التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية المقدسة
الجزء الثالث
الحياة في المسيح
1691- “ايها المسيحي، اعرف كرامتك. وبما انك الان شريك في الطبيعة الالهية، فلا تنحط بعودتك إلى دناءة حياتك الماضية. تذكر إلى أي رأس تنتمي وفي أي جسم انت عضو. تذكر انك انتزعت من سلطان الظلمات لتنقل إلى النور وملكوت الله” .
1692- لقد اعلن قانون الايمان عظمة عطايا الله للانسان في عمل خلقه، واكثر ايضا بالفداء والتقديس. وما يعلنه الايمان توليه الاسرار: ان المسيحيين “بالاسرار التي جددت ولادتهم” قد اصبحوا “ابناء الله” ( 1 يو 3: 1) ، “شركاء في الطبيعة الالهية” ( 2 بط 1 :4). واذ يعلم المسيحيون بايمانهم كرامتهم الجديدة، فهم مدعوون إلى ان يحيوا بعد ذلك حياة تليق بانجيل المسيح . وهم يقبلون، بالاسرار والصلاة، نعمة المسيح ومواهب روحه التي تؤهلهم لها.
1693- لقد عمل المسيح يسوع دوما ما يرضي الاب . وعاش دوما باتحاد كامل معه. وتلاميذه هم كذلك مدعوون إلى ان يعيشوا تحت نظر الاب ” الذي يرى في الخفية” (متى 6:6) حتى يصيروا “كاملين كما ان الاب السماوي هو كامل” (متى 5: 47).
1694- ان المسيحيين، وقد ضموا بالمعمودية إلى جسد المسيح ، هم اموات للخطيئة، احياء لله في المسيح يسوع ، ومشاركون هكذا في حياة القائم من الموت . ويستطيع المسيحيون، على اثار المسيح وبالاتحاد معه ، ان يسعوا إلى الاقتداء بالله كأولاد احباء، وان يسلكوا في المحبة ، مطابقين افكارهم واقوالهم وافعالهم على ما في المسيح يسوع من اخلاق ومقتفين اثاره .
1695- والمسيحيون قد اصبحوا “هيكل الروح القدس” (1 كو 6: 19)، بعد ان “برروا باسم الرب يسوع المسيح وبروح الهنا” ( 1كو 6: 11)، وقدسوا ودعوا ليكونوا قديسين . و “روح الابن” هذا يعلمهم ان يصلوا إلى الاب ، ويحملهم ، بعد ان اصبح حياتهم، على ان يسعوا ليثمروا ثمار الروح بالمحبة الفاعلة . والروح القدس الشافي من جروح الخطيئة يجددنا في الصميم بتغيير روحي، وينيرنا ويقوينا لنحيا حياة “ابناء النور” (أف 5: 8) “بالصلاح والبر والحق” في كل شيء (أف 5: 9).
1696- طريق المسيح “تؤدي إلى الحياة” (متى 7: 14)، والطريق المخالفة “تؤدي إلى الهلاك” (متى 7: 13) . ان مثل الطريقين الوارد في الانجيل ما زال قائما في تعليم الكنيسة. وهو يعني اهمية القرارات الاخلاقية لخلاصنا. “هناك طريقان، واحدهما طريق الحياة والاخر طريق الموت. ولكن بين الاثنين فارقا كبيرا” .
1697- من المهم في التعليم الديني ان نظهر بكل وضوح ما في طريق المسيح من فرح وما له من تطلبات. فالتعليم الديني في شأن “الحياة الجديدة” (رو 6: 4) في المسيح يكون :
– تعليما في شأن الروح القدس، المعلم الداخلي للحياة بحسب المسيح، والضيف والصديق اللطيف الذي يلهم تلك الحياة ويقودها، ويصلحها ، ويؤيّدها؛
– تعليما في شأن النعمة، لاننا بالنعمة نخلص، وبالنعمة ايضا يمكن اعمالنا ان تؤتي ثمارا للحياة الابدية؛
– تعلميا في شأن التطويبات، لان طريق المسيح تختصرها التطويبات، وهي السبيل الوحيد إلى السعادة الابدية التي يصبو اليها قلب الانسان؛
– تعليما في شأن الخطيئة والمغفرة ، لان الانسان، ما لم يعترف بأنه خاطىء، لا يستطيع ان يعرف الحقيقة عن ذاته، وهي شرط للسلوك الصحيح، وما لم يعط المغفرة لا يستطيع احتمال تلك الحقيقة .
