التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية المقدسة
الفصل الثاني
الجماعة البشرية
1877- ان دعوة البشرية هي في اظهار صورة الله والتحول للتصور بصورة الابن الوحيد للاب. وهذه الدعوة لها طابه شخصي، لان كل واحد مدعو الى الدخول في السعادة الابدية. وهي ايضا ذات علاقة بالجماعة البشرية باكملها.
المقال الاول
الشخص والمجتمع
1. السمة الجماعية للدعوة البشرية
1878- الناس باجمعهم مدعوون الى غاية واحدة هي الله نفسه. وهناك بعض الشبه بين وحدة الاقانيم الالهية والاخوة التي يجب على الناس ان يقيموها في ما بينهم، في الحقيقة والمحبة . فمحبة القريب لا تنفصل عن محبة الله.
1879- يحتاج الشخص البشري الى الحياة الاجتماعية. وهي بالنسبة اليه ليست شيئا مضافا ، وانما من مقتضيات طبيعته. فالانسان بالتواصل مع اخوته، وتبادل الخدمات والحوار، ينمي قواه ويلبي هكذا دعوته .
1880- المجتمع هو فريق من الاشخاص المرتبطين عضويا بمبدا يوحدهم ويتجاوز كلا منهم. هذه الجماعة المنظورة والروحية في ان واحد، تدوم في الزمن، فتتقبل الماضي وتهيئ المستقبل. وبها يصير كل انسان “وريثا”، ويتقبل “وزنات” تغني هويته، ويكون ملزما بتنمية ثمارها . وعلى كل واحد بحق ان يبذل الذات في سبيل الجماعات التي هو عضو فيها، وان يحترم السلطات المسؤولة عن الخير العام.
1881- يحدد كل جماعة هدفها، فتخضع بالتالي لقواعد خاصة. ولكن “الشخص البشري هو، ويجب ان يكون، مبدأ جميع المؤسسات الاجتماعية، ومردها وغايتها” .
1882- بعض المجتمعات، من مثل الاسرة والمدينة، هي اكثر تناسبا مع الطبيعة البشرية، فهي ضرورية لها. ولا بد في سبيل تعزيز مشاركة العدد الاكبر في الحياة الاجتماعية ، من التشجيع على ايجاد تجمعات ومؤسسات مختارة “ذات اهداف اقتصادية، وثقافية، واجتماعية، ورياضية، وتسلوية، ومهنية، وسياسية، في داخل الجماعات السياسية كما على الصعيد العالمي” وهذا “التجميع” يعبر ايضا عن النزعة الطبيعية التي تحمل الناس على التشارك في سبيل بلوغ اهداف تتجاوز الامكانات الفردية. وهو ينمي صفات الشخص، وعلى الخصوص، حس المبادرة والمسؤولية عنده. وهو يساعد على كفالة حقوقه .
1883- للتجميع ايضا اخطار. فتدخل الدولة المفرط يمكن ان يهدد الحرية والمبادرة الشخصيتين. وقد اعدت الكنيسة في عقيدتها مبدأ دعي “بالتسلسلية”. ومؤداه “ان ليس لمجتمع اعلى ان يتدخل في الحياة الداخلية لمجتمع ادنى بحرمانه من صلاحياته، بل عليه بالاحرى ان يسانده عند الضرورة وان يساعده على تنسيق عمله مع عمل العناصر الاخرى التي تؤلف المجتمع في سبيل الخير العام” .
1884- لم يشأ الله ان يحتفظ لنفسه بممارسة كل السلطات. فهو يعطي كل خليقة الوظائف التي يمكنها ان تمارسها بحسب امكانات طبيعتها الخاصة. ونمظ الحكم هذا يجب ان يقتدى به في الحياة الاجتماعية. وتصرف الله في حكم العالم، الذي يظهر الكثير من المراعاة للحرية البشرية، يجب ان يلهم حكمة من يحكمون الجماعات البشرية. فعليهم ان يتصرفوا كمعتمدين للعناية الالهية.
1885- يقاوم مبدأ التسلسلية كل اشكال الجماعية، ويضع حدود تدخل الدولة، قاصدا انسجام العلائق بين الافراد والمجتمعات وساعيا الى اقامة نظام دولي حقيقي.
