التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية المقدسة
المقال الثالث
الطلبات السبع
2803- ان الروح البنوي،بعد ان وضعنا في حضرة الله ابينا لنعبده ونحبه ونباركه،يصعد من قلوبنا سبع طلبات،سبع بركات.الثلاث الاولى وهي اكثر تعلقا بالله،تجذبنا الى مجد الاب.والاربع الاخيرة،وهي بمثابة سبل اليه،تقدم بؤسنا لنعمته.”لجة تنادي لجة”(مز 8:42).
2804- الموجة الاولى تحملنا نحوه ولاجله:”اسمك،ملكوتك،مشيئتك.فمن خصائص الحب التفكير اولا بمن نحب.وفي كل من هذه الطلبات الثلاث،لا نسمي انفسنا،انما تأخذنا “الرغبة الشديدة”،و”القلق”،اللذان لدى الابن الحبيب في سبيل مجد ابيه .” ليتقدس… ليأت…لتكن…”.هذه الابتهالات الثلاثة قد استجيبت في ذبيحة المسيح المخلص.ولكنها توجه،من الان فصاعدا،في الرجاء،نحو اتمامها النهائي،ما دام الله لم يصر بعد كلا في
الكل .
2805- تجري الموجة الثانية من الطلبات في حركة بعض استدعاءات الروح القدس الافخارستية:انها تقدمة ما نترقبه،وهي تسترعي نظر ابي المراحم.انها تصعد منا وتعنينا منذ الان،في هذا العالم: “اعطنا (…) اغفر لنا (…) لا تدخلنا (…) نجنا”.والطلبتان الرابعة والخامسة تعنيان حياتنا في ذاتها،اما لتغذيها واما لشفائها من الخطيئة.والطلبتان الاخيرتان تعنيان جهادنا في سبيل انتصار الحياة،جهاد الصلاة بذاته.
2806- بالطلبات الثلاث الاولى نثبت في الايمان،وقد ملأنا الرجاء واضرمتنا المحبة.
وبما اننا خلائق وخطأة ايضا،فعلينا ان نسأل لانفسنا،هذه “النا” على مقياس العالم والتاريخ،التي نقدمها الى محبة الهنا اللامحدودة.لان ابانا انما يتمم تصميم خلاصه لنا وللعالم كله باسم مسيحه وملك روحه القدوس.
1. “ليتقدس اسمك”
2807- يجب ان لا تفهم كلمة “التقديس” هنا اولا بمعناها السببي (فالله وحده يقدس،يجعل قديسا)،ولكن خصوصا بمعناها التقديري أي الاعتراف به قدوسا،ومعاملته بطريقة مقدسة.وهكذا يفهم هذا الدعاء احيانا في العبادة بمثابة تسبيح وشكر .ولكن يسوع علمنا هذا الطلب بمعنى التمني: سؤال،ورغبة وانتظار يدخل فيها الله والانسان.فمنذ الطلب الاول الى ابينا نغوص في صميم سر الوهته،ومأساة خلاص بشريتنا.فطلبنا اليه ان يتقدس اسمه يدخلنا في “التصميم اللطيف الذي سبق فقصده”(اف 9:1) “لنكون قديسين وبغير امامه في المحبة”(اف 4:1).
2808- في الاوقات الحاسمة من تدبير الله،يكشف هو اسمه،ولكنه يكشفه باتمام عمله.ولا يتحقق هذا العمل لاجلنا وفينا الا اذا قدس اسمه بنا وفينا.
2809- قداسة الله هي مكان سره الابدي الذي لا يدرك.وما يظهر منه بالخلق والتاريخ يسميه الكتاب المجد، اشعاع جلالته .والله عندما صنع الانسان “على صورته كمثاله”(تك 26:1)،كلله بالمجد ،ولكن الانسان بخطيئة قد “اعوزه مجد الله” .ومنذءذ سيظهر الله قداسته بكشف اسمه واعطائه حتى يجدد الانسان “على صورة خالقه”(كو 10:3).
2810- ان الله،بالوعد الذي وعده لابراهيم والقسم المصاحب له ،التزم هو بذاته ولكنه لم يكشف اسمه.وانما بدأ بكشفه لموسى ،واظهره امام عيون الشعب كله بانقاذه من المصريين:”فتعظم بالمجد”(خر 1:15)،ومنذ عهد سيناء،صار هذا الشعب “شعبه”،ووجب عليه ان يكون “امة مقدسة (او مكرسة،فالكلمة هي نفسها بالعبرانية) ،لان اسم الله يسكن فيه.
