حان الوقت ليختار… فتجسد
اخوتي الأحباء،
نستعد في هذه الأيام المباركة والمتعبة للاحتفال بعيد الميلاد. وكل سنة يحل علينا هذا العيد بوجه مختلف وبمناسبات مختلفة وبزينة مختلفة. وكلها جميلة وكلها رائعة.
إلا أن هذه الاشياء كلها قد تعمي عينينا عن اللقاء بمن هو العيد. وبالرغم من كثرة الصلوات إلا أنها قد تصبح فقط (روتين) أو (واجب) يقوم به طالب الإكليريكية، فيفقد العيد معانيه ويبقى فقط شيء خارجي لا علاقة له بواقع حياتنا اليومية التي نعيشها.
نسمع في الرسالة إلى أهل غلاطية (4: 4) “لما تم الزمان…” أي عندما حان الوقت، وما هو هذا الوقت: الوقت الذي فيه أصبح كل شيء جاهز، الوقت الذي ستتحقق فيه كل نبؤات العهد القديم. الوقت الذي فيه “سيخلص الله شعبه” (متى 1: 21).
الخلق |
الكهنة |
الملوك |
الانبياء |
سر التجسد |
أنت اليوم! |
لدى مراجعتنا لكل تاريخ الخلاص من الخلق وحتى الانبياء: فقد اشتهرت الكثير من القصص والروايات التي نحبها نكررها ولا يغيب عن بالنا قصة إبراهيم واسحاق، شمشون الجبار، ايليا النبي، دعوة صموئيل… ونجد في كل منها رواية السيد المسيح لأننا نراها بأعين الإيمان ويغيب عن بالنا أن هذا العصر أو هذا الوقت هو الوقت الذي يستعد فيه الله لخلاص شعبه.
فكل هذه الظروف والأوقات التي مرت بها البشرية كلها هي تحضير لخلاص الشعب. ولكن متى، فالكل كان ينتظر هذا الجواب! وهذا المتى اشتدت على وقت العذراء مريم والقديس يوسف لأن الشعب كان كله بأشد الغيرة على أن يدخل المسيح (المخلص) من نسله! وخاصة نسل داؤود.
فهذا الوقت الطويل جداً بالنسبة لنا هو بعين الله: لحظات قليلة كي يختار هو ماذا يفعل! فبعد وقت طويل من التحضير جاء الوقت ليختار.
وهل لله قدرة على الاختيار؟ نعم، عليه أن يختار طريقة خلاصنا. كيف وما هي الطرق وهل نحن على استعداد! عليه أن يدرس كل المسألة هل سينجح هل سيربح أم سيخسر ويعود عن قراره كما كنا قد سمعنا في العهد القديم “ندم الله عن الغضب الذي كان يريد أن يفعله” (شفاعة إبراهيم؛ تك 18: 20-33).
وعندما حان الوقت ليختار… تجسد
نعم حان الوقت، وقد قرر الله، فتجسد. أصبح طفلاً صغيراً في مغارة بسيطة (لوقا 2: 12). أصبح شبيهاً بنا في كل شيء ما عدا الخطيئة ليخلص البشرية كلها. وهذا ما قرأناه صباحاً وتأملنا به من الرسالة إلى ديوغنيتس:
ولمّا تفاقَمَ شرُّنا، وباتَ من المحتَّمِ وقوعُ العذابِ والموتِ جَزاءَ فسادِنا، حانَ الزمانُ الذي حدَّدَه اللهُ ليُعلِنَ فيه غِنى جُودِه وعظمَةَ قُدرتِه. ما أعظمَ جُودَ اللهِ ومحبَّتَه للبشر! فهو لم يُبغِضْنا، ولم يَنبِذْنا، ولم ينتقِمْ منَّا، بل حمَلَنا بصبرٍ، ورحِمَنا فأخذَ عنَّا خطايانا، وأَسلمَ ابنَه وحيدَه ثمنَ فدائِنا. القدُّوسُ بُذِلَ عن المجرِمِين، والبرِيءُ عن الآثمِين، والبارُّ عن الأشرارِ، وغيرُ قابلِ الفسادِ عن الذين هم عُرضَةٌ للفَناءِ والفسادِ، والذي لا يموتُ عن الذين هم عُرضةٌ للموتِ. بمَ كانَ يمكنُ أن تُستَرَ آثامُنا إِن لم يَكُنْ ببرِّه هو؟ ومن يبرِّرُنا نحن الآثمِين سوى الابنِ الوحيدِ؟
وهكذا صالح الله العالم. هو العالم من خان ومن كره ومن غدر. وهو الله من تجسد وخلص واحب وغفر. هو العالم من بعد عن الله وتركه ونسي رحمته وتاه في طريقه. وهو الله الذي اراد ان يخلصنا وأحبنا وسار معنا وتاه معنا في ظلمات الخطيئة لينير دربنا ويقودنا إلى السعادة. كلها لأن الله اختار أن يسكن بيننا ومعنا “عمانوئيل” (متى 1: 23)
وأنت أيها الطالب الإكليريكي، متى يحين وقت تجسدك! أي اختيارك الحقيقي لحياتك وواقع حياتك. لترسم على وجه هذه الحياة خطواتك فيتكلم عنها العالم كلها بعد رحيلك منها.
تمر بنا الأيام سريعاً ونحن نتوه بين يمين وشمال ولا ننتبه إلى مسيرتنا أو قرار اختيارنا الأساسي والجوهري. فكل إنسان أراد الحياة الكريمة والحقيقية على وجه هذه الأرض عليه أن يعود دائماً وبعد عصر أفكاره وذهنه إلى خياره الأساسي والجوهري.
فبعد أن تم عهدك القديم، أي تاريخ ميلاد وطفولتك ومراهقتك، أصبحت الآن “في ملء الزمان” (غلاطية 4: 4) وعليه، فعليك أن {تختار} طريقة حياتك أي تجسدك لتعيش بهذه الحياة بفرح اختيارك وصعوباتها أيضاً فلا يضيع منك العمر وأنت تركض وراء حلم خلف الشمس أو القمر.
طفولتك ومراهقتك وشبابك |
قراراك اليوم |
حياتك غداً |