القديس إيرونيموس الكاهن ومعلم الكنيسة

st-jerome

القديس إيرونيموس الكاهن ومعلم الكنيسة

          ولد في بلاد الدَلْمات في نحو 340. تلقى علومه في روما، وفيها قبل سر المعمودية. اعتنق حياةَ النسك، فجاء إلى الشرق حيث سيم كاهنا. عاد إلى روما وكان أمينَ سرِّ البابا دامزس. وفي روما بدأ ترجمة الكتاب المقدس إلى اللغة اللاتينية، وفي روما شجع الحياة الرهبانية. استقر أخيرا في بيت لحم حيث شارك في حياة الكنيسة والصعوبات التي تعرضت لها. له مؤلفات كثيرة، ولا سيما كتب في تفسير الكتاب المقدس. توفي في بيت لحم عام 420.


من مقدمة كتاب التفسير لكتاب أشعيا النبي للقديس إيرونيموس الكاهن

(رقم 1 و2: CCL 73، 1-3)

الجهل بالكتاب المقدس هو الجهل بالمسيح

          إنِّي أرُدُّ مَا أنَا مَدِينٌ به، وأُطيعُ أوامرَ المسيحِ القائل: “تَتَصَفٌحٌونَ الكُتُبَ” (يوحنا 5: 39)، وقولَه الآخر: “اطلُبُوا تَجِدُوا” (متى 7: 7)، لكي لا أسمَعَ ما سمِعَه اليهودُ يومًا: “أنتُم فِي ضَلالٍ لأنَّكُم لا تَعرِفُونَ الكُتُبَ وَلا قُدرَةَ الله” (متى 22: 29). إن كانَ المسيحُ، بحسبِ قولِ بولسَ الرسولِ، قدرةَ الله وحكمةَ الله، فمَن لا يعرفُ الكتُبَ المقدَّسَةَ لا يَعرِفُ قدرتَه ولا حكمتَه.  الجهلُ بالكتابِ المقدَّسِ هو الجهلُ بالمسيحِ.

          ولهذا سأقتدي بربِّ العائلةِ الذي يخُرِجُ من كنوزِه جُدُدًا وعُتُقًا، وبالعروسِ القائلِ في نشيدِ الأناشيدِ: ” الأشياءُ الحديثةُ والقديمةُ لكَ ادَّخرْتُها، يا أُخَيَّ” (ر. نشيد 7: 14). فسأقدِّمُ أشعيا ليس فقط مثلَ نبيٍّ، بل مثلَ إنجيليٍّ ورسولٍ. قالَ هو عن نفسِه وعن سائرِ الإنجيليّين: “مَا أجمَلَ عَلَى الجِبَالِ أقدَامَ المُبَشِّرِينَ، المبشِّرِين بالسَّلام” (ر. أشعيا 52: 7). وقد خاطبَه اللهُ كما يخاطِبُ الرسولَ: “مَن أُرسِلُ، وَمَن ينطلقُ إلى هذا الشعبِ؟”، فأجابَ: “هاءنذا، فأَرسِلْني” (ر. أشعيا 6: 8).

          ولا يحسَبَنَّ أحدٌ أنِّي أريدُ أن أتكلَّمَ بإيجازٍ على ما في هذا الكتابِ، فهو يحتوي جميعَ أسرارِ الله. إنَّه يتكلَّمُ على عِمَّانوئيل المولودِ من البتولِ، والذي سيصنعُ الآياتِ والأعمالَ العجيبةَ، ثم يموتُ ويُدفَنُ، ويقومُ من مثوى الأمواتِ، فيَعرِفُه الجميعُ مخلِّصًا لجميعِ الشعوبِ. وماذا عن الفيزياءِ والأخلاقِ والمنطقِ؟ كلُّ ما في الكتُبِ المقدَّسةِ، كلُّ ما يستطيعُ لسانُ بشرٍ أن يَنطِقَ به، وكلُّ ما يمكنُ أن يُدرِكَه روحُ الإنسان، موجودٌ في هذه الكتبِ. وفي الأسرارِ التي يتضمَّنُها يَشهَدُ من كَتَب: “صَارَتْ لَكُم جَمِيعُ الرُّؤَى كَأقوَالِ كِتَابٍ مَختُومٍ يُنَاوِلُونَهُ لِمَن يَعرِفُ القِرَاءةَ قَائِلِينَ: اقرَأْ هَذَا. فَيَقُولُ: لا أستَطِيعُ لأنَّهُ مَختُومٌ. ثُمَّ يُنَاوِلُ الكِتَابَ لِمَن لا يَعرِفُ القِرَاءةَ، وَيُقَالُ لَهُ: اقرَأْ هَذَا. فَيَقُولُ: لا أعرِفُ القِرَاءةَ” (أشعيا 29: 11- 12).

          فإذا بدَا ذلكَ لأحدٍ أنَّه ضعفٌ، فَلْيَسمَعْ ما يقولُ بولسُ الرسولُ: “أمَّا الأنبِيَاءُ فَلْيَتَكَلَّمْ مِنهُم اثنَانِ أو ثَلاثَة، وَلْيَحكُمِ الآخَرُونَ. وَإن أُوحِيَ إلَى غَيرِهِم مِن الحَاضِرِينَ فَلْيَصمُتِ المُتَكَلِّمُ” (1 قورنتس 14: 29- 30). لأيِّ سببٍ يمكنٌ أن يصمُتَ؟ إنَّ الروحَ هو الذي يتكلَّمُ بالأنبياءِ، وهو الذي يصمُتُ أو يَنطِقُ. وإذا فَهِموا ما يقولون، وجدوا كلَّ شيءٍ  مملوءا بالحكمةِ والفَهم. فليسَ ضجيجًا مَا ما يصلُ إلى آذانِهم، بل اللهُ هو المتكلِّمُ في أذهانِ الأنبياءِ، بحسبِ ما قالَ النبي: “إنَّ ملاكًا كانَ يكلِّمُني” (ر. زكريا 1: 9)، وأيضًا: “الروحُ ينادي في قلوبِنا: أبًا، أيُّها الآب” (ر. غلاطية 4: 6)، وأيضًا: إنِّي أسمَعُ مَا يَتَكَلَّمُ بِهِ الله” (مزمور 84: 9).

Facebook
WhatsApp
Email