2811- ولكن الشعب،رغما عن الشريعة المقدسة التي اعطاه اياها الاله القدوس ،وكرر اعطاءها،ورغما عن الصبر الذي تحلى به الرب “لاجل اسمه”،قد اعرض عن قدوس اسرائيل و “دنس اسمه بين الامم” .لذلك اشتعلت بهوى الاسم قلوب الابرار في العهد القديم،والمساكين الذين عادوا من المنفى،والانبياء.
2812- اخيرا كشف لنا بيسوع اسم الله القدوس واعطي في الجسد
كمخلص .كشف بما هو،وبكلامه وبذبيحته .وذلك هو قلب الصلاة الكهنوتية:ايها الاب القدوس،”انا اقدس ذاتي لاجلهم،لكي يكونوا هم ايضا مقدسين بالحق”(يو 19:17).ولان يسوع “يقدس” هو نفسه اسم الاب،”اعلن”لنا اسمه .وفي ختام الفصح اعطاه الله الاسم الذي يفوق كل اسم:يسوع رب لمجد الله الاب .
2813- في ماء المعمودية قد “غسلنا،وقدسنا،وبررنا باسم الرب يسوع المسيح وبروح الهنا”(1 كو 11:6).وفي حياتنا كلها،ابونا “يدعونا الى القداسة”(1 تس 7:4)،وبما اننا “به صرنا في المسيح يسوع الذي صار لنا قداسة”(1 كو 30:1)،فمن مصلحة مجده وحياتنا ان يقدس اسمه فينا وبنا.ذلك هو الامر الملح من الطلب الاول.
“من يستطيع تقديس الله ما دام هو الذي يقدس؟ ولكننا نستوحي هذا الكلام “كونوا قديسين لاني انا قدوس”(اح 44:11)،ونطلب بعد اذ بررنا بالمعمودية،الثبات على ما بدأنا ان نكونه.وهذا نطلبه كل يوم لاننا نزل كل يوم ، وعلينا ان نطهر خطايانا بقداسة تستعاد بلا انقطاع (….).فنحن نلجأ اذن الى الصلاة حتى تبقى فينا هذه القداسة” .
2814- يتعلق تقديس اسمه بين الامم بحياتنا وصلاتنا دون انفصال:
“نطلب الى الله ان يقدس اسمه،لانه بالقداسة يخلص كل الخليقة ويقدسها (….).والمقصود هو الاسم الذي يمنح الخلاص للعالم الهالك.ولكننا نطلب ان يقدس اسم الله هذا فينا بحياتنا. لاننا اذا عشنا عيشة حسنة يبارك الاسم الالهي.ولكن اذا عشنا عيشة سيئة جدف عليه بحسب كلام الرسول: “ان الامم يجدفون على اسم الرب بسببكم”(رو24:2) .فنحن نصلي لنستحق ان يكون في نفوسنا من القداسة بمقدار ما هو اسم الهنا قدوس” .
“عندما نقول:”ليتقدس اسمك”فنحن نطلب ان يقدس فينا،نحن الذين فيه،ولكن ايضا في الاخرين الذين ما زالت نعمة الله تنتظرهم،حتى نتطابق مع الفريضة التي تلزمنا بالصلاة لاجل الجميع،حتى لاجل اعدائنا.لذلك لا نقول بصراحة:ليتقدس اسمك “فينا”،لاننا نطلب ان يكون ذلك في كل الناس” .
2815- هذا الطلب الذي يحوي الكل قد استجيب بصلاة المسيح،كاستة الطلبات الاخرى اللاحقة.ان الصلاة الى ابينا هي صلاتنا اذا صليت في اسم يسوع .
لقد طلب يسوع في صلاته الكهنوتية:”ايها الاب القدوس،احفظ باسمك الذين اعطيتهم لي”(يو 11:17).
2. “ليأت ملكوتك”
2816- في اليونانية يمكن ان تترجم كلمة “فاسيليا” ب “ملكية”(اسم مجرد)،او “مملكة” ام “ملكوت”(اسم حسي)،او “الملك”(مصدر فعل). ملكوت الله سابق لنا.وقد اقترب في الكلمة المتجسد،واعلن في الانجيل كله،واتى في موت المسيح وقيامته.وملكوت الله يأتي منذ العشاء المقدس وفي الافخارستيا،انه في وسطنا.ويأتي الملكوت في المجد عندما يعيده المسيح الى ابيه:
“بالامكان ايضا (…)ان يعني ملكوت الله المسيح بشخصه،هو الذي ندعوه بامانينا كل يوم والذي نبغي ان ندنيمجيئه بانتظارنا.فكما انه قيامتنا،لاننا نقوم فيه،يستطيع ان يكون ملكوت الله ايضا،لاننا فيه سنملك” .
2817- هذا الطلب هو “الماراناثا”،صوت الروح والعروس:”تعال،ايها الرب يسوع”.
