الربِّ عظيمًا في كلِّ الأُممِ (ر. مزمور 75: 2).

        مُعلَّمِين بأسرارِ النعمةِ الإلهيّةِ هذه، فَلْنَحتفلْ، أيُّها الأحبّاء، في فرحِ الروح، بيومِ ولادتِنا، وبدءِ دعوةِ الشعوبِ إلى الإيمان. وَلْنَشكُرِ اللهَ الرحيمَ، لأنَّه، بحسبِ قولِ الرسولِ “جعلَنا أهلاً لأن نشاطرَ القدِّيسِين ميراثَهم في النورِ. هو الذي نجَّانا من سلطانِ الظُّلُماتِ ونقلَنا إلى ملكوتِ ابنِ محبَّتِه” (ر. قولسي 1: 12- 13). وكما قالَ أشعيا النبيُّ: “الشَّعبُ السَّائِرُ في الظُّلمَةِ أبصَرَ نُورًا عَظِيمًا، وَالمُقِيمُونَ في بُقعَةِ ظَلامِ المَوتِ أشرَقَ عَلَيهِم نُورٌ” (أشعيا 9: 1) وقالَ أيضًا موجِّهاً كلامَه إلى الله: “هَا إنَّكَ تَدعُو أُمَّةً لَم تَكُنْ تَعرِفُهَا، وَإلَيكَ تَسعَى أُمَّةٌ لَم تَكُنْ تَعرِفُكَ” (أشعيا 55: 5).

        رأى إبراهيمُ هذا اليومَ وفرِحَ (ر. يوحنا 8: 56)، لمَّا عرفَ أنَّ أبناءَ عهدِه سوف يتباركون في نسلِه أي في المسيح، ولمَّا رأى أنَّه سيكونُ أبًا لجميعِ الشعوبِ عن طريقِ الإيمانِ به، “فَمَجَّدَ اللهَ مُتَيَقِّنًا أنَّ اللهَ قَادِرٌ عَلَى إنجَازِ وَعدِهِ” (روما 4: 21) .

        ترنَّمَ داودُ أيضًا بهذا اليومِ في المزاميِر قال: “جَمِيعُ الأمَمِ الَّتِي صَنَعْتَهَا تَأتِي وَتَسجُدُ أمَامَكَ، أيُّهَا السَّيِّدُ، وَتُمَجِّدُ اسمَكَ” (مزمور 85: 9). وقالَ أيضًا: “كَشَفَ الرَّبُّ خَلاصَهُ، لِعُيُونِ الأُمَمِ كَشَفَ بِرَّهُ” (مزمور 97: 2).

        ونعرفُ أنَّ هذا كلَّه تَمَّ لمّا جاءَ المجوسُ الثلاثة، وقد دعاهم اللهُ من بلادِهم البعيدة، وقادَهم بالنجمِ، ليَعرِفوا ويسجدوا لمَلِكِ السماءِ والأرض. ويحملُنا النجمُ نحن أيضًا على الطاعةِ نفسِها، أي أن نُصغِيَ بقدرِ ما نستطيعُ إلى النعمةِ التي تدعو الجميعَ إلى المسيح.

        وفي هذا الجَهدِ، أيُّها الأحبَّاء، يجبُ أن تَعضُدُوا بعضُكم بعضًا، لتُضِيئُوا مثلَ أبناءِ النورِ في ملكوتِ الله، الذي نبلغُ إليه بالإيمانِ القويِمِ وبالأعمالِ الصالحة. بربِّنا يسوعَ المسيحِ الذي يحيا ويملكُ مع اللهِ الآبِ ومع الروحِ القدسِ، إلى أبدِ الدهور. آمين.

Facebook
WhatsApp
Email