التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية المقدسة

أسرار التنشئة المسيحية

الفصل الأول

1212- أسرار التنشئة المسيحية: المعمودية والتثبيت والافخارستيا ترسي ركائز كل حياة مسيحية. “الاشتراك في الطبيعة الإلهية الذي هو عطية من عطايا نعمة المسيح على البشر، فيه بعض الشبه مع مصدر الحياة الطبيعية ونموها ودعمها. فالمؤمنون يولدون بالمعمودية ولادة ثانية، ويتقوون بسر التثبيت، ويتناولون في الافخارستيا، خبز الحياة الابدية. وهكذا بواسطة هذه الأسرار التي تدخل إلى الحياة المسيحية يحظى المؤمنون، أكثر فأكثر، بثروات الحياة الإلهية ويتقدمون نحو كمال المحبة”.

المقال الأول

سر المعمودية

1213- المعمودية المقدسة هي ركيزة الحياة المسيحية كلها ورتاج الحياة في الروح، والباب الذي يوصل إلى الأسرار الأخرى. فبالمعمودية نعتق من الخطيئة ونولد ثانية ميلاد أبناء الله، ونصير أعضاء للمسيح، ونندمج في الكنيسة ونصبح شركاء في رسالتها. “المعمودية هي سر الولادة الجديدة بالماء وفي الكلمة”.

1. ما اسم هذا السر؟

1214- يسمى “معمودية” نظراً إلى الطقس الأساسي الذي يتحقق به: فالتعميد هو “التغطيس” أو “التغويص” في الماء.”فالتغطيس” في الماء يرمز إلى دفن الموعوظ في موت المسيح وخروجه، بالقيامة معه، “خليقة جديدة” (2 كو 5: 15؛ غل 6: 15).

1215- ويدعى هذا السر أيضاً “غسل الميلاد الثاني والتجديد بالروح القدس” (تي 3: 5) لأنه يلهم ويحقق هذا الميلاد من الماء والروح الذي بدونه “لا يستطيع أحد أن يدخل ملكوت الله” (يو 3 : 5).

1216- “هذا الغسل يسمى أيضاً استنارة ، لأن الذين يتلقون هذا التعليم (في الكرازة) يستنير به ذهنهم”. فعندما يتلقى المُعمد الكلمة، “النور الحقيقي المنير كل إنسان” (يو 1: 9) يصبح، “بعدما أُنير” ، “ابنا للنور” ، بل يصبح هو نفسه “نوراً” (اف 5 :8).
المعمودية هي “أجمل وأبهى عطية من عطايا الله (…) نسميها عطية ونعمة ومسحة واستنارة وثوب عدم إفساد وغسل الميلاد الثاني، وختماً وكل ما أنفس النفائس. فهي عطية لأنها تمنح للذين لا يأتون بشيء، وهي نعمة لأنها تعطى حتى للمذنبين؛ وتغطيس لأن الخطيئة تدفن في الماء؛ ومسحة لأنها مقدسة وملكية (على غرار المسحاء)؛ واستنارة لأنها ضياء سني؛ وثوب، لأنها تستر خزينا، وغسل لأنها تطهر؛ وختم لأنها تحمينا ولأنها علامة سيادة الله”.

2. المعمودية في تدبير الخلاص 

رموز المعمودية في العهد القديم

1217- في ليترجيا ليلة الفصح، عندما تبارك الكنيسة ماء المعمودية تذكر بابهة الاحداث العظام التي باتت، في تاريخ الخلاص، ايذانا بسر المعمودية : “بقدرتك ، ايها الرب، حققت العجائب في اسرارك، وعبر تاريخ الخلاص، استعلمت الماء الذي خلقته لتوقفنا على نعمة المعمودية ” .

1218- منذ فجر العالم، والماء- تلك الخليقة المتواضعة العجيبة- هو نبع الحياة والخصب. ويرى الكتاب المقدس روح الله “يرفرف” عليه .

“منذ بدء العالم كان روحك يرفرف على المياة لتحظى ببذار القوة المقدسة ” .

1219- وقد توسمت الكنيسة في فلك نوح رمزا مسبقا للخلاص بواسطة المعمودية. فبالفلك “نجا بالماء عدد قليل، أي ثمانية اشخاص” (1 بط 3: 20).