“حتى ولو كانت هذه الصلاة لم توجب علينا ان نطلب مجيء ذلك الملكوت،لاطلقنا ذلك الصراخ من تلقاء انفسنا،واسرعنا لمعانقة امالنا.ان نفوس الشهداء تحت المذبح تدعو الله بصراخ عظيم:”حتى متى ايها السيد،لا تقتضي ولا تنتقم لدمنا من سكان الارض؟”(رؤ 10:6).لانه ينبغي ان ينصفوا في اخر الازمنة.ايها الرب اجعل ملكوتك يأتي سربعا” .
2818- في الصلاة الربية،المقصود بوجه رئيس مجيء ملكوت الله النهائي بعودة المسيح .ولكن هذه الرغبة لا تجعل الكنيسة تتغافل عن رسالتها في هذا العالم،بل بالحري تلزمها بها.لان مجيء الملكوت،منذ العنصرة،هو عمل روح الرب “الذي يتابع عمله في العالم ويكمل كل تقديس” .
2819- “ملكوت الله(….)هو عدل وسلام وفرح في الروح القدس”(رو 17:14).والازمنة الاخيرة،التي نحن فيها،هي ازمنة افاضة الروح القدس.ومن ثم يقوم صراع حاسم بين “الجسد” والروح القدس” :
“القلب النقي وحده يستطيع ان يقول باطمئنان:”ليأت ملكوتك”.ويجب ان يكون الانسان من مدرسة بولس ليقول:”لا تملك الخطيئة اذن بعد في جسدكم المائت”
(رو 12:6).ومن حفظ نفسه نقيا في افعاله وافكاره واقواله يستطيع ان يقول لله:”ليأت ملكوتك” .
2820- على المسيحيين ان يدركوا بحسب الروح فيميزوا نمو ملكوت الله من تقدم الثقافة والمجتمع حيث يقومون.وهذا التمييز ليس فصلا.لان دعوة الانسان الى الحياة الابدية لا تلغي بل تشدد واجبه ان يمارس فعليا ما تقبل من الخالق من طاقات ووسائل في سبيل خدمة العدالة والسلام في هذا
العالم .
2821- هذا الطلب محمول ومستجاب في صلاة يسوع الحاضرة والفاعلة في الافخارستيا؛وهو يحمل ثمرة في الحياة الجديدة بحسب التطويبات .
3. “لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الارض”
2822- انها مشيئة ابينا “ان جميع الناس يخلصون ويبلغون الى معرفة الحق”(1 تي 3:2-4).”وهو يطيل اناته،اذ لا يريد ان يهلك احد”
(2 بط 9:3) .ووصيته التي تلخص الباخرى كلها والتي تعبر لنا عن ارادته كلها،هي :ان نحب بعضنا بعضا كما احبنا هو” .
2823- “لقد اعلن لنا على حسب مرضاته سر مشيئة الذي سبق فقصده في نفسه (…)أي ان يجمع كل شيء تحت رأس واحد في المسيح (….).وفيه قد اصطفينا من قبل،بمقتضى قصد من يعمل كل شيء على حسب مرضاته”(اف 11:1-9).اننا نطلب بالحاح ان يتحقق هذا القصد اللطيف على الارض كما تحقق في السماء.
2824- ان مشيئة الاب قد اتمت بكمالها ومرة واحدة نهائيا في المسيح وبارادته البشرية.لقد قال يسوع وهو يدخل العالم:” ها اناذا اتي لاعمل بمشيئتك”(عب 7:10) .يسوع وحده يستطيع ان يقول: “اني افعل دائما ما يرضيه”(يو 29:8).وهو في صلاة نزاعه يرضى تماما بتلك الارادة:”لا تكن مشيئتي بل مشيئتك”(لو 42:22) .لذلك يسوع “بذل نفسه من اجل خطايانا،على حسب مشيئة الله”(غل 4:1).”وبقوة هذه قدسنا نحن بتقدمة جسد يسوع”(عب 10:10).
2825- ويسوع،”مع كونه ابنا،تعلم مما تألمه ان يكون طائعا”(عب 8:5).
فكم بالاحرى نحن الخلائق والخطأة الذين صاروا فيه اولادا بالتبني.اننا نطلب الى ابينا ان يضم ارادتنا الى ارادة ابنه لتتميم مشيئته،أي تصميمه الخلاصي لحياة العالم.نحن عاجزون عن ذلك كل العجز، ولكننا باتحادنا بيسوع،وبقوة روحه القدوس،نستطيع ان نسلمه ارادتنا،وان نقرر اختيار ما اختاره دوما ابنه:ان نفعل ما يرضي الاب :
” بالتصاقنا بالمسيح نستطيع ان نصير معه روحا واحدا،وبذلك ان نتمم ارادته.وهكذا تكون كاملة على الارض كما في السماء” .
