التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية المقدسة
5. الذبيحة السرية : الشكر والذكر والحضور
1356- اذا اذا كان المسيحيون يحتفلون بالافخارستيا منذ العصور الاولى، وفي صيغة لم تتبدل، جوهريا، عبر مختلف الاجيال والليترجيات، فذلك لاننا نعلم اننا متقيدون بامر الرب الذي زودنا به عشية الامه: “اصنعوا هذا لذكري” ( 1 كو 24:11-25).
1357- امر الرب هذا ننفذه باحتفالنا بتذكار ذبيحته. ويعملنا هذا نقرب الى الاب
ما من، به علينا هو نفسه، من عطايا الخلق، أي الخبز والخمر المحولين بقدرة الروح القدس وبكلمات المسيح، الى جسد المسيح ودمه: بهذه الطريقة يضحي المسيح حاضرا حضورا حقيقيا وسريا.
1358- لا بد اذن من ان نعتبر الافخارستيا:
– صلاة شكر وحمد لله الاب
– تذكار ذبيحة المسيح وجسده
– حضور المسيح بقوة كلمته وروحه.
شكر الاب وحمده
1359- الافخارستيا هي سر خلاصنا الذي حققه المسيح على الصليب. وهي ايضا ذبيحة حمد نشكر فيها الله عمل الخلق. في الذبيحة الافخارستية، كل الخليقة التي يحبها الله تقرب الى الاب عبر موت المسيح وقيامته. بالمسيح تستطيع الكنيسة ان تقرب ذبيحة الحمد وتشكر لله كل ما صنعه من خير وجمال وبر في الخليقة وفي البشرية.
1360- الافخارستيا هي ذبيحة شكر للاب، وبركة بها تعرب الكنيسة عن امتنانها لكل افضالله وكل ما حققه لنا بالخلق والفداء والتقديس. الافخارستيا، في مفهومها الاول هي “شكر”.
1361- والافخارستعيا هي ايضا ذبيحة حمد، بها تشيد الكنيسة بمجد الله باسم الخليقة كلها. ذبيحة الحمد هذه لا تسوغ الا من خلال المسيح: فهو الذي يضم المؤمنين الى ذاته، ويشركهم في حمده وشفاعته، فلا تقرب ذبيحة الحمد للاب الا بالمسيح ومع المسيح ولا تقبل الا فيه.
ذبيحة المسيح وجسده، أي الكنيسة
1362- الافخارستيا هي تذكار فصح المسيح، بها تصبح ذبيحته الوحيدة فعلا حاضرا وتقدمة سرية في ليترجيا الكنيسة التي هي جسده. واننا نجد في كل الصلوات الافخارستية بعد كلمات التقديس، ما يسمى بصلاة الاستذكار او التذكار.
1363- في مفهوم الكتاب المقدس، ليس التذكار مجرد استعادة لاحداث الماضي، بل هو الاشادة بالعجائب التي صنعها الله للانام . ففي الاحتفال الليترجي بهذه الاحداث، تكتسي هذه الاحداث ، نوعا ما، طابع الحالية والواقعية: بهذه الطريقة يدرك الشعب الاسرائيلي انعتاقه من ارض مصر: فكل مرة يحتفل بالفصح، تمثل احداث خروجه من تلك الارض في ذاكرة المؤمنين ليطبقوا حياتهم عليها.
1364- واما في العهد الجديد فالتذكار يكتسب معنى جديدا. فعندما تحتفل الكنيسة بالافخارستيا، تتذكر فصح المسيح، ويصبح الفصح حقيقة ماثلة في الحاضر: ولا غرو، فالذبيحة التي قربها المسيح مرة واحدة على الصليب تظل ابدا ماثلة في الواقع
: “كل مرة تقام على المذبح ذبيحة الصليب التي ذبح بها المسيح فصحنا” ( 1 كو 7:5) يتم عمل افتدائنا” .
1365- ولان الافخارستيا هي تذكار فصح المسيح فهي ذبيحة ايضا. هذا الطابع القراباني، في الافخارستيا، يظهر في كلمات التاسيس نفسها: “هذا هو جسدي يبذل لاجلكم” و “هذه الكاس هي العهد الجديد بدمي الذي يراق لاجلكم” ( لو 19:22-20). في الافخارستيا يعطينا المسيح هذا الجسد عينه الذي بذله لاجلنا على الصليب، وهذا الدم عينه ” الذي اراقه من اجل جماعة الناس لغفران الخطايا” (متى 28:26).