“لقد انبات ، بامطار الطوفان، عن المعمودية المحيية، اذ كان الماء يرمز ايضا إلى موت الخطيئة وولادة كل بر” .

1220- اذا كان ماء الينبوع يرمز إلى الحياة ، فماء البحر يرمز إلى الموت. ولذا فهو رمز سر الصليب. من خلال هذه الصورة الرمزية تعبر المعمودية عن الاشتراك في موت المسيح .

1221- بيد ان عبور البحر الاحمر الذي به تحرر اسرائيل حقا من عبودية مصر، هو الذي يبشر بالعتق الذي تحققه المعمودية :

“لقد اتحت لابناء ابراهيم ان يعبروا البحر الاحمر على اقدامهم لكي يكون الشعب المعتق من العبودية رمزا لشعب المعمدين ” .

1222- ونجد اخيرا للمعمودية صورة مسبقة في عبور الاردن الذي نال به شعب الله عطية الارض الموعودة لنسل ابراهيم، وهو صورة الحياة الابدية. ويتحقق الوعد بهذا الميراث السعيد في العهد الجديد .

معمودية المسيح

1223- جميع رموز العهد القديم تنتهي في المسيح يسوع. فقد بدا حياته العلنية من بعد ان تعمد على يد يوحنا المعمدان في الاردن . ومن بعد قيامته وكل إلى تلاميذه هذه الرسالة : ” اذهبوا وتلمذوا جميع الامم ، وعمدوهم باسم الاب والابن والروح القدس، وعلموهم ان يحفظوا كل ما اوصيتكم به” (متى 28: 19-20) .

1224- لقد خضع ربنا بملء رضاه لمعمودية القديس يوحنا المعدة للخطاه، وذلك لكي يتم كل بر ، فجاء صنيع يسوع هذا دليلا على “تلاشيه” . واذا الروح الذي كان يرف على وجه المياة، في بدء الخليقة الاولى، يهبط على المسيح، ايذانا بالخليقة الجديدة، واذا بالاب يعلن يسوع ابنه الحبيب .

1225- بفصحه، فجر المسيح لجميع الناس ينابيع المعمودية . والواقع انه عندما تحدث عن الامة التي كان مزمعا ان يكابدها في اورشليم، انما تحدث عن “معمودية ” كان عليه ان يقبلها . وما الدم والماء اللذان خرجا من جنب يسوع المطعون، وهو على الصليب ،سوى رمزين للمعمودية والافخارسيتا ، سري الحياة الجديدة . فاصبح، من ثم، ممكنا ان “يولد الانسان من الماء والروح” ليدخل ملكوت الله (يو 3: 5).
“انظر تتعمد، ومن اين المعمودية،ان هي الا من صليب المسيح، ومن موت المسيح . هنا يكمن السر كله: انه تعذب من اجلك ، وفيه نلت الفداء، وحظيت بالخلاص” .

المعمودية في الكنيسة

1226- منذ يوم العنصرة، احتفلت الكنيسة بالمعمودية المقدسة ومنحتها. فقد اعلن القديس بطرس للجمع المتاثر بكلامه :” توبوا، وليعتمد كل منكم باسم يسوع المسيح لغفران خطاياكم، فتناولوا موهبة الروح القدس” (أع 2، 38). وقد تقدم الرسل ومعاونوهم بالمعمودية إلى كل من امن بيسوع: اليهود والتقاة والوثنيين . ونلاحظ ان المعمودية قد ارتبطت دائما بالايمان شرطا: “امن بالرب يسوع تنل الخلاص من انت واهل بيتك”: هذا ما قاله القديس بولس للسجان في مدينة فيلبي. وجاء في سياق الرواية: “واعتمد السجان من وقته ، اوعتمد ذووه جميعا” (أع 6: 31-33).

1227- المؤمن- على حد قول القديس بولس – يشترك بالمعمودية في موت المسيح، ويدفن وينهض معه .
“انا ، اذ اعتمدنا في يسوع المسيح، انما اعتمدنا في موته. فلقد دفنا معه بالمعمودية للموت، حتى انا، كما اقيم المسيح من بين الاموات بمجد الاب، كذلك نسلك نحن ايضا في حياة جديدة (رو 6: 3-4)” .
المعمدون “قد لبسوا المسيح” . وبالروح القدس تصير المعمودية غسلا ينقي ويقدس ويبرر .

