عندما يتكلّم الإرشاد الرسولي “أعطيكم رعاة” عن البعد الإنسانيّ في تنشئة الكهنة، يؤكّد بوضوح: “بدون التنشئة الإنسانيّة اللائقة، تفقد التنشئة الكهنوتيّة أساسها الجوهري”. تُعبّر الرسالة عن إحدى المعطيات الأساسيّة التي يسندها المنطق، وتؤكّدها الخبرة اليوميّة، بل تعتبر التنشئة الإنسانيّة مطلب عميق وضروري في حياة الكاهن وخدمته .
إن الكاهن مدعو ليكون صورة حيّة ليسوع المسيح الرأس، وراعي الكنيسة. لذلك يجب على الكاهن أن يسعى ليمثّل بقدر الإمكان هذا الكمال الإنسانيّ الذي يتجلّى في شخص ابن الله، الذي صار بشرًا. يظهر هذا الكمال بفاعلية خاصّة خلال مواقف الكاهن تجاه الآخرين. في علاقة الكاهن مع شعبه، عليه أن يكوّن شخصيته الإنسانيّة ليصبح جسرًا وليس حاجزًا، حتى يلتقي الشعب بالمسيح فادي الإنسان. وهكذا تصبح خدمته أكثر مصداقية وأصالة. إن التنشئة على الحياة الجماعيّة لها أهمية قصوى، وهي عنصر جوهري في تنشئة الذين دعاهم الله ليكونوا مسئولين عن جماعات، إنهم رجال الشركة، وأعضاء الجماعة الكهنوتية الإيبارشية، وما يوحّد بينهم هو الأخوّة الأسرارية الكهنوتيّة.
يجب على الإكليريكيين أن يكتسبوا مجموعة من الصفات الإنسانيّة الأساسيّة لتكوين شخصية متوازنة ومتينة، وحرّة قادرة على تحمّل عبء المسؤوليات الرعويّة. وهذا ليس من أجل أن يصلوا إلى نضوج أو انشراح قلب فقط، ولكن أيضًا في سبيل الخدمة ذاتها وعلاقاتهم مع الآخرين. ونعطي أهمية لهذه المسألة لسببين:
1- وراء المشاكل العديدة التي نواجهها في تنشئة الإكليريكيين، أو في أزمات الكهنة نجد مشاكل تتعلّق بالتنشئة الإنسانيّة كتصرّفات طفولية وعدم نضوج عاطفي وخلل في توظيف الطاقة الجنسيّة.
2- بالإضافة إلى مشاكل الهوية، هناك أشخاص يميلون للصراعات، وأشخاص يسببون الصراعات عاجزين عن السيطرة على حريتهم، مع نقص كبير في الصفات الإنسانيّة الضرورية للخدمة الكهنوتيّة.
وعليه، يجب التركيز على تغيير التوجه العام للشخص: من القلب الحجر إلى القلب من لحم، وقلب قادر على التمييز والحب والمسامحة والرحمة على مثال قلب يسوع الاقدس، ويسوع الشاب الذي “كان ينمو في الحكمة والقامة والنعمة عند الله والناس” (لوقا 52:2).