– وتعليما في شأن الفضائل الانسانية يمكن من ادراك ما في الاستعدادات الصحيحة للخير من جمال واغراء.
– وتعليما في شان الفضائل المسيحية، الايمان والرجاء والمحبة، مستوحى بعظمة من مثال القديسين .
– وتعليما في شأن وصية المحبة المزدوجة المنتشرة في تضاعيف الوصايا العشر.
– وتعليما كنسيا، فالحياة المسيحية انما يستطيع ان تنمو وتنتشر وتمتد في التبادلات المتعددة “للخيور الروحية” في “شركة القديسين” .
1698- المرجع الاول والاخير لهذا التعليم الديني سيكون على الدوام يسوع المسيح نفسه الذي هو “الطريق والحق والحياة” (يو 14: 6). فبالقاء النظر عليه، يستطيع المؤمنون بالمسيح ان يرجوا انه سيحقق هو نفسه مواعيده فيهم، وانهم سيحبونه بالمحبة التي احبهم هو بها، بحيث يصنعون الاعمال المناسبة لكرامتهم :
” ارجوك ان تعتبر ان سيدنا يسوع المسيح هو رأسك الحقيقي، وانك احد اعضائه. … انه بالنسبة اليك كالرأس بالنسبة إلى الاعضاء؛ كل ما هو له هو لك، روحه، قلبه، جسده، نفسه، وكل قواه … ، وينبغي لك ان تستخدمه كأمور خاصة بك لتخدم الله وتسبحه وتمجده. وانت له كما ان الاعضاء هي لرأسها. لذلك منيتة الحارة ان يستخدم ما هو فيك، كأشياء خاصة به، لخدمة ابيه ومجده” .
“الحياة لي هي المسيح” (في 1 : 21).
القسم الاول
دعوة الانسان : الحياة في الروح
1699- الحياة في الروح القدس تكمل دعوة الانسان (الفصل الاول).وهي تقوم على المحبة الالهية والتضامن البشري (الفصل الثاني).وهي ممنوحة مجانا بمثابة خلاص (الفصل الثالث).
الفصل الأول
كرامة الشخص البشري
1700- كرامة الشخص البشري متأصلة في خلقه على صورة الله ومثاله (المقال الأول). وهي تكتمل في دعوته الى السعادة الالهية(المقال الثاني). ويعود الى الانسان أمر حمل نفسه بحرية على هذا الاكتمال (المقال الثالث). والشخص البشري، بأفعاله الحرة (المقال الرابع)، يقبل أو يرفض الامتثال للخير الذي يعد به الله ويشهد به الضمير الأخلاقي (المقال الخامس). والكائنات البشرية تبني نفسها وتكبر من الداخل، وتجعل حياتها كلها، الحسية والروحية، مادة نموها (المقال السادس). فتنمو بمؤازرة النعمة، في الفضيلة (المقال السابع). وتتجنب الخطيئة، واذا ما ارتكبتها فوضت أمرها، كالابن الشاطر ، الى رحمة أبينا الذي في السماوات (المقال الثامن). فتبلغ هكذا الى كمال المحبة.
المقال الأول
الإنسان على صورة الله
1701- “ان المسيح في كشفه عن سر الاب ومحبته يبين للاسنسان حقيقة الانسان في وضوح، ويكشف له عن سمو دعوته” . ففي المسيح “صورة الله غير المنظور” (كو 15:1) ، خلق الانسان على “صورة” الخالق و “مثاله”. وفي المسيح الفادي والمخلص، أعيدت الصورة الالهية التي شوهت في الانسان بالخطيئة الأولى ، الى جمالها الاول وشرفت بنعمة الله .
1702- صورة الله حاضرة في كل انسان. وهي تتألق في وحدة الاشخاص على مثال وحدة الأقانيم الالهية في ما بينها (راجع الفصل الثاني).
1703- الشخص البشري، الذي منح نفسا “روحانية خالدة” ، هو “الخليقة الوحيدة التي أرادها الله لذاتها على الارض” . وهو منذ الحبل به معد للسعادة الأبدية.
1704- يشترك الشخص البشري في نور الروح القدس الالهي وقوته، وهو قادر بعقله ان يفهم نطام الاشياء الذي أقامه الخالق. وهو قادر بارادته ان يحمل نفسه نحو خيره الحقيقي. وهو يجد كماله في “السعي الى الحق والخير وفي حبهما” .