1228- المعمودية هي اذن غسل بالماء، فيه “زرع كلمة الله غير الفاسد” ينتج ثمرة المحيي . ويقول القديس اوغسطينوس في المعمودية : ” تنضم الكلمة إلى العنصر المادي ويصير ذلك سرا ” .

3. كيف نحتفل بسر المعمودية ؟

التنشئة المسيحية

1229- كان الانسان، منذ عهد الرسل، يصبح مسيحيا، عبر مسيرة وتنشئة تستغرق عدة مراحل . هذه الطريق يمكن اجتيازها بسرعة او ببطء، ويجب ان تتضمن بعض العناصر الجوهرية: اعلان الكلمة، قبول الانجيل وما يستتبعه من توبة، الاعتراف بالايمان، المعمودية، فيض الروح القدس، الاقبال على الشركة الافخارستية .

1230- هذه التنشئة قد تبدلت كثيرا عبر الاجيال وتبعا للظروف. في القرون الاولى من تاريخ الكنيسة عرفت هذه المرحلة التفقيهية امتدادا واسعا مع فترة طويلة من الموعوظية وسلسلة من الطقوس الاعدادية التي كانت تواكب ليترجيا طريق الموعوظية، وتنتهي في الاحتفال باسرار التنشئة المسيحية .

1231- حيث معمودية الاطفال اصبحت هي الطريقة الشائعة والمالوفة للاحتفال بهذا السر، انحصر هذا الاحتفال في عمل فرد يدمج، بطريقة مختصرة جدا، المراحل التي تسبق التنشئة المسيحية . فمعمودية الاطفال تفرض، بذات طبيعتها، تفقيها في الدين يعقب المعمودية. ولسنا هنا فقط في صدد الحاجة إلى تثقيف ديني يعقب المعمودية، بل إلى التفتح الضروري لنعمة المعمودية في نمو الانسان. وهذا هو الحيز المميز الذي يتم فيه التعليم المسيحي .

1232- لقد امر المجمع الفاتيكاني الثاني باحياء “الموعوظية للبالغين موزعة على عدة مراحل”، وذلك في اطار الكنيسة اللاتينية . ونجد طقوس هذه الموعوظية في “كتاب التفقية المسيحي للبالغين” (1972). وقد اذن المجمع ايضا، بان تعتمد ، في بلاد “الارساليات”، إلى جانب العناصر التفقيهية “التي ينطوي عليها التقليد المسيحي، المواد التعليمية الاخرى التي يلحظ استعمالها عند كل شعب من الشعوب، على ان يكون من الممكن تكييفها مع الطقس المسيحي” .

1233- تفقية البالغين في الايمان المسيحي يبدا اليوم اذن، في جميع الطقوس اللاتينية والشرقية، منذ دخولهم الموعوظية، ويبلغ ذروته في احتفال واحد بالاسرار الثلاثة : المعمودية والتثبيت والافخارستيا . في الطقوس الشرقية يلج الاطفال الحياة المسيحية بالمعمودية يليها حالا سر التثبيت وسر الافخارستيا، واما في الطقس الروماني فيتواصل تفقية الاولاد في الدين خلال سنوات وينتهي لاحقا بالتثبيت والافخارستيا وهي ذروة التفقية في الدين المسيحي .

مدخل إلى فهم الاحتفال

1234- معنى سر المعمودية ونعمته يظهر ان ظهورا جليا في طقوس الاحتفال. ويستطيع المؤمنون، اذا تتبعوا بانتباه ما يجري في الحفلة من اقوال وافعال، وشاركوا فيها، ان يدركوا الكنوز التي يعنيها هذا السر ويحققها في كل معتمد جديد .

1235- اشارة الصليب، في مطلع الاحتفال، تشير إلى وسم المسيح على المزمع ان ينتسب اليه، ويرمز إلى نعمة الفداء التي استحقها لنا المسيح بصليبه .

1236- اعلان كلمة الله يشرق بنور الحقيقة الموحاة على المرشحين للمعمودية وعلى الجماعة، ويوقظ جواب الايمان الذي لا ينفصل عن المعمودية . ولا غرو، فالمعمودية هي، بطريقة خاصة، “سر الايمان” لانها بمثابة المدخل الاسراري إلى حياة الايمان.