1366- الافخارستيا هي اذن ذبيحة لانها تمثل ذبيحة الصليب (أي تجعلها ماثلة لدينا) ولانها تذكارها، وتؤتينا ثمرها:
ان المسيح “الهنا وربنا قرب ذاته لله الاب مرة واحدة، ومات شفيعا لنا على مذبح الصليب ليحقق (للناس) فداء ابديا. ولكن، ما دام موته لم يضع حدا لكهنوته (عب 24:7، 27)، فقد اراد ، في العشاء الاخير، في “الليلة التي اسلم فيها” ( 1 كو 23:11) ان يورث كنيسته، عروسه الحبيبة، ذبيحة مرئية (كما تتطلبها الطبيعة البشرية)، حيث تتمثل الذبيحة الدموية التي كان لا بد ان تتم مرة واحدة على الصليب، والتي سوف تظل ذكراها مستمرة حتى نهاية الدهور ( 1 كو 23:11)، ومفعولها الخلاصي جاريا لفداء الخطايا التي نقترفها كل يوم” .
1367- ذبيحة المسيح وذبيحة الافخارستيا هما ذبيحة واحدة:”انها نفس الضحية .والذي يقرب الان ذاته بواسطة الكهنة ،هو نفسه الذي قرب ذاته يوما على الصليب .طريقة التقريب وحدها تختلف” :”وبما انه، في هذه الذبيحة الالهية التي تتم في القداسة ،هذا المسيح نفسه الذي “قدم ذاته مرة بطريقة دموية”،على مذبح الصليب ،هو نفسه المتضمن والمقرب ضحية غير دموية[…]فهذه الذبيحة هي حقا ذبيحة تكفير عن الخطايا” .
1368-الافخارستيا هي ايضا ذبيحة الكنيسة .فالكنيسة ،جسد المسيح،تشترك في تقدمه هامتها،وتقترب ذاتها معه كاملة ،وتنضم الى المسيح شفيعا الى الاب لاجل جميع الناس.في الافخارستيا، تصبح ذبيحة المسيح ذبيحة اعضاء جسده.حياة المؤمنين وحمدهم وعذابهم وصلاتهم وشغلهم ،هذا كله ينضم الى المسيح والى تقدمته الكاملة ويكتسب هكذا قيمة جديدة .ذبيحة المسيح المائلة على الهيكل تمكن جميع الاجيال المسيحية من ان تنضم الى تقدمته.
في الذياميس، تمثل الكنيسة بشكل امراة تصلي وذراعاها منبسطتان انبساطة عريضة وضارعة.فكما بسط المسيح ذراعية على الصليب ،تقترب الكنيسة ذاتها به ومعه وفيه شافعة في جميع الناس.
1369-الكنيسة كلها تنضم الى تقدمه المسيح وشفاعته .ويشترك البابا الذي وكلت اليه مهمة بطرس في الكنيسة ،في كل احتفال بالليترجيا حيث يذكر بصفته خادم وحدة الكنيسة الجامعة .الاسقف المحلي هو الذي برعى دائما الافخارستيا ،حتى وان ترامها كاهن ،ويذكر فيها اسمه اشارة الى ترؤسه الكنيسة الخاصة ،وسط المصف الكهنوتي وبمعاونة الشمامسة.وتصلي الجماعة ايضا من اجل جميع الخدمة الذين يقربون الذبيحة الافخارستية لاجلها ومعها:
“لا تعتبر شرعية الا الافخارستيا التي يرئسها الاسقف او من وكل اليه ذلك” .ان ذبيحة المسيحيين الروحية تتم بعمل الكهنة متحدة بذبيحة المسيح، الوسيط الوحيد، وتقترب ، سريا لا دمويا، في الافخارستيا ،على يد الكهنة ، باسم الكنيسة كلها جمعاء،الى يوم مجيء الرب”
1370-ولا ينضم الى تقدمة المسيح الاعضاء الذين لا يزالون في هذه الدنيا وحسب، بل الذين دخلوا ايضا مجد السماء:فالكنيسة تقرب الذبيحة الافخارستية متحدة بالعذراء مريم الفائقة القداسة ومنوهة بذكراها ،ومنضمة الى جميع القديسين والقديسات.في الافخارستيا ،كما عند قدم الصليب ، تتحد الكنيسة مع مريم،في تقدمة المسيح وشفاعته.
1371-وتقرب الذبيحة الافخارستية ايضا من اجل الموتى المؤمنين “الذين رقدوا في المسيح ولم يحظوا بعد بملء الطهارة ليستطيعوا الولوج في نور المسيح وسلامه.
“ادفنوا هذا الجثمان اينما شئتم !ولا يعكرنكم ،في شانه ،أي هم!وكل ما اسالكم ان تذكروني عند مذبح الرب،اينما كنتم” .
