القديس يوحنا بوسكو
ولد يوحنا بوسكو سنة 1815، وتوفي في تورينو في 31 كانون الثاني 1888 وشهد في سنوات حياته الثلاث والسبعين تقريبا تحولات سياسية، اجتماعية وثقافية عميقة ومتشعبة، من حركات ثورية إلى حروب وهجرة سكان الأرياف نحو المدن.
وتعرّض الفقراء، الذين تجمعوا في ضواحي المدن، عموما، والشبان منهم خصوصا إلى أنواع الاستغلال كافة وباتوا ضحايا البطالة ولم يتسنى لهم من يعتني بهم، في فترة نموهم الإنساني، الأخلاقي، الديني والمهني. ومن هنا بدأ دون بوسكو في تورينو بإرشادات مسيحية واضحة واتّخذ مبادرات جريئة فانتشرت أعماله واتسعت سريعا.
وقد أحسّ دون بوسكو في كل ما فعله أنه مدعو من الرب، الذي رعى أعماله وأخذ بيده مع العذراء مريم في تحقيق مهمته وتقديرا لتجاوبه مع تلك الدعوة، اقترحته الكنيسة نموذجاً للقداسة فأعلنه قداسة البابا الخالد الذكر بيوس الحادي عشر في عيد الفصح سنة 1934 قديسا.
لُقِّب القديس يوحنا بوسكو بأمير التربية عندما أُعلِنَ قديسا تقديرا لجهوده البناءة في هذا المجال، وإعجابا بأسلوبه التربوي المبني على (العقل والدين والمودة). إضافة إلى تجهيزه الشبّان بالعلم والثقافة والخبرة المهنية والتقنية.
إن قداسة البابا يوحنا بولس الثاني دعا المربين جميعاً لممارسة رسالتهم التربوية والوقوف إلى جانب الشّبان ومتابعتهم ودعمهم بروح المسؤولية والابتكار، فيكون هذا القديس مثالا يُحتذى به وأمثولة نتعلّم منها كيف نبتكر المبادرات الملائمة ونتّخذ الخطوات الجريئة التي تخلق الإنسان الجديد، المُفعم بروحانية المسيح المعلم والإله، المتجدد بالروح القدس.من أشهر جمل القديس يوحنا بوسكو هي ” لقد عاهدت الله أن أقدّم حياتي حتى الرمق الأخير في سبيل شبيبتي المعوزين”. وهكذا أصبحت دينامية حبه شمولية فدفعته للتجاوب مع نداء الأمم البعيدة وبعث بالإرساليات إلى ما وراء المحيطات.
وانشغل دون بوسكو بتجهيز النشء الجديد بالكفايات المهنية والتقنية الملائمة، وتشهد على ذلك المدارس الفنية والمهنية والمحترفات التي يديرها بكفاية الأخوة المساعدون السالزيان. والقديس دون بوسكو كان دائما يردّد أنّ التربية هي عمل القلب وأنه يجب إدخال الله إلى قلوب الشبيبة ليس فقط من باب الكنيسة بل من باب المدرسة والمصنع أيضاً.
من رسائل القديس يوحنا بوسكو الكاهن
أحببتهم دائماً
إن أردنا أن نهتمَّ بالسعادة الحقيقية لطلاّبنا، وأن نعلّمهم كيف يقومون بواجباتهم، يجب ألا ننسى أننا نقوم لديهم مقام والديهم الأحبّاء. ومن أجلهم سعَيْتُ دائماً بكل محبّة، ودرستُ وخدمتهم كاهناً، أنا بل والرهبنة السالسية كلّها. كم حاولت أن أُقنِعَ نفسي بهذه الحقيقة الكبرى إبانَ حياتي الطويلة. الغضبُ أسهلُ من الصبر، وتهديدُ الشابِّ اسهلُ من إقناعه، بل وإنّه لأسهل علينا في قلّة صبرنا وكبريائنا أن نفرض العقاب على المشاكسين من أن نعمل معهم على إصلاحهم، ونصبر عليهم بشدّة وحلم معاً.
أُوصيكم بأن تكون لكم مثل محبة القديس بولس التي أحبّ بها المعمدين جديداً، والتي كانت تؤدِّي به مراراً إلى التوسُّلات والدموع، حين كانوا يقاومونه أو يرفضون محبته.
احذروا من أن يحكم عليكم أحد بأنّكم سريعو الغضب والاحتداد. من الصعب أن يحافظ المرءُ على هدوء النفس حين يفرضُ العقابَ. وهو أمرٌ ضروريٌّ لكي لا يتبادر إلى الذهن أننا نفرضُ العقابَ لنُظهرَ سلطتنا أو حتى لنرويَ غليل غضبنا.
لننظر إليهم كأبناء، وقد أُعطيتْ لنا بعض السلطة عليهم. لنجعلْ من أنفسنا خُدّاماً لهم، على مثال يسوع الذي جاء ليُطيع لا ليتسلّط. لنخجل من طريقتنا في السيطرة. وإذا ما أمرناهم بشيءٍ فليكن ذلك لخدمتهم خدمة أفضل.
هكذا كان يتصرّف يسوع المسيح مع رسله. كانوا جهلة بطيئي الفهم وغير ثابتين على ايمانهم، ومع ذلك كان يصبر عليهم. والخطأة كان يعاملهم بحلم ورأفة وصداقة. فكان البعضُ يُدهَشُ لذلك، والبعضُ يرى في تصرُّفه شكّا ومعثرة، والبعضُ يرى فيه باعثاً على الأمل لطلب المغفرة من الله. ولهذا أوصانا بأن نكون ودعاءَ ومتواضعي القلب.
إنهم أبناؤنا، ولهذا كلّما واجهتنا أخطاؤهم وجب أن نضع جانباً كلَّ غضب وأن نلتزم الهدوء إلى أقصى حدٍّ.
لا نعاملهم وفي نفسنا غضب، أو في نظرنا احتقار أو على فمنا شتيمة. بل لنُعامِلْهم بالرحمة في الحاضر، وبتغذية الأمل في المستقبل، كما يليق بالآباء الحقيقيين الذين يسعَوْن حقاً في الإصلاح والتعديل.
وفي الحالات العسيرة جدّاً، من الأفضل رفع الصلاة إلى الله بتوّسل وتواضع، بدلاً من إطلاق سيل من الكلمات والألفاظ النابية التي تجرحُ نفس السامع، ولا تأتي بأي علاجٍ للمذنب.