1237- نظرا إلى ان المعمودية تؤدي معنى الانعتاق من الخطيئة ومن المحرض عليها أي الشيطان، تتلى بعض التقاسم على المرشح للمعمودية، ويمسح بزيت الموعوظين، او يضع المحتفل يده عليه، ويكفر صراحة بالشيطان. فمع هذا الاستعداد، يمكنه ان يعترف بايمان الكنيسة التي “يوكل اليها بالمعمودية”.

1238- ماء المعمودية يقدس عندئذ بصلاة استدعاء للروح القدس (في اللحظة ذاتها او في ليلة الفصح)، تطلب فيها الكنيسة إلى الله ان تحل على هذا الماء، بواسطة ابنه، قوة الروح القدس، فيولد المعمدون فيها “من الماء والروح” (يو 3: 5).

1239- ثم يلي ذلك الطقس الاساسي في المعمودية، أي التعميد نفسه الذي يعني ويحقق موت الانسان دون الخطيئة وولوجه في حياة الثالوث الاقدس، متصورا بصورة المسيح في سره الفصحي. وتتم المعمودية باعمق معانيها بالتغطيس ثلاثا في ماء المعمودية. ولكن المعمودية يمكن ان تمنح، تبعا لتقليد عريق، بصب الماء ثلاثا على راس المعتمد .

1240- في الكنيسة اللاتينية ، بقول المعمد، وهو يصب الماء ثلاثا على المعتمد: ” يا فلان، اعمدك باسم الاب والابن والروح القدس” . في الليترجيات الشرقية يوجه المعتمد جهة الشرق، ويتلو عليه الكاهن عبارة التعميد: “يعمد عبد الله (فلان)باسم الاب والابن والروح القدس” ، وعند ذكر كل من الاقانيم الثلاثة، يغطسه في الماء وينتشله .

1241- المسحة بالزيت المقدس، وهو زيت معطر يقدسه الاسقف، ويرمز إلى موهبة الروح القدس للمعمد الجديد. لقد اصبح مسيحيا أي “ممسوحا” بمسحة الروح القدس، ومتحدا بالمسيح الممسوح كاهنا ونبيا وملكا .

1242- في ليترجيا الكنائس الشرقية، التي تلي المعمودية هي سر الميرون (التثبيت). في الليترجيا الرومانية تؤذن بمسحة اخرى بالزيت المقدس سوف يمنحها الاسقف: وهي سر التثبيت الذي “يثبت” ، نوعا ما، مسحة المعمودية ويكملها .

1243- الثوب الابيض يرمز إلى ان المعمد قد لبس المسيح ، ونهض مع المسيح. والشمعة المسرَّجة من شمعة الفصح، ترمز إلى ان المسيح قد انار المعتمد جديدا. فالمعمدون في المسيح هم “نور العالم”(متى 5: 14) .
المعمد جديدا قد اصبح الان ابن الله في الابن الوحيد.وبامكانه ان يتلو صلاة ابناء الله : الابانا.

1244- المناولة الافخارستية الاولى. يقبل المعمد وقد صار ابنا لله، وارتدى حلة العرس ، “في وليمة عرس الحمل”، ويتناول قوت الحياة الابدية، أي جسد المسيح ودمه. ان الكنائس الشرقية لا تزال على وعي رهيف لوحدة الاسرار المولجة إلى الحياة المسيحية، فتمنح المناولة المقدسة لكل المعمدين والمثبتين جديدا، وحتى للاولاد الصغار، متذكرة قول الرب:” دعوا الاطفال ياتون الي، لا تمنعوهم” (مر 10: 14). واما الكنيسة اللاتينية فهي تقصر التقرب من المناولة المقدسة على الذين بلغوا سن الرشد، وتعبر عن التواصل القائم بين المعمودية والافخارستيا ، بتقريب الطفل المعمد جديدا من المذبح، لتلاوة صلاة “الابانا”.

1245- البركة الاحتفالية تختتم حفلة المعمودية. وفي حال تعميد المولودين، جديدا، تحظى الام ببركة خاصة .

4. من هو المؤهل لقبول سر المعمودية

1246- ” كل بشر لم يعتمد بعد، يستطيع وحده ان يقبل المعمودية ” .

معمودية البالغين

1247- معمودية البالغين، منذ مطالع الكنيسة، هي الحالة الشائعة في الاماكن الحديثة العهد ببشارة الانجيل. فالموعوظية (وهي فترة الاستعداد للمعمودية)تشغل، والحالة هذه، مكانا ملحوظا : فهي المدخل إلى الايمان والحياة المسيحية، ويجب ان تعد الناس لتلقي عطية الله في المعمودية والتثبيت والافخارستيا .