1705- لقد منح الانسان بمقتضى نفسه وقواه الروحية العقلية والارادية، الحرية “علامة مميزة لصورة الله” .
1706- يدرك الانسان بعقله صوت الله الذي يحضه “على فعل الخير وتجنب الشر” . وعلى كل واحد أن يتبع هذه الشريعة التي تسمع صوتها في الضمير ، وتكتمل في محبة الله والقريب. وممارسة الحياة الاخلاقية تدل على كرامة الشخص.
1707- “أغوى الشرير الانسان منذ بدء التاريخ فأساء استعمال حريته” . وسقط في التجربة وارتكب الشر. انه يحتفظ بالرغبة في الخير، ولكن طبيعته مجروحة بجرح الخطيئة الاصلية، فأصبح ميالا الى الشر، ومعرضا للضلال:
“فالانسان يعاني من انقسام في ذاته. ولهذا فحياة البشر كلها سواء كانت فردية أو جماعية، تبدو صراعا، وصراعا مأسويا ، بين الخير والشر، بين النور والظلمات” .
1708- لقد أنقذنا المسيح بالامه من الشيطان والخطيئة، واستحق لنا الحياة الجديدة في الروح القدس. وجددت نعمته ما أفسدته الخطيئة فينا.
1709- من يؤمن بالمسيح يصبح ابنا لله . وهذا التبني يغيره بتمكينه من الاقتداء بمثل المسيح ، ويجعله قادرا على الاستقامة في الفعل وعلى ممارسة الخير. ويبلغ التلميذ في اتحاده بمخلصه كمال المحبة أي القداسة. فتنضج الحياة الاخلاقية في النعمة وتتفتح حياة أبدية في مجد السماء.
بإيجاز
1710- “ان المسيح يبين للانسان حقيقة الانسان في وضوح، ويكشف له عن سمو دعوته” .
1711- الشخص البشري الذي منح نفسا روحانية وعقلا وارادة هو منذ الحبل به مهيأ لله ومعد للسعادة الابدية. وهو ينطلق الى كماله في “السعي الى الحق والخير وفي حبهما ” .
1712- الحرية الحقيقية هي، في الانسان، “العلامة المميزة لصورة الله” .
1713- الانسان ملزم باتباع الشريعة الأخلاقية التي تحضه على “فعل الخير وتجنب الشر” . وهذه الشريعة تسمع صوتها في الضمير.
1714- الانسان الذي جرحته الخطيئة الأصلية بجرح في طبيعته، معرض للضلال وميال الى الشر في ممارسة حريته.
1715- من يؤمن بالمسيح له الحياة الجديدة في الروح القدس. والحياة الأخلاقية التي تكبر وتنضج في النعمة لا بد من أن تكتمل في مجد السماء.
المقال الثاني
دعوتنا الى السعادة
1. التطويبات
1716- التطويبات هي في القلب من كرازة يسوع. واعلانها يعيد ما قطع من مواعيد للشعب المختار منذ ابراهيم، ويكملها بيتوجيهها لا الى التمتع بالارض فحسب بل الى ملكوت السماوات:
“طوبى للمساكين بالروح، فان لهم ملكوت السماوات.
طوبى للودعاء، فانهم يرثون الارض.
طوبى للحزانى، فانهم يعزون.
طوبى للجياع والعطاش الى البر، فانهم يشبعون.
طوبى للرحماء، فانهم يرحمون.
طوبى لأنقياء القلوب، فانهم يعاينون الله.
طوبى لفاعلي السلام، فانهم يدعون أبناء الله.
طوبى للمضطهدين من أجل البر، فان لهم ملكوت السماوات.
طوبى لكم، اذا عيروكم، واضطهدوكم، وافتروا عليكم بكل سوء، من أجلي.
افرحوا وابتهجوا، فان أجركم عظيم في السماوات” (متى 3:5-12).
1717- ان التطويبات ترسم وجه يسوع المسيح وتصف محبته، وتعبر عن دعوة المؤمنين المشتركين في مجد الامه وقيامته. وتنير الأفعال والمواقف التي تميز الحياة المسيحية. انها المواعيد البادية التناقض التي تدعم الرجاء في المضايق. وهي تعلن ما يحصل عليه التلاميذ من الان بصورة غامضة من البركات والمكافات. وهي قد بدأت في حياة العذراء مريم وجميع القديسين.
