تعتبر التنشئة الكهنوتية مسيرة واحدة متواصلة لتكوين التلميذ الرسول. وتشمل الأبعاد الأساسية: الإنسانية والروحية والأكاديمية والرعوية والليتورجية، بهدف تكوين قلب كهنوتي. ويتم ذلك من خلال مسيرة طويلة وعمل دؤوب وانفتاح على الروح القدس. تتألف مسيرة الطالب الإكليريكي في الاكليريكية الكبرى من أربعة مراحل:
1) المرحلة الأولى: سنة الروحانيات (تمييز الدعوة)
تعتبر هذه السنة هي بوابة الدخول في حياة الاكليريكية الكبرى والشروع في مغامرة الحب مع الرب في الدعوة الكهنوتية. هي سنة للسير في العمق والقاء الشباك للصيد (لوقا 4:5)، هي سنة التخلّي عن كل ما هو خارجي والدخول أكثر إلى عمق أعماق الذات، بهدف تمييز واكتشاف الدعوة للسير في ضوء العلاقة مع الرب نحو الكهنوت المقدس. بالإضافة إلى المسيرة الروحية، يقدم المعهد الإكليريكي لطلاب سنة الروحانيات برنامج متكامل يشمل التنشئة الإنسانية والثقافية والعلمية، وحب الخدمة وروح المبادرة، والتعرف على روحانية الأماكن المقدسة، وزيارة رعايا الأبرشية.
2) مرحلة الدروس الفلسفية (تكوين التلميذ)
هي مرحلة التعلم في مدرسة يسوع. التلميذ هو المدعو من الرب ليكون معه (مر 3: 14)، ليتبعه ويكون رسولا للإنجيل. هو من يتعلم يوميا أسرار ملكوت الله في علاقة حميمة مع يسوع. في هذه المرحلة يتم التركيز على التنشئة الإنسانية. فالشخصية غير المتزنة تشكل عائقا خطيرا أمام متابعة مسيرة التنشئة. لذلك فعلى الإكليريكي التعود على تهذيب الطباع والتحلي بتواضع النفس واكتساب الفضائل الإنسانية: كالصدق والاهتمام المستمر بالعدالة والشفافية والأمانة للالتزامات والتصرفات المهذبة والكلام المحبب والمحتشم … كما يتم التركيز على التنشئة العقلية من خلال الدروس الفلسفية حيث يكتسب الإكليريكي المنطق السليم والتمييز الواضح والحكمة في تقييم الأمور والاحداث والقضايا الإنسانية. والإكليريكي في هذه المرحلة مدعو لممارسة الرياضة والتمارين الجسدية والتربية على نمط متوازن في العيش. إن عملية التنشئة هذه تهدف إلى تربية الانسان على الحرية الحقيقية وعلى معرفة الذات والتحكم بالتصرفات، كما تساعده على أن يتخطى كل أنواع الفردية وأن يتمكن بصدق من بذل النفس للتكريس بسخاء لخدمة الآخرين.
3) مرحلة الدروس اللاهوتية (التماهي مع المسيح)
يتطلب هذا التماهي التأمل العميق بشخص يسوع المسيح، وجعل العلاقة معه شخصية وأكثر حميمية للتعرف على الهوية الكهنوتية وتبنيها. لذلك تشدد هذه المرحلة على التنشئة الروحية الخاصة بالكاهن، حيث يبث التشبه التدريجي بالمسيح في حياة التلميذ مشاعر ابن الله وتصرفاته واكتساب حياة كهنوتية راغبة في بذل الذات وخدمة البشارة.
تتيح هذه المرحلة الفرصة للتشبه التدريجي بملامح الراعي الصالح الذي يعرف خرافه ويبذل حياته لأجلها ويبحث عن تلك التي هي خارج الحظيرة (يو 10). كما يبين أن مضمون هذه المرحلة متطلب بحد ذاته وصعب: هناك الصليب وهناك أيضا القيامة. وهذه المرحلة تفرض أيضا التزاما راسخا وشخصيا وثابتا في عيش الفضائل الإنسانية والفضائل اللاهوتية والمشورات الانجيلية، والطواعية لعمل الله عبر مواهب الروح القدس ضمن رؤية كهنوتية ورسولية حقيقية.
تدعو مرحلة التماهي مع المسيح إلى السهر على تأمين تفاعل متناغم وخصب بين النضج الروحي والنضج الإنساني، وبين حياة الصلاة واكتساب اللاهوت. وتشدد على اكتساب روحانية الكاهن الابرشي التي تقوم على بذل الذات وبالشراكة مع الاسقف والكهنة. كما أن العطية الكهنوتية تشمل أيضا الكنيسة الجامعة وانفتاح الرسالة على كل البشر.
4) المرحلة الرعائية (مرحلة خلاصة الدعوة)
تتم الرسامة الشماسية في هذه المرحلة ولها هدف مزدوج: الانخراط في الحياة الرعوية مع تحمل مسؤوليات أكبر في روح الخدمة، والاستعداد المناسب للكهنوت المقدس. وفي هذه المرحلة الحاسمة في حياة الاكليريكية يدعى المرشح أن يعلن اعلانا حرا واعيا ونهائيا في أن يصير كاهنا.