1248- الموعوظية، أي تثقيف الموعوظين، هدفها ان تتيح لهؤلاء تلبية البادرة الالهية، ضمن جماعة كنيسة، والعمل على انضاج توبتهم وايمانهم . فالموعوظية “هي تنشئة في الحياة المسيحية من كل جوانبها (…)يتحد فيها التلاميذ بالمسيح معلمهم. وعلى الموعوظين ان يفقهوا في معرفة اسرار الخلاص وممارسة الحياة الانجيلية، وان يدخلوا، عبر طقوس مقدسة يحتفل بها في فترات متتالية، حياة الايمان والليترجيا والمحبة القائمة في شعب الله” .

1249- الموعوظون “اصبحوا متحدين بالكنيسة ، واصبحوا من بيت المسيح، وليس من النادر ان يحيوا حياة ايمان ورجاء ومحبة ” . “والكنيسة الام تحوطهم بالمحبة والعناية كما تحوط ابناءها ” .

معمودية الاطفال

1250- يولد الاطفال بطبيعة بشرية ساقطة وملطخة بالخطيئة الاصلية، ويحتاجون،من ثم، إلى ان يولدوا، هم ايضا، ولادة جديدة في المعمودية ، ويعتقوا من سلطان الظلام، وينقلوا إلى رحاب حرية ابناء الله ، التي دعي اليها الناس باجمعهم. مجانية نعمة الخلاص تظهر، في كل نصاعتها، في معمودية الاطفال. ومن ثم، فالكنيسة والاهل يحرمون ولدهم نعمة لا تقدر، وهي ان يصير ابنا لله ، اذا لم يمنحوه المعمودية وقتا قصيرا بعد مولودة .

1251- وعلى الوالدين المسيحيين ان يقروا بان هذه الطريقة في التصرف تتجاوب ايضا مع المهمة التي وكلها الله اليهم، بان يوفروا لابنائهم غذاء الحياة .

1252- تعميد الاطفال تقليد عريق في الكنيسة، نجد له، منذ القرن الثاني، اثباتات صريحة، بيد انه من الممكن ايضا ان تكون المعمودية قد منحت للاطفال منذ مطلع الكرازة الرسولية، عندما كانت “بيوت” بجميع افرداها تقبل المعمودية .

الايمان والمعمودية

1253- المعمودية سر الايمان . ولكن الايمان بحاجة إلى جماعة المؤمنين . ولا يستطيع احد من المؤمنين ان يؤمن الا في اطار ايمان الكنيسة. الايمان الذي تقتضيه المعمودية ليس ايمانا كاملاً وناضجا، بل هو بداية ايمان بحاجة إلى ان يتطور. والدليل على ذلك هو السؤال المطروح على الموعوظ او على عرابة :” ماذا تطلب من كنيسة الله”؟ ويجيب :” الايمان”!.

1254- لا بد للايمان من ان ينمو بعد المعمودية،لدى جميع المعمدين، اطفالا كانوا ام بالغين. ولذا تحتفل الكنيسة، كل عام، في ليلة الفصح، بتجديد وعود المعمودية. التاهب للمعمودية لا يقود الا إلى عتبة الحياة الجديدة. المعمودية هي نبع الحياة الجديدة في المسيح ومنها تنبجس الحياة المسيحية كلها .

1255- من الاهمية بمكان ان يساعد الاهل في تفتح نعمة المعمودية، وهذه هي ايضا مهمة العراب او العرابة، اللذين يجب ان يكونا من المؤمنين الراسخين، المؤهلين والمستعدين لمعاضدة المعتمد جديدا، طفلا كان ام بالغا، في طريقة إلى الحياة المسيحية . مهمتها وظيفة كنيسة حقيقية ، على ان تتحمل الجماعة الكنيسة كلها نصيبا من المسؤولية في تنمية نعمة المعمودية وصونها .

