كلمة الرئيسة العامة لرهبانية الوردية المقدّسة، الأخت إنييس اليعقوب
في استقبال المعهد الإكليريكيّ لذخائر كل من القديستين ماري ألفونسين ومريم ليسوع المصلوب
حضرة الأب الدكتور جمال دعيبس، رئيس المعهد الاكليريكي جزيل الاحترام
حضرة المنسيور الأب رفيق خوري جزيل الاحترام،
الآباء الأجلاء
طلاب المعهد المحترمين،
شكرًا لله أبينا على نعمة وجودنا اليوم سوية لنعيش معه لقاءً روحيًا، فيه تجمعنا أبوّتُه ومحبته ورحمته السماوية،
شكرًا لقديستيْنا ماري الفونسين ومريم يسوع المصلوب، اللتيْن جمعتانا اليوم على الصلاة والمحبة،
شكر وتقدير ومحبة لكم جميعًا على هذا اليوم المميّز الذي تمنّيناه منذ وقت.
أنتم ونحن عائلة واحدة، تأسَّست بطلب سماوي من أمنا العذراء سيدة الوردية التي احتفلنا بعيدها منذ أسبوع، ونعيش شهرًا مخصصًا لتكريمها وللتعرّف على ارتباط صلاة الوردية بحياة هذيْن الشخصين المميّزين، الأب يوسف طنوس، إبن البطريركية اللاتينية بامتياز والقديسة ماري ألفونسين اللذين أحبّاها كثيرًا ونشرا تكريمها بين الرعايا. فكانت المكافأة منها لهما، “تأسيس رهبنة الوردية والرابط الابوي والاخوي بينهما”. نعم نحن عائلة واحدة روحية ونموذج لأي عائلة بشرية، لها أب وأم وأبناء:
الوالد الأب يوسف طنوس يمين من الناصرة . الام ماري الفونسين غطاس من القدس.
الابناء هم جميع رعايانا الذين ينتظرون منّا المحبة والرحمة والاحترام والرعاية الدينية والتربوية والصحية والقدوة في القداسة… وعائلتنا هذه، تميَّزت أنها ابنة الارض المقدَّسة بِدأ من الناصرة إلى بيت لحم إلى القدس. جمعت المسيحية كلَّها، ارتبطت بحياة الميسح كاملة اي بمسيرة الخلاص. من هنا مسؤوليتنا كبيرة، وكأني بالرسول يوحنا في رسالته الأولى يقول لنا “نحن الذين رأيناه وسمعناه نخبركم به.”
ما يجمع العائلة الواحدة البشرية، الاحترام والمحبة والتعاون وتقدير عمل كل شخص في البيت الواحد .
الأب المؤسِّس، كان الأب الروحي والانساني والمرشد والطبيب، بحيث كان يهتم بكل الامور حتى الدقيقة منها: بصحة الراهبات، إذ كان يداويهنَّ حين يعلم أن راهبة مريضة، للاخت سيسيل في بيت ساحور يقول: “في رسالته لها رقم 188. وللأخت روزا في يافا الناصرة رقم الرسالة 60 “غمّني انحراف صحتك ومرض الاخت فليومين. ولكن ما لنا إلا التسليم للمشيئة الالهية فليكن اسم الرب مباركا “. و كان شديد التركيز على الحياة الروحية وحفظ القوانين والالتزام بها، بحيث يقول في رسالتة رقم 100 للاخت رجينا: “وصيتي أن تنتبهوا على حفظ القوانين والفرائض وتتقنوا تتميم واجباتكم“، وإعطاء أهمية كبرى لسر الافخارستيا والصلاة العقلية وصلاة المسبحة. عندما تكون الرهبنة في حاجة وشدّة من أي نوع. كان يفرض على الرهبنة أن تشترك في ساعة معيَّنة لتصلي السبحة الوردية كاملة. أمًا الراهبات المتواجدات في أماكن مقدّسة مثل بيت لحم، القدس، الناصرة، عين كارم، كان يفرض عليهن زيارة هذه الاماكن للصلاة والبركة وطلب الشفاعة. بمعنى أن روحانيته مستمدّة من الارض المقدسة وكان عنده الايمان القوي بقدسيّة وأهمية الاماكن المقدسة ويريد أن يبثّها في قلب الراهبات وقلب المؤمنين.
