الأحد الثامن من زمن السنة “أ”

iStock_000005012679XSmall

الأحد الثامن من زمن السنة “أ”

سلام المسيح يكون معكم جميعا:

إخوتي الأحباء في الأحدِ السابعِ من زمنِ السنةِ يحثُّنا الإنجيلُ على أن نكونَ كاملين كما ابونا السماويُّ كامل، وأن نسعى إلى الكمالِ وأن نختارَ الكمالَ وأن نزدريَ الشَّرَ وأن نحبَّ الآخرَ حتى الذَّ أعدائِنا.

وفي إنجيلِ هذا الأحدِ هنالكَ طَريقان وخياران وعلى كل واحدٍ منا أن يختارَ ما هو الأفضلُ والأسمى والأكمل. وعلى مَن سوف يكون اتكالي وما الجدرانُ والجسورُ التي امامي لتمنَعني لأصلَ لهذا الكمالِ وهذا الإختيارِ الجذريِّ في حياتي. أترى الله أم المال أم الإثنين معا هم المعوقات والجدران؟.

هذا القبطان هو أبي:

منذُ أكثرَ من سبعينَ سنةً غَرقتْ السفينةُ العظيمةُ تيتانيك، هل تعرفونَ لماذا غَرِقت؟ لأنَّ الذين صَمّموها قاموا بتصميمِها على أحدثِ طرازٍ وقامَ بذلكَ أبرع مهندسي العالم، ولشدةِ ثقتِهم في تينانيك وبأنها لن تغرقَ لم يضعوا على السفينةِ قواربَ نجاةٍ تكفي عددَ المسافرين عليها ويا لها من مفاجأةٍ غرقت تيتانيك.

وبعد مرورِ مدةٍ وجيزةٍ من حادثةِ تيتانيك التي أفزعتْ الناسَ كانَ هناكَ سفينةٌ مبحرةٌ إلى أوروبا وقد أصابَ المسافرينَ عليها الهلعَ والفزعَ بسببِ حادثِ تيتانيك وفعلاً هبتْ عاصفةٌ مدمِرة، فطلبَ القبطانُ من المسافرينَ بأن يتجمعوا في وسطِ السفينة، ولكن شاعَت بين الركاب إشاعةً بأن قواربَ النجاةِ لا تكفي وأنّ القبطانَ وطاقَمَ السفينةِ سيأخذون العددَ المحدودَ هذا من القوارب وينجون بأنفسهم ويُهلك الباقين، فانهار ركابُ السفينة وسادَ الذعرُ عقولَ الناس، وفي وسطِ هذا الخوفِ والفوضى هنالِكَ طفلٌ صغير يهدئ من روعِهم وخوفِهم ويقولُ لهم: “لا تخافوا لن يهربَ القبطانُ ويتركنا”. فسألوهُ من أين لكَ بهذهِ الثقة في القبطان، فقال لهم: “هذا القبطانُ هو ابي وأنا إبنهُ معكم على ظهرِ السفينةِ، ولا أظنُّ انهُ سيتركني اهلُكَ وينجو بحياتهِ”.

غريبةً يا اخوتي محبةُ الطفلِ لوالدهِ لأنهُ في وقتٍ كهذا ممكن أن ينسى المرءُ نفسهُ وكلَّ من معهُ حتى أعزَّ شخصٍ ولكن هنا العكس تماما بسببِ معرفةِ الابنِ لابيهِ وثقتِهِ الكبيرةِ بهِ ومحبتِهِ له جعلتهُ واثقاً وغيرَ خائفٍ بأنَّ اباه لن يتركهُ ابدا. إذا هذا حالُ الابِ الارضي فكمْ بالأحرى هو حالُ الابِ السماويِّ يا اخوتي الذي يقولُ لي ولكم: قبل أن اصوركَ في البطنِ عرفتُكَ، ولو نسيَكَ كلُّ انسانٍ أنا لا أنساكَ، وشعرُ روؤسِكم معدودةٌ. وغير ذلك بل يقولُ لنا في إنجيل اليوم لا تهتموا لأمر الغد  ماذا نأكلُ وماذا نشربُ وماذا نلبسُ فالغدُ يهتمُ بنفسهِ. بل أُنظروا إلى الاب السماوي الذي هو أعظمُ من القبطان الذي عليه فقط مسؤولية من على السفينةِ بل هو لن يتخلى عني وعنك ابداً ولن يتخلى عن قيادةِ سفينةِ حياتِنا وخاصةً في الظروفِ الصعبةِ بل سيقودُنا الى بَرَّ الامان، أنا هو الراعي الصالح. والراعي الصالحُ يبذلُ نفسهُ في سبيلِ الخراف في سبيلِ أحبائه وأبنائه.

ما الذي يجعلُني أثقُ بالله؟ هو الإيمانُ، إذا كان عندي الإيمان استطيعُ كلَّ شيء دون خوفٍ ولا ريب. لأن خبرة الإيمانِ في تاريخ الخلاص وفي حياةِ الكنيسةِ الاولى كلِّها تعتمدُ على الإيمان بيسوعَ المسيح المصلوبِ القائمِ من الموت الذي غيرَ وجه التاريخِ بأسرهِ، وما زالت خبرةُ الايمانِ تتجدَّدُ اليومَ فيّ وفيكُم عندما تنشَّقنا أولَ نفسً في هذهِ الحياةِ الدُّنيا، يا أحبائي فإنَّ الإيمانَ يعملُ العجائبَ اذا وضعنا كلَّ ثقتِنا وخوفِنا بين يدي الله تعالى. أما إذا ابتعدنا عنهُ سوفَ ننزلقُ ونغرقُ في مُتع الدّنيا كالمالِ مثلاً أن نحبهُ ونجعلهُ ايماننا وحياتنا ومستقبلنا كالقصّة التي تقول: ازدهرَ عملُ رجلٍ ووصلَ اخيراً الى الرتبةِ التي كان يتوقُ اليها. فقد اصبحَ مديرُ مبيعاتٍ في شركةِ ادويةٍ عالميةٍ. كان يقضي ساعاتَ طويلةً في العمل، وحتى في البيت كان يمضي الكثيرَ من الوقت في العمل ليروجَ منتوجات الشركة. وكان لهذا الرجلِ ابنٌ في العاشرةِ من عمره، وكانَ الصبيُ يحبُ اباه جداً وينتظرُ عودتهُ بفارغِ الصّبرِ كي يلعبَ معهُ ويحدثهُ. ولكن مع تزايد العملِ عند الأب لم يجد لابنهِ وقتاً كافياً في حياته. (وغالبا ما مرت ايامٌ عديدةٌ دونَ أن يجلسَ مع ابنهِ ليحدّثهُ، بسببِ انهماكهِ في العمل ومسؤولياتٍ كثيرة).