5.من يعمد ؟

1256- الاسقف والكاهن، وفي الكنيسة اللاتينية، الشماس الانجيلي ايضا ، هم الذين يمنحون عادة سر المعمودية . وفي حال الضرورة يجوز لكل انسان، وان غير معمد، ان يمنح سر المعمودية ، بشرط ان تكون له النية المطلوبة ويستعمل صيغة العماد الثالوثية. والنية المطلوبة هي ان يقوم الانسان بما تقوم به الكنيسة عندما تمنح سر المعمودية، وان يستعمل الصيغة الثالوثية المرعية في المعمودية . وترى الكنيسة سببا لهذا الاحتمال ارادة الله ان يخلص جميع الناس ، وضرورة المعمودية للخلاص .

6.ضرورة المعمودية

1257- يؤكد السيد نفسه المعمودية للخلاص . ولذا امر تلاميذه ان يعلنوا البشارة ويعمدوا جميع الامم . المعمودية ضرورية لخلاص الذين بشروا وتمكنوا من طلب هذا السر . ولا تعرف الكنيسة غير المعمودية وسيلة اخرى تكفل للانسان ان يدخل السعادة الابدية . ولذا تحترز الكنيسة من اهمال الرسالة التي تلقتها من السيد: وهي ان تعمل على ان “يولد جديدا من الماء والروح” كل الذين يمكنهم ان يتعمدوا . ان الله قد ربط الخلاص بسر المعمودية ، ولكنة هو نفسه غير مرتبط بالاسرار التي وضعها .

1258- لقد اعتقدت الكنيسة منذ القدم اعتقادا ثابتا، بان الذين يموتون في سبيل الله، ولم ينالوا المعمودية، انما يعتمدون بموتهم لاجل المسيح ومع المسيح.هذه المعمودية بالدم، كالمعمودية بالشوق، تحمل ثمار المعمودية من غير ان تكون سرا .

1259- واما الموعوظون الذين يموتون قبل ان يعتمدوا، فرغبتهم الصريحة في قبول المعمودية، مقرونة بالتوبة عن خطاياهم بالمحبة، تكفل لهم الخلاص الذي لم ينالوه بسر المعمودية.

1260- “بما ان المسيح مات من اجل الجميع، وبما ان دعوة الانسان الاخيرة هي في الحقيقة واحدة، وهي دعوة الهية، فمن الواجب، علينا ان نكون على يقين من ان الروح القدس يمكننا، بطريقة يعرفها الله، من الاشتراك بالسر الفصحي” . فكل انسان يجهل انجيل المسيح وكنيسته، ويسعى إلى الحقيقة ويمتثل ارادة الله، كما يعرفها، يستطيع ان يخلص. ويمكن ان نفترض ان مثل هؤلاء الناس، لو عرفوا ضرورة المعمودية، لكانوا تشوقوها صراحة.

1261- واما الاطفال الذين يموتون بلا معمودية، فالكنيسة لا تقدر الا ان تكل امرهم إلى الرحمة الالهية، كما هو دابها في الجناز لاجلهم. ولا شك ان واسع رحمة الله “الذي يريد ان يخلص جميع الناس” (1 تي 2: 4)، وان محبة يسوع للاطفال وهو القائل: “دعوا الاطفال ياتون الي، لا تمنعوهم” (مر 10: 4)، يتيحان لنا الامل بان يجد الاطفال الذين يموتون ، بلا معمودية ، طريقا إلى الخلاص. ولهذا تنادي الكنيسة بالحاح الا يمنع الاطفال من ان ياتوا إلى المسيح بواسطة موهبة المعمودية المقدسة .

7. نعمة المعمودية

1262- ان ما تؤتيه المعمودية من ثمار متنوعة، ترمز إليه العناصر الحسية المستعملة في شعائر هذا السر. فالتغطيس في الماء يستلهم رموز الموت والتنقية، كما يستلهم ايضا الولادة الثانية والتجدد. المفعولان الاساسيان هما اذن التقنية من الخطايا والولادة الجديدة في الروح القدس .

… لمغفرة الخطايا

1263- بالمعمودية تغفر الخطايا كلها: الخطيئة الاصلية، وجميع الخطايا الفردية وجميع عواقب الخطيئة . فالذين ولدوا ثانية لا يبقى فيهم ما يحجبهم عن دخول ملكوت الله: لا خطيئة ادم، ولا الخطيئة الفردية، ولا ذيول الخطيئة، واخطرها الانفصال عن الله .