2. الرغبة في السعادة
1718- التطويبات تلبي الرغبة الطبيعية في السعادة. وهذه الرغبة هي من أصل الهي، وضعها الله في قلب الانسان ليجتذبه اليه، هو القادر وحده على اشباعها.
“كلنا نريد بلا ريب أن نعيش سعداء، وليس في الجنس البشري من لا يوافق على هذه العبارة حتى قبل أن تقال” .
“فكيف اذن أسعى اليك، يا رب؟ وبما انني في سعيي اليك، يا الهي، أسعى الى الحياة السعيدة، فاعمل على ان اسعى اليك حتى تحيا نفسي، لأن جسدي يحيا من نفسي ونفسي تحيال منك”
“الله وحده يُشبع” .
1719- التطويبات تكشف عن هدف الوجود الانساني، عن الغاية القصوى للاعمال الانسانية، وهي ان الله يدعونا الى سعادته الخاصة. وهذه الدعوة موجهة الى كل واحد شخصيا، ولكن ايضا الى الكنيسة في مجموعها، الشعب الجديد المؤلف من الذين تقبلوا الوعد ويحيون به في الايمان.
3. السعادة المسيحية
1720- يستعمل العهد الجديد تعابير عدة لاعطاء السعادة، التي يدعو الله الانسان اليها، طابعها المميز: مجيء ملكوت الله ، معاينة الله: “طوبى لانقياء القلوب فانهم يعاينون الله” (متى 5:8) ، الدخول في فرح الرب ، الدخول في راحة الله :
“هناك نستريح ونعاين، نعاين ونحب، نحب ونسبح. ذلك ما سيكون في النهاية بلا نهاية. وأية غاية أخرى تكون لنا سوى البلوغ الى الملكوت الذي لا نهاية له ؟ “
1721- فالله قد وضعنا في العالم لنعرفه، ونخدمه، ونحبه، ونبلغ هكذا الفردوس. والسعادة “تجعلنا مشاركين في الطبيعة الالهية” (2 بط 4:1) وفي الحياة الابدية .
بها يدخل الانسان في مجد المسيح والتمتع بحياة الثالوث.
1722- ان سعادة كهذه لمما يفوق الادراك والطاقات البشرية وحدها. فهي ناجمة عن عطية مجانية من الله. ولذا يقال عنها انها فائقة الطبيعة، كالنعمة التي تهيئ الانسان للدخول في التمتع بالله.
“طوبى لأنقياء القلوب فانهم يعاينون الله”. أجل ، ان الله بحسب عظمته ومجده الذي لا يوصف، “لا يراه أحد ويحيا”، لان الاب لا يمكن ادراكه؛ ولكنه بحسب محبته ورحمته للبشر وبحسب قدرته، يصل الى حد منح محبيه مزية معاينة الله(…) “لأن ما هو مستحيل عند الناس ممكن عند الله”
1723- ان السعادة الموعودة تضعنا أمام خيارات أخلاقية حاسمة. فهي تدعونا الى تنقية قلبنا من الغرائز الشريرة، والتماس محبة الله فوق كل شيء. وهي تعلمنا ان السعادة الحقيقية ليست في الغنى أو الرفاهية أو المجد البشري أو السلطة ، وليست في أي عمل بشري مهما كان مفيدا، من مثل العلوم والتقنيات والفنون، وليست في اية خليقة، وانما هي في الله وحده ينبوع كل خير وكل حب:
“ان الغنى في يومنا هو الاله الاكبر، وله يؤدي الجمهور بل كل الجماعة البشرية اكراما عفويا. انهم يقيسون السعادة بمقياس الغنى، وبمقياس الغنى ايضا يقيسون الكرامة. (…) ويتأتى ذلك كله من اعتقاد ان الانسان الحاصل على الغنى يقدر على كل شيء. فالغنى اذن هو صنم من اصنام اليوم، والشهرة صنم اخر (…). أن يشتهر الانسان، فيصبح معروفا، ويحدث ضجيجا في العالم(أي ما يمكن تسميته صيتا صحافيا) امر صار يعد خيرا في ذاته، خيرا اعظم ، وموضوع اجلال حقيقي هو أيضا .
1724- تصف لنا الوصايا العشر، والعظة على الجبل، وتعليم الرسل، السبل التي تؤدي الى ملكوت السماوات. ونسير عليها خطوة خطوة باعمال يومية، تساندنا نعمة الروح القدس. وتخصبنا كلمة المسيح، فتؤدي بتؤدة ثمارا في الكنيسة لمجد الله .