“انظروا كيف يعلمنا يسوع المسيح ان نكون متواضعين،اذ يجعلنا نرى ان فضيلتنا لا تتعلق بعملنا وحده وانما بنعمة الله.فهو يأمر هنا كا من يصلي ان يفعل ذلك عموما لاجل الارض كلها.فهو لا يقول: “لتكن مشيئتك” في او فيك،وانما “في الارض كلها”:حتى يقصى عنها الضلال،وتسود فيها الحقيقة،وتدمر فيها الرذيلة،وتعود فتزهر فيها الفضيلة،ولا تكون الارض من بعد مختلفة عن السماء” .
2826- اننا بالصلاة نستطيع ان نميز ما مشيئة الله ونحصل على الثبات حتى نعمل بها .ويسوع يعلمنا ان دخول ملكوت السماوات ليس بالكلام وانما “بان يعمل بارادة ابي الذي في السماوات(متى 21:7).
2827- “من يعمل مشيئة الله فذلك من يستجيب له الله”(يو 31:9) .تلك هي قوة صلاة الكنيسة في اسم ربها،خصوصا في الافخارستيا؛ انها شركة شفاعة مع الكلية القداسة والدة الاله وجميع القديسين الذين “ارضوا” الرب لانهم لم يريدوا سوى مشيئته:
“نستطيع ايضا دون الاساءة الى الحقيقة ان نترجم هذه الكلمات:”لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الارض”بهذه:في الكنيسة كما في الرب يسوع المسيح؛في العروس التي خطبت له،كما في الزوج الذي اتم مشيئة الاب” .
4. “خبزنا كفاف يومنا اعطنا اليوم”
2828- “اعطنا”: جميلة هي ثقة الاولاد الذين ينتظرون كل شيء من ابيهم.”انه يطلع شمسه على الاشرار والصالحين ويمطر على الابرار والاثمة”(متى 45:5).وهو يعطي جميع الاحياء “الطعام في اوانه”
(مز 27:10).يعلمنا يسوع هذا الطلب:انه يمجد ابانا لانه يعترف بانه صالح ابعد من أي صلاح.
2829- “اعطنا” هي ايضا التعبير عن العهد:فنحن له وهو لنا،ولاجلنا.ولكن هذه ال”نا” تعترف به ايضا كأب لجميع الناس،ونحن نصلي اليه لاجلهم جميعا،بالتضامن مع احتياجاتهم والامهم.
2830- “خبزنا”.ان الاب الذي يعطينا الحياة لا يستطيع ان لا يعطينا الغذاء الضروري للحياة،وكل الخيرات “المرافقة”،المادية والروحية.وقد الح يسوع،في العظة على الجبل،على الثقة البنوية التي تتعاون مع عناية ابينا .وهو لا يحملنا على أي تكاسل بل يريد ان يحررنا من كل قلق نستسلم له وكل هم.ذلك هو الاطمئنان البنوي لدى اولاد الله:
“ان الله يعد من يطلبون ملكوته وبره باعطائهم كل شي زيادة.فكل شيء هو لله.ومن له الله لا ينقصه شيء اذا لم يبتعد هو عن الله” .
2831- ولكن حضور من هم جياع لعوزهم الى الخبز يكشف بعدا اخر لهذا الطلب.فمأساة الجوع في العالم تدعو المسيحيين الذين يصلون في الحق الى مسؤولية فعلية عن اخوتهم،سواء كان ذلك في سلوكهم الشخصي او تضامنهم مع الاسرة البشرية.ان هذا الطلب،في الصلاة الربية،لا يمكن عزله عن مثلي لعازر الفقير والدينونة الاخيرة .
2832- على جدة الملكوت ان ترفع الارض بروح المسيح ،كما تفعل الخميرة في العجين.ولا بد ان تظهر باعادة احلال العدالة في العلائق الشخصية والاجتماعية والاقتصادية والدولية،دون ان تنسى ابدا انه لا هيكليات عادلة دون اناس يريدون ان يكونوا عادلين.
2833- المقصود خبز “نا”،”الواحد” لاجل “عدة”.فمسكنه التطويبات هي فضيلة التقاسم:انها تدعو الى المشاركة في الخيرات المادية والروحية وقسمتها لا بالاكراه وانما بالمحبة،حتى تسد فضالة البعض عوز
الاخرين .
2834- “صل واعمل” .”صلوا كما لو كان كل شيء متعلقا بالله واعملوا كما لو كان كل شيء متعلقا بكم” .وعندما نقوم بعملنا يبقى الطعام عطية من ابينا.وحسن ان نطلبه اليه مع الشكر.هذا هو معنى بركة المائدة في الاسرة المسيحية.
2835- يصلح ايضا هذا الطلب والمسؤولية التي يلزم بها لجوع اخر يتضور منه الناس:”ليس بالخبز وحده يحيا الانسان،بل بكل كلمة تخرج من فم الله”(متى 4:4) أي كلمته وروحه.
