الأحد الثاني للصوم

الأسبوع الثاني من الزمن الأربعيني

“إنَ المخلص بعد أن أوصى تلاميذه وجميع المؤمنين بأن لا بد لكل منهم أن يحمل كل يوم صليبه ويتبعه، أراد أن يريهم لمحة من المجد المعد لحاملي ذلك الصليب”. هذا ما قاله القديس توما الاكويني في شأن حدث التجلي.

نقف اليوم أمام هذا الحدث العظيم، أمام لوحة ثالوثية بإمتياز فالآب يخاطب والابن يتجلى والروح يظلل. ولقد وضع الانجيليَ مرقس هذا الحدث في لب رسالة يسوع في العالم، والتي تبدأ بالفصل 1: 14 يسوع يعلن بشارة الله بالجليل. وتنتهي بوصية يسوع وهي السَّهر الفصل 13: 37.

فما معنى التجلي؟؟ ولماذا حدثُ التجلي حدثٌ مهم؟؟ ولماذا تضع الكنيسة بين أيدينا حدث التجلي في الأسبوع الثاني من الزمن الأربعيني؟؟ وماذا يعني لنا اليوم حدث التجلي؟؟

ما معنى التجلي؟؟

التجلي هو حضور الله الحيّ الأمين في وسط شعبه. بكامل المجد والعظمة والذي هو علامة على محبة الله للشعب. كما نراه في سفر الخروج مع شعب اسرائيل.

والتجلي أيضا هو البرهان على عمل الله في حياة خاصته فظهور انسان تربطه علاقة وثيقة بالله بمظهر القداسة والنعمة هو صورة لتجلي الله في حياة هذا الانسان الذي هو صورة وانعكاس لحضور الله في العالم. وهذا ما نراه مع اسطفانس في المجلس. أعمال الرسل الفصل 8:6.

لماذا حدث التجلي حدث مهم؟؟

وبعد ستة أيام أي في اليوم السابع ذلك اليوم الذي باركه الله وقدّسه. سفر التكوين الفصل 2: 3.  ذلك اليوم الذي رأى الله فيه أنَّ كلَّ شيء حسن جدا. وكَأَنَّ حدث التجلي يعيدنا إلى صورة الانسان الذي خُلِقَ بأبهى صورة على صورة الله ومثاله. فنرى في وجه يسوع الذي يتجلى على جبل طابور وجه الانسان الأوّل قبل الخطيئة والعصيان بكامل نقاوته الانسانية. وبهذا تذكيرٌ لكل انسان بأننا مدعوون جميعا إلى العودة لتلك الصورة التي شَوَّهتها الخطيئة من خلال مقاومتنا للشر وعمل مشيئة الله الخالق في حياتنا.

وترأى لهم ايليا مع موسى. ما زال الله يُبرهن لنا من جديد أنَّ علاقته بالانسان ما زالت قائمة وما زالت لهفته وشوقه للانسان قائمان رغم خيانة ورفض الانسان، فمنذ الانسان الأول والله يُكلِّم ويُخاطب قلب البشر بشتى الطرق والوسائل عن طريق الأنبياء والشريعة والوعود، وها هو اليوم بهذا الحدث يُخاطبنا بابنه الوحيد، ويكشف لنا عن ذاته من خلال يسوع المسيح الذي هو كمال الشريعة لا بل الشريعة المتجسد وتحقيق كل وعود الانبياء، الذي سوف يقطع لنا عهدا جديدا أبديا بالدم الذي سيُسفَكُ على الصليب.

يأتي التجلي تأكيدا وتأييدا لكل عمل وكل قول صدر من يسوع المسيح، فهذا الذي نظنه فاقد الرشد وبه مَسُّ من الشيطان اليوم نراه قوياًّ وممجدا وبذلك نعرف أن كل ما يقوم به على هذه الأرض من عمل أو قول ليس إلاَّ عمل وقول الله الخالق والمخلِّص. إنّ الاعمال التي أعملها ليست أعمالي.يوحنا الفصل 14: 10.

حدث التجلي هو صورة لملكوت الله الذي بدأ على هذه الأرض والذي سيصل الى تمامه وكماله في اليوم الأخير فرجاؤنا بالقيامة وبرؤية وجه الله والعيش في حضرته أصبح اليوم وبهذا الحدث جزء من تاريخ البشر وبالأمر المستطاع فرجاؤنا لن يذهب هباءً.