بإيجاز
1725- التطويبات تستعيد وتكمل وعود الله منذ ابراهيم، وتوجهها نحو ملكوت السماوات. وهي تلبي الرغبة في السعادة التي وضعها الله في قلب الانسان.
1726- التطويبات تعلمنا الغاية القصوى التي يدعونا الله اليها أي الملكوت
ورؤية الله، والمشاركة في الطبيعة الالهية، والحياة الابدية، والبنوة، والراحة في الله.
1727- سعادة الحياة الابدية عطية من الله مجانية وهي تفوق الطبيعة، كالنعمة التي تؤدي اليها.
1728- تضعنا التطويبات امام خيارات حاسمة في شأن الخيرات الارضية. وتنقي قلبنا لتعلمنا ان نحب الله اكثر من كل شيء .
1729- سعادة السماء تحدد مقاييس التمييز في استعمال الخيور الارضية بحسب شريعة الله.
المقال الثالث
حرية الانسان
1730- خلق الله الانسان عاقلا، ومنحه كرامة شخص يمتلك المبادرة وله السيطرة على أفعاله. “ترك الله الانسان في يد اختياره” (سي 15: 14)، “فيتمكن من ان يبحث هو بذاته عن خالقه، حتى اذا التصق به يبلغ بحريته كماله مليئا وسعيدا” .
“الانسان عاقل، وبذلك هو شبيه بالله، خلق حرا وسيد أفعاله” .
1. الحرية والمسؤولية
1731- الحرية هي القدرة، المتأصلة في العقل والارداة، على الفعل او عدمه، على فعل هذا او ذاك، وعلى القيام هكذا، من تلقاء الذات، بأفعال صادرة عن روية. وبالارادة الحرة يسير كل واحد نفسه. فالحرية في الانسان هي قدرة على النمو والنضج في الحقيقة وفي الخير. وهي تبلغ كمالها عندما تتوجه شطر الله، سعادتنا .
1732- طالما لم تلتصق الحرية نهائيا بخيرها الاقصى الذي هو الله، فهي تنطوي على امكان الاختيار بين الخير والشر. وبالتالي امكان النمو في الكمال، او الخور والخطأ. وهي من خصائص الافعال البشرية حقا، فتصبح مصدر مرح او ذم، ثواب او عقاب.
1733- كلما فعل الانسان خيرا ازداد حرية. وليس من حرية حقيقية الا في خدمة الخير والعدالة. واختيار المعصية والشر هو شطط في الحرية يعود إلى عبودية الخطيئة .
1734- الحرية تجعل الانسان مسؤولا عن أفعاله، ما دامت بارادته. وينمي التقدم في الفضيلة، ومعرفة الخير، والجهاد الروحي، سيطرة الارادة على أفعالها.
1735- قد تنقص او تبطل تبعة الفعل والمسؤولية عنه بسبب الجهل، والغفلة، والعنف، والخوف، والعادات، والتعلق المفرط، وعوامل نفسية او اجتماعية اخرى.
1736- كل عمل يراد لنفسه يسأل عنه صاحبه :
هكذا سأل الرب ادم بعد الخطيئة في الفردوس :” ماذا فعلت؟” (تك 3: 13). وكذلك سأل قايين وكذلك النبي ناتان سأل داود بعد ان زنى بامراة أوريا وقتله .
ويمكن ان يكون الفعل اراديا بوجه غير مباشر، عندما ينتج من اهمال في شأن ما كان يجب ان يعرف او يصنع، كمثل حادث يجري بسبب جهل قانون السير .
1737- قد يسمح الفاعل بحصول نتيجة لا يريدها، من مثل الاعياء الذي يصيب المراة الساهرة على ابنها المريض. وليس هناك من مسؤولية عن النتيجة السيئة اذا لم يردها الانسان في فعله غاية او وسيلة، كمثل من يحل به الموت وهو ينجد شخصا في خطر. لكي يكون الفاعل مسؤولا عن النتيجة السيئة، لا بد ان تكون هذه متوقعة، وان يكون هو قادرا على تجنبها. كما هي الحال عندما يرتكب جريمة قتل انسان سائق وهو سكران .