2. التوبة والمجتمع
1886- لا بد من المجتمع لتحقيق الدعوة البشرية. ولبلوغ هذا الهدف لا بد من احترام التراتبية الصحيحة بين القيم التي “تخضع الابعاد الطبيعية والغزيرية للابعاد الداخلية والروحية” .
“يجب ان ينظر الى الحياة في المجتمع، قبل كل شيء، كحقيقة من نمط روحي. فهي تبادل معارف في ضوء الحقيقة، وممارسة حقوق واضطلاع بواجبات، وتنافس في السعي الى الخير الاخلاقي، ومشاركة في التمتع الكريم بالجمال في كل تجلياته المشروعة، واستعداد دائم لايصال افضل ما في الذات الى الاخرين، وتوق عام الى اثراء روحي مستمر، تلك هي القيم التي يجب ان تنعش وتوجه الحركة الثقافية، والحياة الاقتصادية، والتنظيم الاجتماعي، والحركات والانظمة السياسية، والتشريع، وكل تجليات الحياة الاجتماعية في تطورها الدائم” .
1887- ان قلب الوسائل والغايات الذي يبلغ حد ايلاء قيمة الغاية القصوى الى ما ليس سوى وسيلة اليها، او النظر الى الاشخاص كوسائل فقط الى هدف، يولد هيكليات ظالمة “تجعل السلوك المسيحي الموافق لوصايا المشترع الالهي شاقا ومستحيلا عمليا” .
1888- فيجب عندئذ استنهاض الامكانات الروحية والاخلاقية للشخص، والمقتضيات الدائمة لتوبته الداخلية، للحصول على تغييرات اجتماعية تكون حقيقة في خدمته، والاولوية المعترف بها لتوبة القلب لا تلغي اطلاقا، بل هي على العكس تفرض، واجب اجراء الاصلاحات المناسبة على المؤسسات، وعلى اوضاع الحياة، حتى تتوافق مع قواعد العدل، وتعزز الخير عوضا من اعاقته .
1889- بدون اللجوء الى النعمة لا يستطيع الناس “كشف السبيل الضيق مرارا كثيرة بين الجبن الذي يستسلم للشر والعنف الذي يجعله يتفاقم وهو يظن انه يقاتله” . انه سبيل المحبة، أي محبة الله والقريب. فالمحبة هي اعظم الوصايا الاجتماعية. انها تحترم الاخرين وحقوقهم، وتقتضي ممارسة العدل، وهي وحدها تجعلنا قادرين على ذلك. انها تلهم حياة ملؤها بذل الذات: “من طلب ان يخلص نفسه يهلكها، ومن اهلكها حفظها” (لو 33:17)
بايجاز
1890- هناك بعض الشبه بين وحدة الاقانيم الالهية والاخوة التي يجب على الناس ان يقيموها في ما بينهم.
1891- يحتاج الشخص البشري الى الحياة الاجتماعية لينمو نموا يتوافق مع طبيعته. بعض المجتمعات، من مثل الاسرة والمدينة، هي اكثر تناسبا مع الطبيعة البشرية.
1892- “الشخص البشري هو، ويجب ان يكون، مبدأ جدميع المؤسسات الاجتماعية ومردها وغايتها” .
1893- يجب التشجيع على مشاركة واسعة في تجمعات ومؤسسات مختارة.
1894- بحسب مبدا التسلسلية يجب ان لا تقوم الدولة ولا أي مجتمع اوسع مقام مبادرة الاشخاص والتجمعات الوسيطة ومسؤوليتهم.
1895- على المجتمع ان يعزز ممارسة الفضائل لا ان يعيقها. ويجب ان يستلهم تراتبية صحيحة للقيم.
1896- حيث تفسد الخطيئة المناخ الاجتماعي، لا بد من اللجوء الى توبة القلوب والى نعمة الله. المحبة تحمل على اجراء اصلاحات صحيحة. وليس من حل للمسالة الاجتماعية خارج الانجيل .
المقال الثاني
المشاركة في الحياة الاجتماعية
1. السلطة
1897- “ان الحياة في المجتمع سينقصها النظام والخصب ان افتقدت وجود اناس يتولون السلطة على وجه شرعي، ويؤمنون حفظ المؤسسات، ويصرفون العناية، بقدر كاف، الى الخير العام” .