لماذا تضع الكنيسة بين أيدينا حدث التجلي في الأسبوع الثاني من الزمن الأربعني؟؟

تريد الكنيسة أن تعلِّمَنا أنَّ مسيرة الزمن الأربعيني والتي بدأناها يوم أربعاء الرماد  أي قبل أسبوع، مسيرة صعود. وكل مسيرة لا بد أن تكون محفوفة بالصِّعاب والعَقبات وخصوصاً في بدايتها. ولكن كل هذه الصعاب والعقبات التي سنواجهها في مسيرة صعودنا هذا الجبل الأربعيني تؤول بنا الى لبس الانسان الجديد، الذي يتكلل بالقداسة والمجد، وهذا هو معنى صومنا الحقيقي والزمن الأربعيني، أن نسمع صوت الآب يُخاطبنا ويقول لنا أنت ابني الحبيب.

تؤكد لنا الكنيسة أننا في صعودنا الجبل الاربعيني هذا أننا لسنا وحيدين بل هناك مَن يُرافقنا فيسوع نفسه الذي رافق بطرس ويعقوب ويوحنا في صعودهم جبل طابور يرافقنا اليوم في مسيرنا بالصعود وللوصول لقمة هذا الجبل ولن يتركنا أبدا. فبالضعف تكمل وتظهر قوة الله وتأتي لنجدتنا. 2قو 12: 9

في مسيرتنا نحو قمة الجبل الأربعيني نصعد معا كإخوة، نصعد معا كما صعد بطرس ويعقوب ويوحنا معا كإخوة، فدعوتُنا بهذا الزمن المقدس أن نكون العون والسند لإخوتِنا السائرين معنا على هذا الجبل لنصل جميعا ككنيسة واحدة وأبناء أبٍ واحد نحو كمال دعوتنا وهي أن نلبس الانسان الجديد. وهذه هي الصدقة التي يُريدُها الله منا في هذا الزمن الأربعيني.

صعودنا لهذا الجبل الأربعيني مُرادُه لقاء الله والعيش في حضرته، لأنه هو وحده مانح كل نعمة وقداسة لنستطيع أن نكمل مسيرنا على هذه الأرض. وما الصلاة التي تحثنا عليها الكنيسة إلاَّ ذلك اللِّقاء الحميم بالله والجالبة لكل نعمة وبركة لتخلق فينا الانسان الجديد الآن وهنا.

ماذا يعني لنا حدث التجلي اليوم؟؟

لم نرى يسوع رغم ما عاناه من رفض وألم ونُكران، يرفض أن يظهر بأبهى صورة من المجد وأن يكون الشاهد الأمين لعمل الله في العالم، فما الذي يمنعنا من أن نكون بأبهى صورة ونعكس حضور الله في عالم اليوم؟؟

فحسنٌ أن نكون هنا، كشهود يتجلى من خلالنا حضور الله وتتجلى من خلال أعمالنا أعمال الله، المحبة والسلام والصفح والإِخاء، حسنٌ أن نكون هنا ليتجلى كل هذا في شرقنا الجريح حيث تسود فيه البغضاء والحروب والدماء، فحسنٌ أن نكون نحن مصدر أمل ورجاء لكل مَن نلتقي به ويلتقي بنا وننشر عبير المسيح في العالم ويتحقق ملكوت الله الآن وهنا من خلالنا.

حَسَنٌ أن نكون هنا في هذه الأرض المقدسة، الانجيل الخامس لنتعرف ونعيش مع يسوع المسيح عن قُرب، فنسير على خُطاه في هذه الأرض التي أحبَّها فولِدَ وعاشَ وتألمَ وماتَ فيها. وقامَ وصَعِدَ وأنطلقت النّواة الأولى للكنيسة منها. أفلا تستحق منا أن نحبَّها ونحافظ عليها وعلى كل ما وجد فيها؟؟

حسنٌ ان نكون هنا في معهدنا لنكون عوناً وسنداً لبعضنا البعض نحن الذين كرسوا حياتهم لخدمة الله والإِخوَة، فحسنٌ أن نكون هنا لنتحضر بأحسنِ ما يُمكن ونتسلَّح بالإيمان والمحبة وبكل ما يُعطى لنا في طريق تنشئتنا لكي نستطيع أن نقوم برسالتنا على أكمل وجه، فمَن أُعطيَ الكثير يُطلَب منه الأكثر. لوقا الفصل 12: 48.

فما أَتمناهُ لنا جميعاً في مسيرةِ صُعودِنا هذه أَن نَكتَشِفَ أَكثرَ فَأَكثر مَحبة الله لنا، وأَنّ تَتَجلى هذه المَحبة مِن خِلالِنا لِلعالمَ ِأَجمع فَنكونَ خَير شُهودٍ لِحُب الله وَرحمَته. بِشفاعَةِ أُمِنا مَريمَ العَذراء آمين.

الإكليريكي خالد قموه

Facebook
WhatsApp
Email