وذاتَ يومٍ اتى اليه ابنهُ قائلا: “بابا اشتقتُ أن أراكَ وأُحدّثكَ، أليسَ عندكَ ساعةٌ من الوقت نقضيها سوياً؟ “أجاب الاب: “يا بنيَّ أنتَ تعلم إني أحبُّكَ، ولكنَّ وقتي ثمينٌ جدا. إنَّ كلَّ ساعةِ عملٍ تُكسبني مائةَ دولاراً، فأرجوكَ أُتركني أعمل”. فذهب الصبيُّ حزيناً. وبعدَ بضعةِ أسابيع دخلَ الابنُ مكتب والده مرة أُخرى وقال: “بابا إني بحاجةٍ إلى أربعةِ دولاراتٍ، فهل تُعطيني إيَّاها من فضلك؟ “أجاب الاب:”ألم أعطكَ مصروفكَ الأسبوعي البارحة؟” قال الولد: “أرجوكَ يا ابي. أربعةُ دولاراتٍ فقط ولن أطلبَ غيرها”. تنهدَ الابُ وأعطى إبنهُ النقود ثم عاد ليتابع عملهُ. وبعد دقائق، دخل الابنُ مرةً أخرى. نظرَ اليه والدهُ بغضبٍ وقال: “ماذا الآن؟ ألم أعطِكَ ما طلبتهُ؟” ولمفاجأتهِ الشديدة، رأى إبنهُ يمدُ يدهُ اليهِ وبداخلها حزمةٌ من المال. فقال له أبوه: من أين لك كلُّ هذا؟ أجاب الصبي: “يا ابي بدأتُ أجمعَها منذُ أسابيعَ طويلةٍ، وها هي الآن مائةُ دولار. فهل لي أن أشتريَ ساعةً من وقتكَ؟”.

من حقِّ كل ابِ اسرةٍ أو رجل أن يؤمنَ كلَّ مستلزماتِ الحياة من طعامٍ وشرابٍ وملبسٍ وبيتٍ والخ. إن الهدفَ الاساسي من المال لا أن يستعبِدَنا ويبعِدَنا عن كلِّ مِن حولنا فالمال هو وسيلةٌ للعيشِ وليسَ التشبثُ بها إلى اقصى درجاتٍ كما رأينا في القصة الاب الذي انهمك في العمل وابتعد عن الأساس والمفاجأةُ هنا إن الابن لم ينس الاساس بل بقيَ مصراً بانهُ يحبُّ اباه ويريدُ ان يأخذَ فقط ساعةً من وقتهِ. كم مرةً في حياتنا اليومية في المعهدِ في البيتِ في العطلةِ ننسى الاساسَ ونذهبَ وراءَ السهلِ والبسيط وملذات الحياة (المال) ويجعلُ مني انانياً لا افكرُ باحدٍ حتى اعز الناس على قلبي.

فإني بالقصةِ قد تخيلتُ أنَّ الطفلَ هو اللهُ، الله الذي يبقى يقرعُ بابي وبابكَ ويريدُكَ ان تفتحَ له، الله الذي يبقى مصراً على الحبِ الاولِ الذي ليسَ من السهلِ نزعُهُ من جذورِهِ والذي يريدُ أن يشتريَ منكَ الوقتَ ولكن ليس بالمال بل بالمحبةِ والايمان والتضحيةِ والرجاءِ والثقةِ لهذا يكررُ قولهُ ويقول لي ولك لا تهتمَّ بامرِ الغد بل الى امرِ اليوم واطلب ملكوتَ الله والباقي يُزادُ لكم، لا تخف لن انساكَ ابداً حتى لو انَّك نسيتَني فها انا انتظرُك.

اسمحو لي يا اخوتي ان اقدم لكم نصيحتين انطلاقا من انجيل اليوم:

1)    الانجيل لا يطلبُ منّا ان نبقى نياماً في غُرفِنا وفي حياتنا ولا نعملُ شيئاً ونقول بأننا متّكلون على نعمة الله بل أن نجتهد كالزارع النشط في العمل بمشيئة الله ونشرها.

2)    لا يمكنُ للمال أن يشتري كلَّ شيء، فأنتَ تشتري بالمال: اللذة لا الحبَّ، المنظرَ الخارجيَ لا الفرح الداخلي، عبداً لا صديقاً، مسكناً لا بيتاً، دواءً لا صحةً، مهدئاتٍ لا سلاماً، غفراناً لا صفحاً،  الحربَ لا السلام، الارضَ لا السماءَ. فهيّا بنا يا اخوتي ونسارعُ ونشتري كلَّ ما هو خيٌر واسمى لمجد الله الاعظم.

الإكليريكي سالم لولص

 

Facebook
WhatsApp
Email