تدعى “سلطة” الصفة التي تخول اشخاصا او مؤسسات اقرار شرائع واعطاء اوامر للناس، وترقب الخضوع من قبلهم.
1898- كل جماعة بشرية هي في حاجة الى سلطة تسوسها . واساس هذه السلطة موجود في الطبيعة البشرية. فهي ضرورية لوحدة المدينة. ومهمتها الاضطلاع قدر الامكان بخير المجتمع العام.
1899- السلطة التي يقتضيها النظام الاخلاقي هي من الله : “ليخضع كل واحد للسلطات المنصبة، فانه لا سلطان الا من الله. والسلطات الكائنة انما رتبها الله. فمن يقاوم السلطان اذن فانما يعاند ترتيب الله، والمعاندون يجلبون الدينونة على انفسهم” (رو 1:3-2) .
1900-واجب الطاعة يفرض على الجميع ان يؤدوا للسلطة الاكرام الواجب لها،وان يحوطوا بالاحترام الاشخاص الذين يمارسون مهامها ،وكذالك ،حسب استحقاقهم، بالشكران والمحاسنة.
نجد بقلم بابا روما القديس اكليمنضوس ،اقدم صلاة كنيسة لاجل السلطة السياسية :”وامنحهم ،يا رب،الصحة والسلام والوفاق والاستقرار، حتى يمارسوا، دون مضايقة ،الرئاسة التي اوليتهم اياها.فانت ايها السيد ،ملك الاجيال السماوي،من يعطي ابناء البشر المجد والشرف والسلطان على شؤون الارض.سيدد يا رب مشورتهم الى ما هو خير ،وما هو مرضي لديك ،حتى اذا ما مارسوا بتقوى في السلام والحلم ،السلطان الذي اوليتهم اياه،يحروزن رضاك” .
1901-اذا كانت السلطة ترجع الى نظام وضعه الله، “فتحديد الانظمة السياسية”،وتعيين الحكام ،يجب ان يتركا لارادة المواطنين الحرة” .
تنوع الانطمة السياسية مقبول من الوجهة اخلاقية بشرط ان تؤدي الى الخير المشروع للجماعة التي ترتضيها .والانظمة المخالفة بطبيعتها للشريعة الطبيعة ،وللنظام العام ،ولحقوق الاشخاص الاساسية ،لايمكنها ان توفر الخير العام للامم التي فرضت نفسها عليها.
1902-لا تستمد السلطة من ذاتها شرعيتها الاخلاقية .وعليها ان لا تسلك سلوك الاستبداد، بل ان تعمل لاجل الخير العام “كقوة”معنوية مؤسسة على الحرية وحس المسؤولية” .
“لا يمكن للتشريع البشري سمة الشريعة الا بنسبة موافقة للعقل السليم،ومن هنا يظهر انه يستمد قوته من الشريعة الازلية .وبمقدار انحرافه عن العقل يجب اعلانه جائزا لانه لا يحقق مفهوم الشريعة .انما يصبح شكلا من اشكال العنف” .
1903-لا تكون ممارسة السلطة شرعية الا اذا سمعت هذه الى الخير العام للمجموعة ذات العلاقة ،والا اذا استعملت ،في سبيل ذلك ،وسائل جائزة .اما اذا اتفق للقادة ان يصدروا شرائع جائزة ويتخذوا قرارات مخالفة للنظام الاخلاقي ،فليس لهذه الاجراءات أي قوة
إلزامية بالنسبة إلى الضمير.”وفي مثل هذه الحال لا تبقى السلطة سلطة وانما تتحول الى تعسف” .
1904-“من الافضل ان يوازن كل سلطة سلطات اخرى،وصلاحيات اخرى تبقيها ضمن الحدود الصحيحة .وهذا هو مبدا “دولة القانون”التي تكون فيها الرئاسة للشريعة لا لارادة البشر العشوائية ” .
2.الخير العام
1905-خير كل واحد ،وفقا لطبيعة الانسان الاجتماعية ،هو بالضرورة على علاقة بالخير العام.ولا يمكن تحديد الخير العام الا بالنسبة الى الشخص البشري:
“لا تعيشوا منعزلين، منقبضين في ذواتكم ،كما لو انكم اصبحتم مبررين، ولكن تجمعوا لتسعوا معا الى ما فيه الخير العام ” .