“ثم اننا نصلي [في الانافورة]من اجل الاباء والاساقفة القديسين الراقدين، وبعامة من اجل جميع الذين رقدوا قلبنا ،معتقدين ان ذلك يعود بجزيل الفائدة على النفوس التي نرفع الابتهال لاجلها ،بينما تمثل امامنا الضحية المقدسة والرهيبة .(…)عندما نرفع الى الله ابتهالاتنا من اجل الذين رقدوا، وان خطاة ،انما(…)نقترب المسيح المذبوح بسبب خطايانا ،ونستعطف الله المحب البشر،لاجلنا” .
1372-لقد لخص القديس اوغسطينوس ،بطريقة رائعة، هذه العقيدة التي تحثنا على ان نشترك اشتراكا اكمل في ذبيحة فادينا التي تحتفل بها في الافخارستيا:
“هذه المدينة المفتداة برمتها،أي جماعة القديسين ومجتمعهم ،بقربها الى الله ذبيحة شاملة الكاهن الاعظم الذي اتخذ صورة عبد وذهب الى حد تقدمه ذاته في الامه لاجلنا ،ليجعلنا جسدا لاعظم راس.(…)تلك هي ذبيحة المسيحيين :”ان يكونوا ،في كثرتهم، جسدا واحدا في المسيح “(رو 12: 5).وهذه الذبيحة لا تني الكنيسة تجددها في سر المذبح الذي يعرفه المؤمنون حق المعرفة ،وحيث يتبين لها انها هي نفسها مقربة في شخص الذي تقربه” .
حضور المسيح بقوة كلمته وبقوة الروح القدس
1373-“المسيح يسوع الذي مات، ثم قام ،وهو الى يمين الله يشفع لنا”(رو8: 34)، لا ينفك حاضرا في كنيسته بوجوه كثيرة :في كلامه ،وفي الصلاة كنيسته،لانه حيثما اجتمع اثنان او ثلاثة باسمي ،فانا اكون هناك في وسطهم “(متى 18: 20)،وفي الفقراء والمرضى والمساجين وفي اسراره التي وضعها ،وفي ذبيحة القداس، وفي شخص خادم السر ،”وباعلى درجة ،في الاشكال الافخارستية” .
1374-طريقة حضور المسيح في الاشكال الافخارستية طريقة فريدة ،ترفع الافخارستيا فوق جميع الاسرار، وتجعل منها “كمال الحياة الروحية والغاية التي تهدف اليها جميع الاسرار” .فسر الافخارستيا الاقدس يحتوي حقا وحقيقيا وجوهريا جسد ربنا يسوع المسيح ودمه مع نفسه والوهيته،ومن ثم ،فهو يحتوي المسيح كله كاملا .”هذا الحضور يسمى “حقيقيا” ، لا بمعنى المنافاة ،كما لو كانت سائر اشكال حضوره غير “الحقيقية”،بل بمعنى التفوق ،لان حضور المسيح في الافخارستيا حضور جوهري ،وبه يكون المسيح الاله والانسان حاضرا كله كاملا”
1375-ويكون المسيح حاضرا في هذا السر، بتحول الخبز والخمر الى جسد المسيح ودمه.وقد اكد اباء الكنيسة تاكيدا حازما ايمان الكنيسة بفعل كلام المسيح وعمل الروح القدس ،في عملية التحويل هذه.وقد صرح القديس يوحنا الذهبي الفم بقوله :
“ليس الانسان هو الذي يحول القرابين الى جسد المسيح ودمه ،بل المسيح نفسه الذي صلب لاجلنا .الكاهن ،صورة المسيح، ينطق بهذه الكلمات ولكن الفعل والنعمة هما من الله.بقول :”هذا هو جسدي “.وهذه الكلمة تحول القرابين” .
ويقول القديس امبروسيوس في شان هذا التحول:
لنقتنع من ان” هذا ليس من فعل الطبيعة بل من فعل التقديس بالبركة ،وان قوة البركة ،وان قوة البركة تتفوق على الطبيعة لان الطبيعة نفسها تتحول بالبركة” .”كلمة المسيح التي خلقت الاشياء من لا شيء الا تقدر ان تحول الموجودات الى ما لم تكنه من قبل؟ولا شك ان منح الاشياء طبيعتها الاولى ليس باقل من تحويلها” .
1376-يلخص المجمع التريدنتيني الايمان الكاثوليكي بقوله:”بما ان المسيح فادينا قال لنا ان ما بقربه تحت شكل الخبز هو حقا جسده ،فقط ايقنت الكنيسة دوما هذه العقيدة التي يعلنها المجمع ثانية :بتكريس الخبز والخمر يتحول كل جوهر الخبز الى جوهر جسد المسيح ربنا،وكل جوهر الخمر الى جوهر دمه .هذا التغير،قد اصابت الكنيسة بتسميته التحول الجوهري” .