1738- تمارس الحرية في العلائق بين الكائنات البشرية. فكل شخص بشري مخلوق على صورة الله له الحق الطبيعي في ان يعترف به كائنا حرا ومسؤولا. وواجب الاحترام هذا واجب على الجميع لكل انسان. والحق في ممارسة الحرية مطلب ملازم لكرامة الشخص البشري، خصوصا في الشأنين الاخلاقي والديني . ولا بد للقانون المدني من الاعتراف به ومن صيانته في نطاق الخير العام والنظام العام .
2. الحرية البشرية في التدبير الخلاصي
1739- الحرية والخطيئة . حرية الانسان محدودة ومعرضة للزلل. وفي الواقع زل الانسان وخطىء حرا. وعندما رفض مشروع محبة الله، خدع نفسه واصبح عبدا للخطيئة . وولد هذا الاستلاب الاول استلابات اخرى كثيرة. ان تاريخ البشرية منذ بداياته، شاهد على ما أنتجه قلب الانسان من مصائب ومضايقات نجمت عن سوء استعمال الحرية .
1740- ما يهدد الحرية. ممارسة الحرية لا تتضمن الحق في ان نقول ونفعل كل شيء. ومن الخطأ الادعاء ان “الانسان الحائز الحرية يكتفي بذاته اذ تكون غايته ابتغاء مصلحته الذاتية في التمتع بالخيرات الارضية” . ومن جهة اخرى، هناك ، مرارا كثيرة، تجاهل وتعد للشروط الاقتصادية والاجتماعية، والسياسية والثقافية، المطلوبة لممارسة الحرية ممارسة صحيحة. وحالات العمى والجور تلك تنهك الحياة الاخلاقية، وتضع الاقوياء والضعفاء على السواء في تجربة الخطيئة، بالاساءة إلى المحبة. وبالابتعاد عن الشريعة الاخلاقية يضر الانسان بحريته، وبتقيد ذاته، ويقطع ما بينه نظرائه من علائق الاخوة، ويعصى الحقيقة الالهية .
1741- التحرر والخلاص. لقد نال المسيح بصليبه المجيد الخلاص لكل البشر. وفداهم من الخطيئة التي كانت تستعبدهم. “حررنا المسيح لكي ننعم بالحرية” (غل 5: 1). فيه نشترك في الحقيقة التي تجعلنا احرارا . لقد أعطينا الروح القدس، وكما يعلم الرسول “حيث يكون الروح فهناك الحرية” (2 كو 3: 17). ونحن منذ الان نفتخر بحرية ابناء الله .
1742- الحرية والنعمة. ان نعمة المسيح ليست على الاطلاق منافسة لحريتنا، عندما تتوافق هذه مع حس الحقيقة والخير الذي وضعه الله في قلب الانسان. وعلى العكس، كما تشهد بذلك الخبرة المسيحية في الصلاة على الخصوص، كلما طاوعنا حوافز النعمة، تعاظمت حريتنا الداخلية، وثباتنا في المحن وامام ضغوط العالم الخارجي ومضايقاته. وبفعل النعمة، يربينا الروح القدس على الحرية الروحية، ليصيرنا مساعدين له احرارا،في عمله في الكنيسة وفي العالم :
” ايها الالة الصالح القدير، ابعد عنا ما يعيقنا لنكون احرارا في اتمام مشيئتك دون قيد من الروح او الجسد” .
بايجاز
1743- “ترك الله الانسان في يد اختياره” (سي 15: 14)، ليستطيع ان يلتصق بخالقه بحرية، ويبلغ هكذا الكمال السعيد .
1744- الحرية هي القدرة على الفعل او عدمه، وعلى قيام الانسان من تلقاء ذاته بأفعال عن روية. وهي تبلغ كمال فعلها عندما تتوجه إلى الله الخير الاعظم .
1745- الحرية من خصائص الافعال البشرية حقا. فنجعل الكائن البشري مسؤولا عن الافعال التي يفعلها بارادته. والفعل الذي يفعله عن روية يخصه هو .
1746- قد تنقص او تبطل تبعه الفعل والمسؤولية عنه بسبب الجهل، والعنف، والخوف، وعوامل نفسية او اجتماعية اخرى .
1747- الحق في ممارسة الحرية مطلب ملازم لكرامة الانسان خصوصا في الشأنين الديني والاخلاقي. ولكن ممارسة الحرية لا تتضمن الحق المزعوم في ان نقول ونفعل كل شيء.
1748- “لقد حررنا المسيح لكي ننعم بالحرية ” (غل 5: 1).