1906بالخير العام يجب ان نفهم “مجموعة الاوضاع الاجتماعية التي تسمح للجماعات وللافراد من اعضائها ان يبلغوا كمالهم بوجه اتم واسهل” .فالخير العام يهم حياة جميع الناس.وهو يقتضي الفطنة من كل واحد،وفي الاكثر ممن يضطلعون بمهة السلطة .وهو يتضمن ثلاثة عناصر اساسية:
1907- انه يفترض اولا احترام الشخص بصفته هذه. فالسلطات العمومية ملزمة، باسم الخير العام، باحترام حقوق الشخص البشري الاساسية والتي لا يمكن التخلي عنها. وعلى المجتمع ان يمكن كل عضو فيه من تحقيق دعوته. والخير العام يقوم خصوصا على توفير الشروط لمارسة الحريات الطبيعة التي لا بد منها لتفتح الدعوة الانسانية: “هكذا :حق التصرف وفاقا لقاعدة الضمير القويمة، وحق صيانة الحياة الخاصة والحرية الصحيحة المتدة الى الامور الدينية ايضا”.
1908- الخير العام يتطلب ثانيا الرفاهية الاجتماعية والتنمية للمجوعة ذاتها. والتنمية هي خلاصة جميع الواجبات الاجتماعي. اجل، يعود الى السلطة ان تحكم، باسم الخير العام، بين المصالح الفردية المتنوعة .ولكن عليها ان تمكن كل انسان مما يحتاج اليه لكي يعيش عيشة انسانية حقيقية: من غذاء، ولباس، وصحة، وعمل، وتربية، وثقافة، واعلام واثق، وحق تاسيس العائلة ، الخ.
1909-والخير العام يتضمن اخيرا السلام ،أي دوام نظام عادل وامانة .فيفترض اذن قيام السلطة بتوفير الامان للمجتمع ولاعضائه بوسائل قويمة .وهو اساس الحق في الدفاع المشروع الشخصي والجماعي.
1910-اذا كان لكل جماعة بشرية خير عام يمكنها من ان تعرف نفسها بتلك الصفة ،في الجماعة السياسية نجد تحقيقه الاكمل .ويعود الى الدولة ان تصون وتعزز الخير العام للمجتمع المدني وللمواطنين وللهيئات الوسيطة .
1911-ان العلائق البشرية تتوثق عراها.وهي تعم رويدا رويدا الارض كلها. ووحدة الاسرة البشرية التي تضم كائنات تتمتع بكرامة انسانية متساوية ،تنطوي على خير عام شامل .وهذا يتطلب تنظما لجماعة الامم قادرا على “توفير الامور المختلفة التي يحتاج اليها الناس، سواء كان ذالك في نطاق الحياة الاجتماعية (من مثل الغذاء والصحة والتربية …)او كان ذلك في سبيل التصدي لاوضاع خاصة قد تطرا هنا وهناك (من مثل كشف الشدة عن للاجثين ،او مد يد المتغربين وعيالهم)” .
1912-الخير العام يوجه دائما نحو تقدم الاشخاص :”فنظام الاشياء يجب ان يخضع لنظام الاشخاص ،ولا يعكس ذلك” .واساس هذا النظام الحقيقية ،وهو يبنى في العدل ،ويحيا بالمحبة .
3.المسؤولية والمشاركة
1913-المشاركة هي التزام الشخص التزاما اراديا وكريما بالتبادلات الاجتماعية.فمن الضرورية ان يشارك الجميع ، كل بحسب الموقع الذي هو فيه والدور الذي يقوم به، في تعزيز الخير العام .وهذا الواجب ملازم للطبيعة البشرية .
1914-تتم هذه المشاركة اولا باضطلاع الانسان بهام القطاعات التي هو مسؤول عنها شخصيا .فهو باعتنائه بتربية اسرته، وبتقيده بالضمير في عمله، يشارك في خير الاخرين والمجتمع .