1377-حضور المسيح الافخارستي يبدا في لحظة التكريس ويستمر ما دامت الاشكال الافخارستية صامدة .المسيح حاضر كله في كل من الاشكال وفي كل جزء منها بحيث لا يتجزا المسيح بتجزيء الخبز .
1378-العبادة الافخارسية:في ليترجيا القداس نعبر عن ايماننا بحضور المسيح الحقيقي تحت اشكال الخبز والخمر بطرق مختلفة ،منها احناء الركب او الانحناء العميق اعرابا عن تعبدنا الرب :”ان الكنيسة كانت ولا تزال تؤدي عبادة السجود هذه التي يجب ان تؤديها لسر الافخارستيا ،ليس فقط وقت القداس ،بل خارج الاحتفال به ايضا :وذلك يحفظ الاجزاء المكرسة باعظم العناية وعرضها على المؤمنين ليجلوها باحتفاء ، ويطوفوا بها” .
1379-الذخيرة المقدسة (بيت القربان)كانت معدة قبلا لحفظ الافخارستيا حفظا لائقا لتحمل الى المرضى والمتغيبون عن القداسة.ومع تعمق الايمان في حضور المسيح الحقيقي في الافخارستيا ،ادركت الكنيسة معنى التعبد الصامت للرب الحاضر تحت اشكال الافخارستيه.ولا بد،من ثم ،من بوضع بيت القربان في مكان من الكنيسة على جانب من اللياقة .ويجب ان يصنع بحيث يظهر بوضوح حقيقية حضور المسيح الراهن في السر المقدس.
1380-من المفيد جدا ان المسيح اراد البقاء الى جانب كنيسته بهذا الشكل الفريد.
كان لا بد للمسيح من ان يغادر ذويه في شكله الظاهر اراد ان يهب لنا حضوره السري.كان مزمعا ان يقدم ذاته على الصليب لخلاصنا ،اراد ان يترك لنا تذكار الحب الذي حبنا “الى اقصى الحدود”(يو 13: 1)يبذل حياته .فهو، بحضوره الافخارستي ،يبقى سريا بيننا، بقاء من احبنا وبذل ذاته لاجلنا ،وذلك تحت الاشكال التي تعبر عن هذا الحب وتبثه.
“ان الكنيسة والعالم بحاجة شديدة الى العبادة الافخارسية.يسوع ينتظرنا في سر المحبة هذا ، فلا نبخل عليه باوقات نذهب فيها للقائه ،في جو من السجود والتامل المفعم بالايمان والاهبة للتفكير عن معاصي العالم وجرائمه .ولا نكفن ابدا عن عبادته” .
1381-“وجود جسد المسيح الحقيقي ودم المسيح الحقيقي في هذا السر،”لا ندركه البتة بالحواس –يقول القديس توما –بل بالايمان وحده المرتكز على سلطة الله”.من هنا ان لقديس كيرلس،عندما يفسر نص القديس لوقا، 22: 19:”هذا هو جسدي الذي يبذل “لاجلكم” ،يصرح قائلا :”لا تتساءل هل هذا صحيح ،بل تقبل بايمان كلمات الرب لانه هو، الحق، لا يكذب” .
“اني اعبدك عبادة عميقة ايتها الالوهة المستترة
والمائلة حقا تحت هذه الظواهر ،
لك يذعن قلبي كله
لانه يذوب كله في تاملك
لا ابصر يدركك ولا الذوق ولا اللمس
وانما نثق فقط بما يقال لنا
اؤمن بما قاله ابن الله
ولا شيء من كلام الحقيقية هذا” .
6- الوليمة الفصحية
1382-القداس هو، في ان واحد ويغير انفصال ،التذكار القرباني الذي تستمر به ذبيحة الصليب،والوليمة المقدسة التي فيها نشترك في جسد الرب ودمعه.بيد ان الاحتفال بالذبيحة الافخارسية يهدف كله الى اتحاد المؤمنين بالمسيح اتحادا حميما بواسطة المناولة.فالمناولة انما هي قبول المسيح نفسه الذي قدم ذاته لاجلنا.
1383-المذبح الذي تلتئم الكنيسة حوله في الاحتفال بالافخارستيا يمثل سرا واحدا بوجهيه: مذبح الذبيحة ومائدة الرب.ويصح هذا بمقدار ما يرمز المذبح المسيحي الى المسيح نفسه،الحاضر وسط جماعة المؤمنين بصفته ،في ان واحد،الضحية المقربة لمصالحتنا مع الله ،وخبزا سماويا يقدم لنا:”ما هو مذبح المسيح الا صورة جسد المسيح؟”،يقول القديس امبروسيوس .وفي موضع اخر: “المذبح يمثل جسد المسيح ،وجسد المسيح موضوع على المذبح ” .وتعبر الليترجيا عن هذه الوحدة القائمة بين الذبيحة والمناولة في صلوات كثيرة .هكذا ،تصلي كنيسة روما في الانافوره:
“اننا نضرع اليك ايها الاله القدير :فليحمل ملاكك [هذه التقدمه]،في ظل مجدك ،الى مذبحك السماوي ،حتى اذا ما تقبلنا ههنا ،بتناولنا من المذبح ،جسد ابنك ودمه،نملىء من نعمتك وبركاتك” .