وعلى المسيحيين ان يجيشوا كل جهودهم “لاعلان الانجيل للمساكين”.هناك جوع على الارض “لا الجوع الى الخبز ولا العطش الى الماء بل الى استماع كلمة الله”(عا 11:8).لذلك فالمعنى المسيحي الخاص لهذا الطلب الرابع يعني خبز الحياة:أي كلمة الله تقبل في الايمان،وجسد المسيح يتناول في الافخارستيا .
2836- كلمة “اليوم” تعبر ايضا عن ثقة.والرب يعلمنا ذلك .وادعاؤنا ما كان بوسعه ان يخترعه.وبما ان الامر يتعلق خصوصا بكلمته وبجسد ابنه،فهذا “اليوم” ليس هو يوم زماننا المائت وحسب:انه يوم الرب.
“اذا كنت تتناول الخبز كل يوم،فكل يوم لك هو اليوم.اذا كان المسيح لك اليوم،فكل يوم يقوم لاجلك.وكيف ذلك؟”انت ابني،انا،اليوم الدك”(مز 7:2).اليوم يعني:عندما يقوم المسيح” .
2837- ” كفافنا” . كلمة ” ابيوسيوس” ليس لها استعمال اخر في العهد الجديد.فاذا اخذناها بمعناها الزمني فهي تكرار على سبيل التربية لكلمة “اليوم” لتثبيتنا في ثقة “بلا تحفظ”.واذا اخذت بمعناها الوضعي،فهي تعني ما هو ضروري للحياة،وبمعنى اوسع كل خير كاف للعيش .واذا اخذت حرفيا (ابييوسيوس: الجوهري جدا)فهي تدل مباشرة على خبز الحياة،جسد المسيح،”دواء الخلود” الذي دونه لا حياة لنا في انفسنا .
واذا وصلناها بما سبق يكون المعنى السماوي واضحا:”هذا اليوم هو يوم الرب،يوم وليمة الملكوت التي تسبقها وتمثلها الافخارستيا،وهي المقدمة لتذوق الملكوت الاتي.لذلك ينبغي ان تقام الليترجيا الافخارستية “كل يوم”.
“الافخارستيا هي خبزنا اليومي.(…)والفاعلية الخاصة بهذا الطعام الالهي هي قوة توحيد:توحدنا مع جسد المخلص وتجعلنا اعضاءه حتى نصير ما نتناوله(…).وهذا الخبز اليومي هو ايضا في القراءات التي تسمعونها كل يوم في الكنيسة،وفي الاناشيد التي يترنمون وتترنمون بها.هذا كله ضروري لزمن عبورنا” .
يحرضنا الاب السماوي على طلب خبز السماء،كأولاد السماء .والمسيح “هو نفسه الخبز الذي زرع في العذراء،واختمر في الجسد،وعجن في الالام،وخبز في اتون القبر،وادخر في الكنيسة،ونقل الى المذابح،فوفر كل يوم للمؤمنين غذاء سماويا” .
5. “اغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن ايضا لمن اساء الينا”
2838- هذا الطلب عجيب.فلو لم يحو سوى الجزء الاول من العبارة- “اغفر لنا ذنوبنا”- لكان موجودا ضمنيا في الطلبات الاولى الثلاث من الصلاة الربية،لان ذبيحة المسيح هي “لمغفرة الخطايا”.ولكن السؤل،بحسب الجزء الثاني من العبارة،لن يستجاب الا اذا لبينا مطلبا.فسؤالنا موجه الى المستقبل،ولا بد ان يسبقه جوابنا.وكلمة تربطهما:”كما”.
” اغفر لنا ذنوبنا”…
2839- بدأنا نصلي الى ابينا بثقة جريئة.وعندما ابتهلنا اليه ان يتقدس اسمه،طلبنا اليه ان يزداد ابدا تقديسنا.ولكن،على كوننا نلبس ثوب المعمودية،فنحن لا نزال نخطأ،ونعرض عن الله.والان،في هذا الطلب الجديد،نعود اليه كالابن الشاطر ،ونعترف باننا خطأة امامه
كالعشار ،فيبدأ طلبنا “باعتراف”،حيث نعترف،في الوقت ذاته،ببؤسنا وبرحمته.ورجاؤنا ثابت،لاننا في ابنه “لنا الفداء،مغفرة الخطايا”
(كو 14:1) .واننا نجد الدلالة الفاعلة والاكيدة على مغفرته في اسرار كنيسته .