1915-على المواطنين ان يشاركوا ،قدر المستطاع ،مشاركة فعالة في الحياة العامة.ويمكن ان تنوع اساليب هذه المشاركة بتنوع البلد والثقافات .”ونعم المسلك الذي تسلكه الدول التي يشترك فيها اكبر عدد ممكن من المواطنين في شؤونها العامة” .
1916-مشاركة الجميع في قيام الخير العام تقتضي ،ككل واجب اخلاقي ،اهتداء الشركاء الاجتماعيين بوجه لايني يتجدد.فمن الواجب القضاء بقوة على الغش واساليب الاحتيال الاخرى التي يستخدمها بعضهم لللافلات من قيد الشريعة وفرائض الواجب الاجتماعي،لانها تتنافى ومقتضيات العدل .ويجب الاهتمام بنمو المؤسسات التي تحسن اوضاع الحياة البشرية .
1917-يعود الى من يضطلعون بالسلطة تثبيت القيم التي تجتدب ثقة اعضاء المجموعة وتحضهم على ان يكونوا في خدمة الاخرين .وتبدا المشاركة بالتربية والثقافة:”انه ليحق التفكير في ان مصير الانسانية هو في ايدي اولئك الذين استطاعوا ان يقدموا للاجيال الاتية اسباب الحياة والامل” .
بايجاز
1918-“ولا سلطان الا من الله ،والسلطات القائمة انما رتبها الله”(رو 13: 1).
1919-كل جماعة بشرية هي في حاجة الى سلطة لتبقى وتنمو.
1920-“ان الجماعة السياسية والسلطة العامة تقومان اساسا على الطبيعة البشرية ، وهما بذالك ترجعان الى نظام من وضع الله” .
1921- تمارس السلطة ممارسة شرعية اذا لازمت السعي الى الخير العام في المجتمع. ولا بد لها، كي تبلغه، من استخدام وسائل مقبولة اخلاقيا.
1922- تنوع الانظمة السياسية مشروع، اذا ادت الى خير الجماعة.
1923- يجب ات تمارس السلطة السياسية في حدود النظام الاخلاقي، وان تكفل شروط ممارسة الحرية.
1924- الخير العام ينطوي على “مجمخوعة الاوضاع الاجتماعية التي تسمح للجماعات والافراد ان يبلغوا كمالهم بوجه اتم وأسهل” .
1925- الخير العام يتضمن ثلاثة عناصر اساسية : احترام حقوق الشخص الاساسية وتعزيزها، الازدهار او النمو في خيور المجتمع الروحية والزمنية، السلام والامان للمجموعة ولاعضائها.
1926- كرامة الشخص البشري تقتضي السعي الى الخير العام. وعلى كل واحد ان يهتم بانشاء مؤسسات تحسن اوضاع الحياة البشرية وبمساندتها.
1927- يعود الى الدولة امر صيانة الخير العام في المجتمع المدني وتعزيزه. والخير العام للاسرة البشرية جمعاء يتطلب تنظيم المجتمع الدولي.
المقال الثالث
العدالة الاجتماعية
1928- يؤمن المجتمع العدالة الاجتماعية عندما يوفر الشروط التي تسمح للجماعات ولكل فرد بالحصول على ما يحق لهم وفاقا لطبيعتهم ولدعوتهم. والعدالة الاجتماعية على صلة بالخير العام وبممارسة السلطة.
1. احترام الشخص البشري
1929- لا يمكن بلوغ العدالة الاجتماعية الا في احترام كرامة الانسان السامية. فالشخص هو غاية المجتمع القصوى، وهذا انما هو معد له.
“صيانة كرامة الشخص البشري وتعزيزها قد اودعنا اياهما الخالق. والرجال والنساء هم، في كل ظروف التاريخ، مسؤولون عنهما ومطالبون بهما” .
1930- يقتضي احترام الشخص البشري احترام الحقوق الناتجة من كرامته بكونه خليقة. وهذه الحقوق سابقة للمجتمع ومفروضة عليه. وهي الاساس الشرعي لكل سلطة. فاذا اردراها المجتمع، او أبى الاعتراف بها رفي تشريعه الوضعي، فهو يقوض شرعيته الاخلاقية الخاصة . وبدون هذا الاحترام، لا تستطيع السلطة ان تستند الا الى القوة او العنف لتحصل على طاعة رعاياها. يعود الى الكنيسة ان تذكر الناس ذوي الارادة الصالحة بهذه الحقوق، وان تميزها من المطالب التعسفية او الباطلة.