“خذوا فكلوا منه كلكم”: المناولة
1384- ان الرب يوجه الينا دعوة ملحة لنتناولة في سر الافخارستيا:”الحق الحق اقوال لكم :اذا لم تاكلوا جسد ابن الانسان وتشربوا دمه ، فلن تكون فيكم الحياة “(يو 6: 53).
1385- لكي نلبيء هذه الدعوة،علينا ان نتهيا لهذه اللحظة العظيمة المقدسة .وبحثتنا القديس بولس على محاسبة ضمير :”من اكل خبز الرب او شرب كاسه ،ولم يكن اهلا لهما ، فقد جنى على جسد الرب ودمه.فليحاسب الانسان نفسه،قبل ان ياكل من هذا الخبز ويشرب من هذه الكاس .فمن اكل وشرب ،وهو لا يرى فيه جسد الرب ،اكل وشرب الحكم على نفسه”(1كو 11: 27- 29).فمن عرف نفسه في خطيئة ثقيلة ،عليه ان ينال سر المصالحة قبل ان يقدم على المناولة.
1386- امام عظمة هذا السر ،لا يسع المؤمن الا ان يستعيد، بتواضع وايمان لاهب ،كلام قائد المئة .”يارب ،لست اهلا لان تدخل تحت سقفي.ولكن يكفي ان تقول كلمة فتبرا نفسي” .وفي الليترجيا الالهية ،للقديس يوحنا الذهبي الفم ،يصلي المؤمنون في نفس هذه النفحة:
“اقباني اليوم شريكا في عشائك السري يا أبن الله، فاني لا اقول سرك لاعدائك ،ولا اقبلك مثل يهوذا .بل كاللص اعترف لك :اذكرني يا رب في ملكوتك” .
1387- على المؤمنين ان يراعوا الصوم المفروض في كنيستهم ليحسنوا الاستعداد لقبول هذا السر .ويجب ان يعبر الجسم (بلياقة هندامه وتصرفاته)عما تكنه هذه اللحظة التي يصبح فيها المسيح ضيفنا ،من معاني الاحترام والحفاوة والبهجة.
1388- وينطبق على معنى الافخارستيا بالذات ان يتناول المؤمنين عندما يشتركون فيها في اقداس ،بشرط ان يتحلوا بالاستعدادات المطلوبة :يحرض المؤمنون بشدة على ان يشتركوا في القداس بوجه اكمل ،فيتناولوا ،بعد تناول الكاهن ،من نفس ذبيحة جسد الرب” .
1389-وتلزم الكنيسة المؤمنين بان “يشتركوا في الليترجيا الالهية ايام الاحاد والاعياد” وان يتناولوا الافخارستيا اقله مرة في السنة ،في الزمن الفصحي اذا امكن ذلك ، ويستعدوا لها بسر المصالحة .بيد ان الكنيسة تحت المؤمنين بشدة على ان يتناولوا الافخارستيا المقدسة ايام الاحاد والاعياد،بل اكثر من ذلك ايضا ،وحتى كل يوم.
1390- نظرا الى حضور المسيح السري في كلا الشكلين، فالتناول تحت شكل الخير فقط يتيح الافادة من كل ثمار نعمة الافخارستيا.هذه الطريقة في المناولة قد رسخت شرعيا في الطقس اللاتيني، فاضحت، لاسباب رعائية هي الطريق الاكثر شيوعا .”المناولة المقدسة تحقق ،بطريقة اكمل، وجهها الرمزي عندما تتم تحت الشكلين .فبهذا الوجه يظهر، بطريقة اكمل، رمز المائدة الافخارستية” . وهذه هي الطريقة المتبعة عادة للمناولة في الطقوس الشرقية.
ثمار المناولة
1391- المناولة تنمي اتحادنا بالمسيح.قبول الافخارستيا في المناولة، ثمرته الاولى الاتحاد الحميم بيسوع المسيح. فالرب يقول لنا:”من ياكل جسدي ويشرب دمي يثبت في وانا فيه”(يو 6: 56). والحياة في المسيح ركيزتها الوليمة الافخارستيه:”كما ان الاب الحي ارسلني واني احيا بالاب، فكذلك الذي ياكلني سيحيا بي”(يو 6: 57).