1264- بيد ان المعمد يلبث عرضة لبعض مفاعيل الخطيئة الزمنية، كالالام والمرض والموت والشوائب الداخلة في صميم الحياة، كالاوهان المزاجية الخ… والميل إلى الخطيئة او الشهوة كما يسميها التقليد او “بؤرة الخطيئة” على سبيل المجاز . “لقد تركت لنا الشهوة لصراعاتنا ، ولكنها اعجز من ان تلحق الاذى بالذين لا ينقادون لها بل يتصدون لها بشجاعة، بنعمة المسيح. اضف إلى ذلك “ان الذي يصارع صراعا شرعيا ينال الاكليل” (2 تي 2 : 5)” .

“الخليقة الجديدة”

1265- المعمودية لا تطهر من كل الخطايا وحسب، بل تصير المعتمد الجديد “خلقا جديدا” ، وابنا لله بالتبني ، “وشريكا في الطبيعة الالهية” ، وعضوا في جسد المسيح ووارثا معه ، وهيكلا للروح القدس .

1266- ان الثالوث القدوس يهب المعتمد النعمة المقدسة ، النعمة المبررة، وهي:

– تمكن المعتمد من ان يتوجه إلى الله بالايمان والرجاء والمحبة، وذلك عن طريق الفضائل الالهية .

– وتقويه ليحيا ويعمل بحفز من الروح القدس، عن طريق مواهب الروح القدس.

– وتتيح له ان ينمو في الخير بواسطة الفضائل الادبية .

وهكذا نرى ان كل بنية الحياة الفائقة الطبيعة لدى المسيحي لها جذورها في المعمودية المقدسة .

مندمجون في الكنيسة ، جسد المسيح

1267- ان المعمودية تصيرنا اعضاء جسد المسيح. “اولسنا ، من ثم، اعضاء بعضنا لبعض”؟ (اف 4: 25). المعمودية تضمنا إلى الكنيسة. ومن اجران المعمودية يولد شعب الله الآوحد، شعب العهد الجديد الذي يتخطى كل الحدود الطبيعية والبشرية القائمة بين الامم والثقافات والاعراق والاجناس :” انا قبلنا المعمودية جميعا في روح واحد لنكون جسدا واحدا” (1 كو 12: 13).

1268- لقد اصبح المعمدون “حجارة حية” “لبناء بيت روحاني، وكهنوت مقدس” (1 بط 2: 15). فهم، بالمعمودية، يشتركون في كهنوت المسيح ورسالته النبوية والملكية؛ انهم “ذرية مختارة وكهنوت ملكي، وامه مقدسة وشعب اصطفاه الله للاشادة بايات من دعاهم من الظلمات إلى نوره العجيب” (1 بط 2: 9). المعمودية تخولنا نصيبا في كهنوت المؤمنين العام.

1269- المعمد الذي صار عضوا في الكنيسة لم يعد ملك ذاته ، بل ملك من مات وقام لاجلنا . وبالتالي فهو مدعوا إلى ان يخضع للاخرين ، ويخدمهم في شركة الكنيسة وان “يطيع” رؤساء الكنيسة “ويخضع ” لهم ، وان يمحضهم الاحترام والمحبة . وكما ان المعمودية هي مصدر مسؤوليات وواجبات، فالمعمد يتمتع ايضا بحقوق في حضن الكنيسة: ان ينال الاسرار ويغتذي بكلمة الله ويجد دعما في ما تقدمه الكنيسة من رفود روحية اخرى .

1270- “على (المعمدين)الذين اضحوا ابناء الله بالولادة الجديدة (أي المعمودية)ان يعترفوا امام الناس بالايمان الذي تلقوه من الله بواسطة الكنيسة” ، ويشتركوا في النشاط الرسولي والرسالي الذي يضطلع به شعب الله .

المعمودية رباط الوحدة الاسراري بين المسيحيين

1271- المعمودية هي الاساس الذي تقوم عليه الشركة بين جميع المسيحيين، وايضا مع الذين ليسوا بعد في شركة كاملة مع الكنيسة الكاثوليكية:” ان الذين يؤمنون بالمسيح وقبلوا قبولا صحيحا،هم على الشركة، وان غير كاملة، مع الكنيسة الكاثوليكية (…)وبما انهم برروا بالايمان الذي نالوه في المعمودية، وصاروا به اعضاء في جسد المسيح ، فانهم بحق يحملون الاسم المسيحي، وبحق يرى فيهم ابناء الكنيسة الكاثوليكية اخوة في الرب” . “المعمودية هي اذن الرباط الاسراري للوحدة القائمة بين الذين ولدوا بها ثانية ” .