1931- يمر احترام الاشخاص من خلال احترام المبدأ: “ليلتزم الانسان باعتبار القريب، ايا كان في غير استثناء، “كذات اخرى له”. وليحسب حسابا، قبل كل شيء، لوجوده وللوسائل الضرورية التي يتمكن معها من العيش الكريم” . وليس من تشريع يستطيع بذاته ازالة التخوفات، والاحكام السابقة، ومواقف الكبرياء والأثرة التي تعيق انشاء مجتمعات اخوية حقا. ولن تتوقف هذه التصرفات الا مع المحبة التي تجد في كل انسان “قريبا” وأخا.
1932- واجب اتخاذ الاخر قريبا وخدمته بنشاط يصبح اكثر الحاحا ايضا عندما يكون هذا في عوز أشد، في أي مجال من المجالات. “ان كل ما صنعتموه الى واحد من اخوتي هؤلاء الصغار، فالي قد صنعتموه” (متى 40:25).
1933- يمتد هذا الواجب نفسه الى من يختلفون عنا فكرا وفعلا. وتعليم المسيح يصل الى حد اقتضاء مغفرة الاساءات. وهو يوسع وصية المحية، التي هي الوصية الجديدة، الى جميع الاعداء . فالتحرر بحسب روح الانجيل لا يتلاقى مع الحقد على العدو وبصفة كونه شخصا بل مع الحقد على الشر الذي يصنعه بصفة كونه عدوا.
2. المساواة والاختلافات بين البشر
1934- بما أن جميع البشر قد خلقوا على صورة الله الأوحد، وخصوا بنفس عاقلة واحدة، فهم ذروة طبيعة واحدة وأصل واحد. وبما أن المسيح قد افتداهم بذبيحته، فهم مدعوون الى المشاركة في السعادة الالهية نفسها: وهم يتمتعون اذن بكرامة متساوية.
1935- المساواة بين البشر تقوم ، في جوهرها، علبى كرامتهم الشخصية والحقوق الناجمة عنها:
” كل نوع من أنواع التمييز في حقوق الشخص الاساسية، سواء كان قائما على الجنس أو العرق، أو لون البشرة، أو الوضع الاجتماعي، أو اللغة أو الدين، يجب تجاوزه على أنه مخالف لتصميم الله ” .
1936- لا يتمتع الانسان، عندما يأتي الى العالم، بكل ما هو ضروري لنمو حياته الجسدية والروحية . انه بحاجة الى الاخرين . فتظهر الاختلافات المرتبطة بالسن،. والامكانات الطبيعية، والامكانات الذهنية أو الاخلاقية، والتبادلات التي قد استفاد منها كل واحد، وتوزيع الثروات . “فالوزنات” لم توزع بالتساوي .
1937- هذه الاختلافات داخلة في خطة الله، الذي يريد أن يتقبل كل واحد من الاخرين ما يحتاج اليه، وأن يشارك من عندهم “وزنات” خاصة في فوائدها من هم في حاجة اليها. فالاختلافات تشجع الاشخاص على الاريحية والمحاسنة والمشاركة وأحيانا والمشاركة واحيانا كثيرة تلزمهك بها. وهي تحفر الثقافات على ان تغتني بعضها ببعض:
” لا أعطي كل الفضائل لكل واحد بالمساواة (…). فمنها جملة أوزعها بطريقة ما، حينا على أحدهم وحينا على الاخر (…). للواحد المحبة، وللاخر العدل، لهذا التواضع، ولذاك الايمان الحي. (…) أما الخيرات الزمنية، والاشياء الضرورية لحياة الانسان، فقد وزعتها باكبر لامساواة. ولم ارد ان يمتلك كل واحد كل ما هو ضروري له حتى يكون هكذا للناس فرصة، بالضرورة، لكي يمارسوا المحبة بعضهم تجاه بعض. (…) أردت ان يكونوا في حاجة بعضهم الى بعض، وان يكونوا وكلائي لتوزيع النعم والحسنات التي تقبلوها مني” .