“عندما بتناول المؤمنون جسد الابن، في اعياد الرب، يبشر بعضهم بعضا بان عربون الحياة قد اعطي، كما جرى ذلك عندما قال الملاك لمريم المجدلية: “قام المسيح”. هكذا الان ايضا يعطى كل من يتناول المسيح الحياة والقيامة”
1392- مفعول الطعام في حياتنا الجسدية،تحققه المناولة بطريقة عجيبة في حياتنا الروحية .الاشتراك في جسد المسيح القائم “الذي يحييه الروح القدس ويفيض فينا الحياة” ، يصون حياة النعمة التي تلقيناها في المعمودية ،وينميها ويجددها.هذا النمو في الحياة المسيحية يحتاج الى غذاء المناولة الافخارستية، خبز حجنا [في هذا الحياة]الى ان تحين ساعة الموت فنعطاه زادا[للحياة الابدية].
1393- المناولة تفصلنا عن الخطيئة .جسد المسيح الذي ناخذه في المناولة قد”بذل لاجلنا “،والدم الذي نشربه قد”سفك عن الكثيرين لمغفرة الخطايا”.وبالتالي، فالافخارستيا لا تستطيع ان تضمنا الى المسيح ،من دون ان تطهرنا من الخطايا السالفة وتحفظنا من الخطايا الاتية:
“كل مرة نتاوله، نخبز بموت الرب .فعندما نبشر بموت الرب،نبشر بمغفرة الخطايا .واذا كان كل مرة براق دمه ،انما يراق لمغفرة الخطايا ،فعلي ان اتناوله دائما لكي يصفح دائما عن خطاياي .فانا الذي يرتكب الخطيئة دائما ،الى علاج” .
1394-كما ان الطعام الجسدي يعيد القوى المفقودة، كذالك الافخارستيا تقوى المحبة التي تنزع الى التناقض في الحياة اليومية .هذه المحبة، اذا انتعشت ،تمحو الخطايا العرضية .عندما يبذل لنا المسيح ذاته ،ينعش محبتنا ويمكننا من ان نصرم ما يقيدنا بالخلائق من علائق مشوشة،ونتاصل فيه:
“لقد مات المسيح حبنا بنا.فعندما نتذكر موته وقت الذبيحة ،نساله ان توهب لنا المحبة بحلول الروح القدوس .اننا ندعوه بتواضع ان نتلقى ،نحن ايضا،نعمة الروح القدس ،بفعل هذه المحبة التي دفعت المسيح الى ان يموت لاجلنا ،ويصبح العالم مصلوبا عندنا ونصبح نحن مصلوبين عند العالم ،(…)لقد تلقينا موهبة المحبة فلنت عن الخطيئة ولنحني الله” .
1395-المحبة التي توقدها الافخارستيا فينا تحرزنا من الخطايا الميتة الاتية :فبمقدار ما نشترك في حياة المسيح ونتقدم في صدافته، يمسي اصعب علينا ان ننفصل عنه بالخطيئة الميتة. الافخارستيا لا تهدف الى محو الخطايا الميتة، فذالك من خصائص سر المصالحة.واما الافخارستيا فتتميز بانها سر الذي ينعمون بملء الشركة مع الكنيسة.
1396-وحدة الجسد السري:الافخارستيا تصنع الكنيسة .فالذي ينالون الافخارستيا يتحدون بالمسيح اتحادا اوثق.ومن ثم،فالمسيح يجعلهم متحدين بجميع المؤمنين في جسد واحد:الى الكنيسة .المناولة تجدد وتقوي وتعمق هذا الاندماج في الكنيسة الذي تحقق لنا بالمعمودية.بالمعمودية دعينا الى ان نكون جسدا واحدا وبالافخارستيا تتحقق هذه الدعوة:”كاس البركة التي نباركهما اليست هي شركة في دم المسيح؟والخبز الذي نكسره اليس هو شركة في جسد المسيح؟فبما ان الخبز واحد ،فنحن الكثيرين جسد واحد،لانا جميعا نشترك في الخبز الواحد”(1كو 10: 16- 17):
اذا كنتم جسد المسيح واعضاءه،فسركم هو الموضوع على مائدة الرب، وتتناولون سركم.تجيبون “امين”(نعم هذا الحق)على ما تتناولون ،وتصادقون عليه بجوابكم.انك تسمع هذه الكلمة:”جسد المسيح”.وتجيب:”امين”.كن اذن عضوا في المسيح لتكون “الامين”عندك صحيحة” .