2840- ولكن،وهذا امر رهيب،لا يستطيع هذا الدفق من الرحمة من دخول قلوبنا ما لم نغفر لمن اساؤوا الينا.فالمحبة،كجسد المسيح،لا يمكن تقسيمها: لا نستطيع ان نحب الله الذي لا نراه ما لم نحب الاخ والاخت اللذين
نراهما . في رفضنا مسامحة اخوتنا واخواتنا،ينغلق قلبنا،وقساوته تجعله غير قابل لدخول محبة الله الرحيمة.وعندما نعترف بخطيءتنا،ينفتح قلبنا لنعمته.
2841- هذا الطلب هو من الاهمية بحيث هو الوحيد الذي يعود اليه الرب ويتوسع فيه في العظة على الجبل .وهذا المقتضى الخطير لسر العهد مستحيل عند الانسان،ولكن”كل شيء ممكن عند الله”(متى 26:19).
…. “كما نغفر نحن ايضا لمن اساء الينا”
2842- هذا ال “كما” ليس وحيدا في تعليم يسوع:”تكونون كاملين “كما”ان اباكم السماوي كامل”(متى 48:5)؛ “كونوا رحماء “كما ان اباكم رحيم”
(لو 36:6)؛ “اني اعطيكم وصية جديدة:ان يحب بعضكم بعضا “كما” احببتكم انا”(يو 34:13).حفظ وصية الرب مستحيل اذا تعلق الامر بالاقتداء من خارج بالمثال الالهي.فالمقصود هو المشاركة الحيوية الصادرة من “اعماق القلب”،في قداسة الهنا ورحمته ومحبته.ان الروح وحده،الذي هو “حياتنا” (غل 25:5)،يستطيع ان يجعل الاستعدادات التي كانت في المسيح يسوع استعداداتنا .وحينئذ تصير وحدة المغفرة ممكنة،”فنتسامح”كما”سامحنا الله في المسيح”(اف 32:4).
2843- هكذا تنبض الحياة في كلام الرب على المغفرة،هذه المحبة التي تحب الى اقصى حدود المحبة .ان مثل العبد الخالي من الشفقة،الذي يتوج تعليم الرب عن الشركة الكنسية ،يختم بهذا الكلام:”هكذا يفعل ابي السماوي بكم ان لم يغفر كل واحد منكم لاخيهمن كل قلبه”.فهناك في “كل القلب”ينعقد وينفك كل شيء. ليس في وسعنا ان لا نعود نشعر،وان ننسى الاساءة؛ولكن القلب الذي يقدم ذاته للروح القدس يقلب الجرح الى رأفة،وينقي الذاكرة بتغيير الاساءة الى شفاعة .
2844- ان الصلاة المسيحية تبلغ حتى المغفرة للاعداء .انها تغير التلميذ ليشابه معلمه.والمغفرة هي ذروة في الصلاة المسيحية؛ولا يمكن ان تقبل موهبة الصلاة الا في قلب متطابق مع الرأفة الالهية.والمغفرة هي الشرط الاساسي للمصالحة ،بين اولاد الله وابيهم،وبين الناس بعضهم مع بعض .
2845- ليس هناك من حد ولا قياس لتلك المغفرة الالهية في اساسها .فاذا تعلق الامر باساءات (من ” خطايا” بحسب لو 4:11، او “ديون” بحسب متى 12:6)،فنحن في الواقع دائما مدينون:”لا يكن لاحد عليكم حق ما خلا المحبة المتبادلة”(رو 8:13).ومشاركة الثالوث الاقدس هي مصدر حقيقة كل علاقة ومقياسها .ونعيشها في الصلاة وخصوصا في الافخارستيا .
” لا يقبل الرب ذبيحة صانعي التفرقة.انه يصرفهم من المذبح حتى يتصالحوا اولا مع اخوتهم:يريد الله ان يعود السلام بيننا وبينه بصلوات سلام.واحسن واجباتنا عند الله هو سلامنا واتفاقنا والوحدة في الاب والابن والروح القدس بين ابناء الشعب المؤمن كلهم” .
6. “لا تدخلنا في تجربة”
2846- يبلغ هذا الطلب اصل الطلب السابق،لان خطايانا هي ثمار رضانا بالتجربة.فنحن نطلب الى ابينا ان لا “يخضعنا” لها.ومن الصعب ترجمة اللفظة اليونانية بكلمة واحدة:فهي تعني “لا تسمح بالدخول في” ،”لا تدعنا نسقط في التجربة”.
“ان الله غير مجرب بالشرور،وهو لا يجرب احدا”(يع 13:1).وهو يريد بالعكس تحريرنا منها.نطلب اليه ان لا يدعنا نسير في الطريق المؤدي الى الخطيئة.نحن في الجهاد بين “الجسد والروح القدس”.وهذا الطلب يلتمس روح التمييز والقوة.
2847- ان الروح القدس يجعلنا نميز المحنة لنمو الانسان الداخلي في سبيل “الفضيلة المختبرة” من التجربة التي تؤدي الى الخطيئة
والموت .