سمة روحية لا تمحى …

1272- المعمد الذي اندمج، بالمعمودية، في جسد المسيح، قد صار عل مثال صورة المسيح . فالمعمودية تختم المسيحي بختم روحي لا يمحي (الوسم)، يكرس انتماءه إلى المسيح. هذا الختم لا تمحوه خطيئة ايا كانت، حتى وان حجبت الخطيئة ثمارا لخلاص التي تؤتيتها المعمودية . ومن ثم، فالمعمودية تمنح مرة واحدة ولا تتكرر .

1273- ان المؤمنين، باندماجهم بالمعمودية في جسد الكنيسة، قد نالوا،بواسطة هذا السر، سمة التكرس للقيام بالعبادة الدينية المسيحية . هذه السمة تمكن المسيحيين من التجند لخدمة الله في مشاركة حية في ليترجيا الكنيسة المقدسة ومن ممارسة كهنوتهم العمادي بشهادة سيرة مقدسة ومحبة فاعلة .

1274- “ختم الرب” هو السمة التي وسمنا بها الروح القدس “ليوم الفداء” (اف 4: 30) . “فالمعمودية هي ختم الحياة الابدية” ، والمؤمن الذي “يحفظ الختم” سالما حتى النهاية، أي الذي يظل وفيا لمقتضيات معموديته، بوسعه ان يحيا، “موسوما بوسم الايمان” ، أي بايمان معموديته، بانتظار رؤية الله السعيدة- وهي خاتمة الايمان- وفي رجاء القيامة .

بايجاز

1275- المدخل إلى الحياة المسيحية يتم بمجموع الاسرار الثلاثة: المعمودية وهي بدء الحياة الجديدة، والتثبيت وهو دعامتها، والافخارستيا التي تغذي التلميذ من جسد المسيح ودمه لكي يتحول اليه .

1276- “اذهبوا وتلمذوا جميع الامم وعمدوهم باسم الاب والابن والروح القدس، وعلموهم ان يحفظوا كل ما اوصيتكم به” (متى 28: 19-20).

1277- المعمودية هي الولادة للحياة الجديدة في المسيح . وهي، بمقتضى ارادة الرب، ضرورية للخلاص، كالكنيسة نفسها التي مدخلها المعمودية .

1278- الطقس الاساسي في المعمودية هو تغطيس المعتمد في الماء او صب الماء على راسه، مع استدعاء الثالوث الاقدس، الاب والابن والروح القدس.

1279- ثمرة المعمودية او نعمة المعمودية هي حقيقة غنية، من مفاعليها : محو الخطيئة الاصلية وكل الخطايا الفردية؛ الولادة للحياة الجديدة التي تصير الانسان ابنا لله بالتبني، وعضوا في جسد المسيح، وهيكلا للروح القدس. وبالفعل نفسه يصبح المعمد عضوا في الكنيسة ، جسد المسيح، وشريكا في كهنوت المسيح .

1280- المعمودية تختم النفس بختم روحي لا يبلى، ووسم يكرس المعمد للقيام بشعائر العبادة المسيحية . وبسبب هذا الوسم، لا يجوز تكرار المعمودية .

1281- الذين يموتون في سبيل الايمان، والموعوظون وكل الذين بدافع النعمة، يلتمسون الله باخلاص ويجدون في تحقيق ارادته، من غير ان يعرفوا الكنيسة، يمكن ان يخلصوا وان لم يحظوا بالمعمودية .

1282- منذ اقدم العهود، تمنح المعمودية للاطفال،لان المعمودية نعمة وعطية من الله لا تفترضان استحقاقات بشرية؛ الاطفال يعمدون في ايمان الكنيسة. ودخول الحياة المسيحية يجعل الحرية الحقيقة في متناول الانسان .

1283- واما في شان الاولاد الذين يموتون بلا معمودية، فليترجيا الكنيسة تدعونا إلى الثقة بالرحمة الالهية، والى الصلاة لاجل خلاصهم.

1284- في حال الضرورة يجوز لكل انسان ان يمنح المعمودية، بشرط ان ينوي القيام بما تقوم به الكنيسة، ويصب الماء على راس المعتمد، قائلا :” اعمدك باسم الاب والابن والروح القدس” .