1397- الافخارستيا تجندنا في خدمة الفقراء :لكي نقبل،في الحق،جسد المسيح ودمه المبذولين لاجلنا ،علينا ان نتوسم المسيح في اخوته الاشد فقرا :
“لقد ذقت دم الرب وانت لا تعترف حتى باخيك.انك تدنس هذه المائدة ذاتها ،عندما تحسب غير اهل لمقاسمة طعامك ذاك الذي حسب اهلا ليشترك في هذه المائدة .لقد حررك الله من كل ذنوبك ودعاك الى هذه المائدة، وانت ،حتى في هذه المناسبة ،لم تزدد فيك الشفقة” .
1398- الافخارستيا ووحدة المسيحيين امام عظمة هذا السر،يهتف القديس اوغسطينوس :”يا لسر التقوى!يا لعلامة الوحدة !لرباط المحبة!” كلما تفاقم شعورنا بالم الانقسامات التي تفسخ الكنيسة وتصدع اشتراكنا في مائدة الرب، ازدادت ادعيتنا الى الله لجاجة لتعود ايام الوحدة الكاملة بين جميع المؤمنين به.
1399- الكنائس الشرقية التي ليست على ملء الشركة مع الكنيسة الكاثوليكية تحتفل بالافخارستيا احتفالا مفعما بالحب :”هذه الكنائس ،على انفصالها،تملك اسرارا حقيقية، ولا سيما بفعل الخلافة الرسولية: الكهنوت والافخارستيا اللذين بضمانها الينا ضما وثيقا” .لذالك “ان بعض الاشتراك في الاقداس ،وبالتالي في الافخارستيا ،في الاحوال المؤاتية، وبموافقة السلطة الكنيسة ،ليس هو فقط في حكم المكن ،بل في حكم المحبذ ايضا” .
1400- ان الجماعات الكنسيّة المنبثقة عن حركة الاصلاح والمنفصلة عن الكنيسة الكاثوليكية لم تحتفظ بجوهر السر الافخارستي كاملا، خصوصا بسبب فقدان سر الكهنوت عندها” .ومن ثم، لا يجوز في نظر الكنيسة الكاثوليكية، اقامة الشركة الافخارستية مع هذه الجماعات. ولكن هذه “الجماعات الكنسية” عندما تحتفل بذكرى موت الرب وقيامته في العشاء المقدس، تشهد بان الحياة قوامها الاتحاد بالمسيح، وتنتظر رجعته المجيدة”.
1401- يستطيع الخدمة الكاثوليك ،في حال الضرورة الخطيرة والملحمة ، وامتثالا لحكم الرئيس المحلي ان يمنحوا الاسرار (الافخارستيا والتوبة ومسحة المرضى)للمسيحيين الاخرين الذين ليسوا على ملء الشركة مع الكنيسة الكاثوليكية ،بشرط ان يطلبوها بملء ارادتهم .وعليهم، عندئذ ،ان يعلنوا الايمان الكاثوليكي في في شان هذه الاسرار ،ويتخلوا بالاستعدادات المطلوبة .
الافخارستيا – “عربون المجد الاتي”
1402- في صلاة قديمة ،تهتف الكنيسة مهللة لسر الافخارستيا :”يا ايها الوليمة المقدسة التي تصير المسيح طعامنا ،وتحيي ذكرى الامه ،وتفعم بالنعمة نفسنا وتعطينا عربون الحياة الاتية ” .فالافخارستيا هي،ولا شك ،تذكار فصح الرب ،وباشتراكنا في المذبح نمتلك “من كل بركة سماوية ونعمة ” .ولكن الافخارستيا هي ايضا استباق للمجد السماوي.
1403- في العشاء الاخير ،لفت الرب نفسه نظر تلاميذه الى اكتمال الفصح في ملكوت الله:”اقول لكم:لن اشرب بعد الان عن عصير الكرمة هذا حق ذلك اليوم الذي فيه اشربه معكم جديدا في ملكوت ابي”(متى 26: 29) .كل مرة تحتفل الكنيسة بالافخارستيا،تتذكر هذا الوعد ،وترنوا بنظرها الى “من سياتي”(رؤ1: 4).وفي صلاتها تلتمس مجيئه:”مارانائا”(1كو 16: 22)،”تعال ايها الرب يسوع”22: 20)، “لتاب نعمتك وليعبر هذا العالم!” .
1404- وتعلم الكنيسة ان الرب ،منذ الان، ياتي في الافخارستيا ،وانه ههنا فيما بيننا .ولكن هذا الحضور محجوب عن الانظار .ولذا نحتفل بالافخارستيا “منتظرين الرجاء السيعد ،ومجيء مخلصنا بيسوع المسيح” ،وطالبين “ان نمتلىء من مجدك ،في ملكوتك ،كلنا معا والى الابد ،يوم تمسح كل دمعة من عيوننا .ويوم نراك ،انت الهنا ،كما انت ،سوف نصير شبيهين بك الى الابد .ونسبحك بلا انقطاع ،بالمسيح ربنا” .