ويجب كذلك ان نميز “اننا مجربون” من “اننا راضون” بالتجربة.واخيرا يرفع التمييز القناع عن كذب التجربة: فموضوعها في الظاهر “طيب،ومتعة للعيون ومنية”(تك 6:3)،بينما ثمرتها في الوافع هي الموت.
“ان الله لا يريد فرض الخير،بل يريد كائنات حرة (…).فالتجربة لا تخلو من الفائدة.
والجميع،ما عدا الله،يجهلون ما تقبلته نفسنا من الله،حتى نحن.ولكن التجربة تظهر ذلك،لتعلمنا ان نعرف انفسنا،وهكذا تكشف لنا بؤسنا،وتوجب علينا ان نشكر لله الخيرات التي اظهرتها لنا التجربة” .
2848- “عدم الدخول في التجربة” يتضمن قرارا من القلب: “حيث يكون كنزكم،هناك يكون قلبكم ايضا.(…) لا يستطيع احد ان يخدم سيدين”
(متى 21:6، 24).”ان كنا نحيا بالروح،فلنسلكن ايضا بحسب الروح”
(غل 25:5).ففي هذه “المجاراة” للروح القدس يعطينا الاب القوة.”لم يصبكم من التجارب الا ما هو بشري.فان الله امين،فلا يدعكم تجربون فوق طاقتكم،بل يجعل ايضا مع التجربة مخرجا،لتستطيعوا ان تحتملوا”
(1 كو 13:10).
2849- ولكن جهادا كهذا وانتصارا كهذا ليسا ممكنين الا في الصلاة.فبالصلاة يغلب يسوع المجرب منذ البداية ،وفي جهاد نزاعه الاخير .والمسيح في هذا الطلب الى ابينا يضمنا الى جهاده والى نزاعه.ويذكر بتيقظ القلب بالحاح بالاشتراك مع تيقظه.والتيقظ هو “حفظ القلب” ويسوع يطلب من الاب “ان يحفظنا باسمه” .ان الروح القدس يسعى دائما الى تنبيهنا الى ذلك التيقظ .ويتخذ هذا الطلب كل معناه المأسوي بالنسبة الى التجربة الاخيرة في جهادنا على الارض.فهو يسأل الثبات الاخير.
“ها انا اتي كاللص،فطوبى لمن يسهر!”(رؤ 15:16).
7. “لكن نجنا من الشرير”
2850- الطلب الاخير الى ابينا موجود ايضا في صلاة يسوع: “لا اطلب ان تخرجهم من العالم بل ان تحفظهم من الشر”(يو 15:17).انه يعنينا،يعني كل واحد شخصيا،ولكننا “نحن” دائما من يصلون،بالاشتراك مع كل الكنيسة،ولاجل خلاص كل الاسرة البشرية.وما زالت صلاة الرب تجعلنا ننفتح على ابعاد تدبير الخلاص.وينقلب تعلقنا بعضنا ببعض في مأساة الخطيئة والموت تضامنا في جسد المسيح،و “شركة قديسين” .
2851- في هذا الطلب، الشر ليس شيئا مجردا، بل هو يدل على شخص: الشيطان، الشرير، الملاك الذي يقاوم الله. ابليس (في اليونانية ذيافولس) يعني من “يلقي بذاته ليعيق” قصد الله و “عمله الخلاصي” الذي اتمه في المسيح.
2852- “انه من البدء قتال الناس،(…)كذب وابو الكذب”(يو 44:8)،انه “الشيطان الذي يضل المسكونة كلها”(رؤ 9:12).به دخلت الخطيئة والموت العالم،وبالغلبة النهائية عليه “تحرر من الخطيئة والموت” الخليقة كلها.”نعلم ان كل مولود من الله لا يخطأ؛ انما الذي ولد من الله يصونه،والشرير لا يمسه.ونعلم انا من الله،وان العالم كله تحت سلطان الشرير”(1 يو 19:5-18):
“ان الله،الذي ازال خطيئك وغفر ذنوبك قادر على ان يصونوك وان يحفظك من حيل ابليس،الذي يحاربك،حتى لا يفاجئك العدو الذي من عادته ان يلد الخطيئة.من توكل على الله لا يخشى الشيطان.”اذا كان الله معنا فمن علينا؟”(رو 31:8)” .
2853- لقد تم الانتصار على “رئيس هذا العالم” مرة واحدة،في الساعة التي اسلم فيها يسوع ذاته بحرية الى الموت،ليعطينا حياته.انها دينونة هذا العالم،ورئيس هذا العالم “يلقى خارجا” .”انه يلحق بالمرأة” (رؤ 13:12) ،ولكن لا سلطان له عليها: فحواء الجديدة،”الممتلئة نعمة” من الروح القدس،قد حفظت من الخطيئة ومن فساد الموت(الحبل الطاهر بوالدة الاله ليحارب باقي نسلها”(رؤ 17:12).لذلك يصلي الروح والكنيسة:”هلم،ايها الرب يسوع”(رؤ 17:22، 20)،بما ان مجيئه ينقذنا من الشرير.
