قد تبدو الحياة في الإكليريكيّة صعبة ومعقّدة وغريبة عن واقع الحياة اليوميّة التي يعيشها الشباب في عالم اليوم؛ فما من أحد يودّ العيش في نظام مُقيّد أو في برنامج روتينيّ يوميّ يبدو للوهلة الأولى مملاً. لا يمكننا أن ننكر بأن النظام اليوميّ، والأوقات المنتظمة، وتحديد مواعيد الاستيقاظ والنوم، أمرٌ صعب، لا بل يبدو مستحيلاً في عالم تسوده الفوضى وعدم الاتزان. إلا أن هذا البرنامج في روحِه وأهدافِه، يسمو فوق كلّ الأمور التي تبدو غريبة، لا بل ويحقق قول الكتاب المقدّس في سفر الجامعة، «لكل أمر أوان، ولكلّ غَرَضٍ تحتَ السَّماءِ وَقت» (الجامعة 3: 1).
يدور البرنامج اليوميّ لحياة الإكليريكيّ حول قطبين أساسيين: حياة الصلاة وحياة الجماعة. وكلّ منهما لا يقلّ قيمة عن الآخر؛ فالصلاة إن لم تتحول إلى أفعال في الحياة تغدو فارغة، وإن لم تكن حياة الجماعة مبنيّة على علاقة روحيّة عميقة مع الله، تغدو هذه العلاقات كبيت بُنيَ على الرّمل، يزول عند أول ريح عاصفة.
في القطب الأول: حياة الصلاة، يؤمّن البرنامج اليوميّ محطّتين أساسيّتين: فترة الصباح وفترة المساء، بالإضافة إلى أوقات الصلاة الفرديّة. تشمل صلاة الصباح اليوميّة صلاة الساعات والقدّاس الإلهي: القوت اليوميّ لكلّ إكليريكيّ. أما صلاة المساء، فتشمل أيضاً صلاة الساعات، والتأمل بالإنجيل اليوميّ وصلاة السبحة الورديّة. تُعتبر الصلوات الجماعيّة وقوداً للحياة الروحية، وداعماً كبيراً للصلوات الفرديّة التي يصلّيها كلّ إكليريكيّ في الفترة التي تُناسب برنامجه الفرديّ.
أما القطب الثاني: حياة الجماعة، التي تُعتبر جزءاً لا يتجزّأ من حياة كلّ إكليريكيّ. فهي الميدان الذي يمارس فيه كلّ إكليريكيّ الفضائل والمواهب التي أُعطيت له من الله، والتي تُعتبر أيضاً في نفس الوقت ميدانَ تدريبٍ واختبار حقيقي وعلى أرض الواقع. فحياة الجماعة تُعتبَرُ تحدياًّ وحافزاً كبيراً لكلّ إكليريكيّ كيّ يتقدّم ويتطوّر في مهاراته الإنسانية، التي تساعده فيما بعد لأن يبني علاقات صحيّة مع إخوته الكهنة في المستقبل، ومع أبناء رعيّته، وجميع الذي يخدمهم.
تشدد الوثيقة الكنسية، “عطية الدعوة الكهنوتية” لعام 2016م، على أهمية الحياة الجماعية في مسيرة التنشئة الكهنوتية فتقول:
إن الحياة الجماعية في الإكليريكية هي الاطار الأنسب للتنشئة على الأخوة الكهنوتية الحقيقية، وهي المكان الخاص الذي تتفاعل فيه أبعاد التنشئة الأربعة: الإنسانية والروحية والفكرية والرعوية، في جو من التناغم والانسجام. فيما يخص التنشئة الجماعية، وفي سبيل خلق فرص أكبر للتعرف على الطلاب، ينبغي اعارة أهمية خاصة للوسائل التربوية، كالمناقشة الحرة الشفافة، ومشاركة الخبرات، ومراجعة الحياة، والإصلاح الاخوي والحياة الجماعية المنظمة.