نحن وأنتم موسومون بروحانية وقدسية مميّزة، يجب أن يُكتب على جبيننا: “صُنع في الارض المقدسة”. عندما نبحت عن الجودة في شراء اي شيء، مباشرة نسأل عن المنشأ للصناعة….
ما يجمع العائلة الروحية، هو الهمّ الروحي، خدمة الكلمة وبثّ الوعي الديني السليم وعدم التركيز على المظاهر الخارجية، بحيث يكتب المؤسِّس في رسالته إلى الاخت رجينا في السلط: “سرَّنا عمل الخير في السلط وإنشاء الاخويات، ولكن لا نبالغ بالمظاهرات فهذه لا تجدينا نفعاً ولا نكتفي بمظاهر الاخوية، بل يجب أن نعتني في إلقاء العبادة ونشر الإرشاد لأن متى تنوَّرت العقول تضطرم القلوب”. كان يهمّه الايمان القوي المبني على فهم ديني سليم وليس على مظاهر واحتفالات. نعم أحسَّ بألم كبير حين رأى الجهل الديني واستيقظت الغيرة الرسولية عنده وبثّها في قلوب الراهبات بناته بحيث يختم دائما رسائله، أبوكم الخوري يوسف طنوس.
إذا نظرنا إلى الماضي الذي يجمعنا بآبائنا وأمّهاتنا “الكهنة والراهبات”، إلى هؤلاء الروّاد كما يقول عنهم الاب رفيق خوري في كتابه “قديسو بلادنا” رقم 15 ص 60 ، الذين قاموا بثورة حقيقة في المجال الراعوي، أقول كانت المحبة تجمعهم والهمّ الواحد هدفهم. كانوا يعملون بروح محبة المسيح التي كانت تُلهب قلوبهم، بروح نبوية، بروح التضحية، وليس بالروح الفردية والتسلطية والتنافسية. لذا علينا نحن وانتم خاصة الجيل الشاب منا ومنكم، أن نعيد للماضي رونقه، لا بل بروح أقوى، ونقرأ ما كتبوا لنتعلَّم من آبائنا وأمهاتنا الذين استجابوا لواقع زمانهم بروح الله والغيرة الرسولية والاندفاع الرعوي، كيف يكون شغفنا بالمسيح والعذراء أمه فوق كل شيء، وكيف لا نخاف من بعضنا ولا نكون منافسين لبعضنا البعض. بل نحن شركاء في العمل الراعوي، هدفنا واحد وهمّنا واحد. الام ماري الفونسين كانت فرحة بعملها الراعوي، وبالنسبة لها، كان همّها مجد الله، وامتداد ملكوته ونشر عبادة الوردية. كانت تعيش حياتها اليومية على ايقاع الحوار مع الله ” صار عقلي وقلبي متعلق بالصلاة العقلية واللفظية”. من هذا المنطلق كانت تنطلق الى الرسالة وأيضًا المؤسِّس . هذه هي حياتنا، كلّما كنا منفتحين على الله ونعمه ونقبل بعضنا البعض، يكون العمل الرعوي مبعثَ فرحٍ وسعادة ونجاح حتى ولو كنا في أماكن بعيدة وفقيرة ومختلفين في الرأي ، كما يقول المؤسِّس والقديسة ماري ألفونسين “ما أحلى عيشة الفقر بالقرب من عائلة الناصرة الفقيرة”.
لذا إذا وُضعت ذخيرة القديسة ماري ألفونسين في المعهد الاكليريكي هذا يعني الكثير، تذكِّرنا أولا اننا عائلة واحدة، اجتمعنا من أجل “الكلمة ” يوحنا 1/1 “في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله”. وثانيا، من أجل الفرح بخدمتنا والبحث الدائم المستمر لعيش القداسة بأي طريقة كانت، لأن ذخائر القديسين مثال لنا في الصبر والتحمل والصلاة . نحن ورثة قديسين ولا يجوز أن ينقطع هذا الارث.
أيتها القديسة ماري الفونسين علِّمينا أن نحب الله والعذراء كما أحببتهم انت ..
وشكرا مرة أخرى…