1938- هناك ايضا اكثر من لا مساواة جائرة تصيب ملايين من الرجال والنساء. وهي على تناقض فاضح مع الانجيل:
“ان مساواة الاشخاص في الكرامة يقتضي ان يتوصل المجتمع الى وضع حياتي أكثر عدالة واكثر انسانية. فالتفاوت الاقتصادي والاجتماعي المفرط بين اعضاء الاسرة البشرية الواحدة او بين شعوبها باعث على العثار والشك، وعقبة في طريق العدالة الاجتماعية، والإنصاف ، وكرامة الشخص الانساني والسلام الاجتماعي والدولي” .
3. التضامن الإنساني
1939- إن مبدأ التضامن، والذي يدعى احيانا باسم “الصداقة” أو “المحبة الاجتماعية” هو من المقتضيات المباشرة للاخوة الانسانية والمسيحية :
هناك خطا “واسع الانتشار اليوم ، هو نسيان شريعة التضامن
الإنسانية والمحبة ،التي يمليها ويفرضها الاصل المشترك والمساواة في الطبيعة العاقلة بين الناس ،مهما كان الشعب الذي ينتمون اليه، كما تمليها وتفرضها ايضا ذبيحة الفداء ،التي قدمها يسوع المسيح على مذبح الصليب لابيه السماوي ،لاجل البشرية الخاطئة” .
1940-يظهر التضامن اولا في توزيع الخيرات واجر العمل .وهو يفترض ايضا بذل الجهد في سبيل نظام اجتماعي اكثر عدالة ،يمكن فيه استيعاب التوترات بوجه افضل، وتجد فيه النزعات ،بوجه اسهل ،حلا تفاوضيا.
1941-لا يمكن ايجاد حلول للمشاكل الاجتماعية اقتصادية الا بمساندة جميع صيغ التضامن :تضامن الفقراء في ما بينهم ، والاغنياء والفقراء ،والعمال في ما بينهم ،والاغنياء والفقراء ، والعمال في ما بينهم ، والعمال واصحاب العمل في المؤسسة ،والتضامن بين الامم والشعوب .والتضامن الدولي من مقتضيات النظام الاخلاقي، لان السلام في العالم يرتبط به جزئيا .
1942-ان ان فضيلة التضامن تمتد الى ابعد من الخيرات المادية .والكنيسة عندما نشرت خيور الايمان الروحية،قد عززت بالاضافة نمو الخيور المادية ،اذ فتحت امامها مرارا سيلا جديدة .وهكذا تحققت على مدى القرون كلمة السيد :”اطلبوا اولا ملكوت الله وبره،وهذا كله يراد لكم “(متى 6: 33).
“منذ التي سنة،تعيش وتستمر في روح الكنيسة تلك العاطفة التي دفعت وما زالت تدفع النفوس الى بطولة المحبة،عند الرهبان الزراع،ومحرري العبيد ،وشافي المرضى ،ورسل الايمان والتمدن والعلم الى كل الاجيال وكل الشعوب ،حتى بوجده اوضاعا اجتماعية تمكن الجميع من ان يحيوا حياة لائقة بالانسان وبالمسيحي ” .
بايجاز
1943-يؤمن المجتمع العدالة الاجتماعية بتحقيق الشروط التي تسمح للجماعات وللافراد بالحصول على ما هو حق لهم.
1944-احترام الشخص البشري يعتبر الاخر، “كذات اخرى له”،ويفترض احترام الحقوق الاساسية الناجمة عن الكرامة الملازمة للشخص بذاته.
1945-المساواة بين الناس تقوم على الكرامة الشخصية وعلى الحقوق الناجمة عنها.
1946-الاختلافات بين الاشخاص هي بتدبير من الله الذي يريد ان يحتاج بعضنا الى بعض ،وعليها ان تشجع المحبة.
1947-المساواة في الكرامة بين الاشخاص الانسانية تقتضي بذل الجهد لتقليص اللامساواة الاجتماعية والاقتصادية المفرطة. وهي تحمل على ازالة ما هناك من لا مساواة جائزة.
1948-التضامن فضيلة مسيحية بامتياز .وهو يمارس المشاركة في الخيرات الروحية مشاركة تفوق ايضا تلك التي في الخيرات المادية.