2854- عندما نطلب النجاة من الشرير،نصلي ايضا للتحرر من كل الشرور الحاضرة والماضية والمستقبلة،التي هو صاحبها او الدافع اليها.وفي هذا الطلب الاخير تحمل الكنيسة الى امام الاب كل بؤس العالم.وهي تلتمس،مع الخلاص من النتظار الثابت لمجيء المسيح.وهي،اذ تصلي هكذا،تسبق في تواضع الايمان استعادة كل البشر وكل شيء في من “بيده مفاتيح الموت والجحيم”(رؤ 18:1)،”الكائن،والذي كان،والذي يأتي،القدير”(رؤ 8:1) .
” نجنا من كل شر ايها الرب،وامنح السلام لزماننا؛ وبرحمتك حررنا من الخطيئة،وشددنا ازاء المحن في هذه الحياة حيث نرجو السعادة التي وعدت بها ومجيء يسوع المسيح مخلصنا” .
المجدلة الاخيرة
2855- ان المجدلة الاخيرة “لان لك الملك والمجد والقدرة”تكرر بالاحتواء الطلبات الثلاث الاولى الى ابينا: تمجيد اسمه،اتيان ملكوته،وقدرة مشيئته المخلصة.ولكن هذا التكرار هو في صيغة عبادة وشكر،كما في الليترجيا السماوية .كان رئيس هذا العالم قد نسب الى نفسه كاذبا تلك الحقوق الثلاثة في الملك والقدرة والمجد ؛ والمسيح الرب يعيدها الى ابيه وابينا،الى يوم يسلمه الملكوت عندما يتم نهائيا سر الخلاص ويصير الله كلا في الكل .
2856- “وعندما تكتمل الصلاة.تقول:”امين”،مصدقا بهذا الامين الذي يعني “ليكن الامر كذلك” ما تحويه الصلاة التي علمنا اياها الرب” .
بايجاز
2857- في “الابانا”،الطلبات الثلاث الاولى موضوعها مجد الاب: تقديس الاسم،اتيان الملكوت وتتميم المشيئة الالهية.والاربع الاخرى تقدم له رغباتنا:وهذه الطلبات تتعلق بحياتنا لتغذيتها او لشفائها من الخطيئة،وتتعلق بجهادنا في سبيل غلبة الخير على الشر.
2858- عندما نطلب ان “يتقدس اسمك”،ندخل في صميم الله أي تقديس اسمه الذي كشف لموسى ثم في يسوع- بنا وفينا،كما في كل امة وفي كل انسان.
2859- بالطلب الثاني تقصد الكنيسة بوجه رئيس عودة المسيح والمجيء الاخير لملكوت الله.وتصلي ايضا لاجل نمو ملكوت الله في “اليوم” من حياتنا.
2860- في الطلب الثالث نصلي الى ابينا ان يضم ارادتنا الى ارادة ابنه لتتميم تصميمه الخلاصي في حياة العالم.
2861- في الطلب الرابع،عندما نقول “اعطنا” نعبر،بالاشتراك مع اخوتنا،عن ثقتنا البنوية بابينا السماوي.”خبزنا” يعني الغذاء الارضي الضروري لمعيشتنا جميعا،ويعني ايضا خبز الحياة أي كلمة الله وجسد المسيح.وهو يتناول في “يوم” الرب،كالغذاء الذي لا يستغنى عنه،والجوهري في وليمة الملكوت التي تسبقها وتمثلها الافخارستيا.
2862- الطلب الخامس يلتمس لاساءاتنا رحمة الله التي لا تستطيع دخول قلبنا ما لم نغفر لاعدائنا على مثال المسيح وبعونته.
2863- بقولنا: “لا تدخلنا في التجربة” نطلب الى الله ان لا يسمح بان نسير في الطريق الذي يؤدي الى الخطيئة.وهذا الطلب يلتمس روح التمييز والقوة،ونعمة التيقظ والثبات الاخير.
2864- في الطلب الاخير “لكن نجنا من الشرير”،يصلي المسيحي الى الله مع الكنيسة بان يظهر الغلبة،التي قد نالها المسيح،على “رئيس هذا العالم”،على ابليس،الملاك الذي يقاوم شخصيا الله وتصميمه الخلاصي.
2865- بال “امين” الاخيرة نعبر عن دعائنا بالنسبة الى الطلبات السبع ان “ليكن الامر هكذا”.