1405- هذا الرجاء العظيم ،رجاء سماوات جديدة وارض جديدة يقيم فيها البر ، ليس لدينا عليه عربون اوثق وايه اوضح من الافخارستيا .ولا غرو، فكل مرة نحتفل بهذا السر، “يتم عمل فدائنا ” ” ونكسر خبزا واحدا هو الدواء الذي يكفل لنا الخلود والترياق الذي يحول دون موتنا، بل يتيح لنا ان نحيا في يسوع المسيح دائما” .
بايجاز
1406- قال يسوع :”انا الخبز الحي الذي نزل من السماء .من ياكل من هذا الخبز يحي الى الابد(…).من ياكل جسدي ويشرب دمي فله الحياة الابدية(…)يثبت في وانا فيه”(يو6: 51، 54، 56).
1407- الافخارستيا هي قلب حياة الكنيسة وقمتها ،بها يشرك المسيح كنيسته وكل اعضائها في ذبيحة الحمد والشكر التي قربت لابيه مرة واحدة على الصليب .بهذه الذبيحة يفيض المسيح نعم الخلاص على جسده ،الكنيسة .
1408- الاحتفال الافخارستي يتضمن دائما :اعلان كلمة الله، شكر الله الاب لكل افضاله ولا سيما عطية ابنه،ثم تقديس الخبز والخمر والاشتراك في الوليمة الليترجية،بتناول جسد الرب ودمه.هذه العناصر تؤلف عمل عبادة واحدا.
1409- الافخارستيا هي تذكار فصح المسيح :أي تذكار عمل الخلاص الذي حققه المسيح بحياته وموته وقيامته والذي يغدو ماثلا في واقع العمل الليترجي.
1410- ان المسيح ،الكاهن الابدي الاعظم للعهد الجديد،هو الذي يقرب الذبيحة الافخارستية ،بواسطة الكهنة .والمسيح هو نفسه ايضا المقرب في الذبيحة الليترجية، حاضرا حضورا حقيقيا تحت اشكال الخبز والخمر.
1411- الكهنة الذين نالوا سر الكهنوت بطريقة صحيحية هو وحدهم مخولون ان يرئسوا الافخارستيا ويقدسوا الخبز والخمر ليصيرا جسد الرب ودمه.
1412- خبز الحنطة وخمر الكرمة هما الشكلان الجوهريان في سر الافخارستيا .عليهما تستدعى بركة الروح القدس، ويلفظ الكاهن كلمات التقديس التي نطق بها يسوع في العشاء الاخير:”هذا هو جسدي الذي يكسر لاجلكم (…)هذه هي كاس دمي…”.
1413- بالتقديس يتم تحول الخبز والخمر جوهريا الى جسد المسيح ودمه.وتحت اشكال الخبز والخمر التي جرى عليها التقديس، يحضر المسيح نفسه، حيا وممجدك، حضورا حقيقيا وواقعيا وجوهريا، بجسده ودمه ونفسه والوهيته .
1414- ان الافخارستيا، بوصفها ذبيحة، تقرب ايضا تكفيرا عن خطايا الاحياء والاموات والتماسا لافضال الله الروحية والزمنية.
1415- من اراد ان يقبل المسيح في المناولة الافخارستية عليه ان يكون في حالة النعمة .فاذا تنبه احد الى انه ارتكب خطا مميتا، فعليه الا يتناول الافخارستيا قبل ان ينال الحل من ذنوبه في سر التوبة.
1416- الاشتراك المقدس في جسد المسيح ودمه ينمي اتحاد المؤمن مع الرب، ويغفر له ذنوبه العرضية ،ويحفظه من الخطايا الميتة. وبما ان عُري المحبة بين المشترك في الافخارستيا والمسيح تزداد متانة، فتقبل هذا السر يقوي وحدة الكنيسة، جسد المسيح لسري.
1417- ان الكنيسة تشجع المؤمنين بشدة على تقبل المناولة المقدسة،عندما يشتركون في الاحتفال بالافخارستيا،وتلزمها بذالك اقله مرة في السنة.
1418- بما ان المسيح حاضر في سر المذبح ،فعلينا ان نحوطه بالاكرام والعبادة .”زيادة القربان الاقدس هي دليل معرفة جميل،وعلامة حب، وواجب عبادة تجاه المسيح ربنا” .
1419- عندما انتقل المسيح من هذا العالم الى ابيه، ترك لنا الافخارستيا عربون المجد لديه: فالاشتراك في الذبيحة المقدسة يجعلنا في شبه قلبه، ويستند قوانا في دروب هذه الحياة، ويشوقنا الى الحياة الابدية، ويضمنا منذ الان الى كنيسة السماء والقديسة العذراء مريم وجميع القديسين.